أدب الإملاء والاستملاء
معمر حبار
تفاصيل دقيقة جدا، تتعلق بالعلم والتعلم، يجدها القارىء بشكل مستفيض في كتاب: "أدب الإملاء والاستملاء"، للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمّد منصور التميمي السّمعاني، المتوفي 563 هـ - 1166 ، تحقيق الأستاذ: محمود البادي، و الأستاذ عارف أحمد عبد الغني، دار كنان، سورية، الطبعة الأولى: 1426 هـ - 2006، من صفحة 220.
جزئيات لابد منها: هناك بعض الجزئيات البسيطة، إذا أهملها المرء، لن يبلغ مايريد من التحصيل العلمي، وإذا اهتم بها أثناء طريقه للعلم، بلغ مراده، وتشبّع بأدب العلم، وأخلاق العلماء. ومن بين هذه الدقائق الثمينة، التي ذكرها الكاتب:
تحدّث عن النعاس وكيفية قهره، فقال: وإذا غلبه النّعاس في مجلس الإملاء تحوّل إلى مكان آخر.
وتطرق إلى الأدوات اللازمة للكتابة والإملاء، وخصّص لها فصلا بأكمله، ضمّ صفحات 142-171 سماه: مايحتاج فيه إلى كتابة الإملاء وآلاتها وكيفية الكتابة.
وذكر.. المحبرة، والقلم، والمقلمة ، والسكين ، والخط، بل وذكر طريقة كتابة البسملة، فقال: كيف يكتب بسم الله الرحمن الرحيم.
وقال أيضا: وإن حفظ ثوبه عن المداد وصانه عن السّواد كان أولى. ولايحضر مجلس الاملاء إلا مع المحبرة. ويبالغ في تحسين الخطّ وتجويده. ويستحب أن يكتب خطا غليظا ويجتنب الدّقيق منه.
فصل في أدب المملي 24- 85: ذكر جملة من الخصال الصغيرة الدقيقة الحجم، لكنها كبيرة الشأن مع مرور الزمن، والتعوّد عليها، التي يجب على طالب العلم التحلي بها، وهو بين يدي أستاذه، فقال:
يستحب أن يكون في حال الإملاء على أكمل هيئة وأفضل زينة. وليستعمل من الطيب إن كان عنده. ولينظر في المرآة. وليقتصد في مشيه إذا قصده. وليبتدىء بالسّلام لمن لقيه من المسلمين. ويستحب له أن يصلي ركعتين قبل جلوسه. ويستحب له أن يجلس متربعا متخشّعا. وليستعمل لطيف الخطاب مع أصحابه. ويحسّن خلقه مع أصحابه وأهل حلقته. وينبغي للملي أن يعيّن لأصحابه يوم المجلس. جلوسه تجاه القبلة.
آداب الأستاذ أثناء مجلسه: يتطرق إلى مجموعة من الفضائل الرقيقة، التي يجب أن يتحلى بها الأستاذ، فيقول:
لايحدّث إلا على طهارة. ولايحدّث إلا من كتابه فإنّ الحفظ خوّان. ثم يفتتح بقراءة سورة من القرآن. ثم يرفع صوته بما يريد أن يمليه. ويترحّم على شيخه ويدعو له. ولايروي إلا عن الثّقات. ولايروي مالاتحتمله عقول العوام. ويستحب إملاء أحاديث الترغيب في فضائل الأعمال. وإذا روى حديثا فيه كلام غريب فسّره. ويختم المجلس بالحكايات والنوادر. ثم يتبع الحكايات بالأناشيد والأشعار ويختم بها المجلس. فيستغفر الله سبحانه كي لايكون فارغا. المعارضة بالمجلس المكتوب وإتقانه وإصلاح ماأفسد.
فصل في أدب المستملي 86- 107: البكور خوفا من فوات المجلس. إشراف المستملي على النّاس. أن يكون جهوري الصوت. أن يكون متيقظا محصّلا. أن يتخيّر للاستملاء أفصح الحاضرين لسانا وأوضحهم بيانا وأحسنهم عبارة وأجودهم أداء. وإذا لم يسمع الكاتب حرفا سأل المستملي. ويستحب إذا فرغ من الاستملاء أن يدعو للحاضرين. ويبدأ بالدعاء لنفسه ثم الحاضرين
آداب التلميذ في مجلس أستاذه 109- 130: البكور إلى مجلس الحديث. ويمشي الطالب على تؤدة من غير عجلة. والأولى أن يمشي ولايركب. تشميره ثيابه. ويوسّع الطالب كمّه ليضع فيه الكتب والأجزاء. ولايتكلّف في اللّباس. فإن كان عليه نعلان فليخلعهما قبل دخوله عليه.
الادب مع الأستاذ المملي: وإذا دخل الطالب على المملي فوجد عنده جماعة فيستحب أن يعمّمهم بالسّلام. ويستحب المشي على بساط المملي حافيا لأنّه من التّواضع وحسن الأدب. ويستحب أن يبتدىء بنزع اليسرى من نعله دون اليمنى. وإذا خلعها وضعها عن يساره. ويجلس حيث ينتهي به المجلس. ولايتخطّى الرقاب. فإن استدناه المملي جاز له تخطّي الرقاب. فان استدناه المملي دنا منه بمقدار مايدنيه. وإن أكرمه المملي بمخدة فلايردها وليجلس عليها.
أدب جلوس التلميذ في مجلس أستاذه: ويكره أن يقيم رجلا من مجلسه ويجلس مكانه. ويكره أن يجلس في موضع من قام له عن مجلسه. ويكره أن يجلس في وسط الحلقة. ويكره للطّالب أن يجلس في صدر المجلس. ويكره أن يجلس بين اثنين في المجلس بغير إذنهما. ويستحب لمن كان جالسا في الحلقة أن يوسّع للدّاخل ويتزحزح له عن مكانه. ومتى فسح له اثنان ليجلس بينهما فعل ذلك لأنها كرامة أكرماه بها، فلاينبغي أن يردّها. ويستحب لمن جلس بين اثنين إذا فسحا له وأكرماه بذلك أن يجمع نفسه ولايتربّع. كراهة القعود في موضع من قام من المجلس وهو يريد العود إليه.
آداب توقير الأستاذ 130- 142: ويبالغ في تعظيم المملي وتبجيله. وإذا خاطب الطالب المملي أو راجعه في شيء عظّمه في خطابه. ويكنيه في خطابه ولايسمّيه. وجواز القيام للملي. وإذا كان المجلس غاصا ودخل عليهم المملي أوسعوا له. وتقبيل يده. وتوقير مجلس المملي. ولاينام في مجلس الإملاء. ويحسن الاستماع والاصغاء عند الاملاء. ويستقبله بوجهه. ويتواضع للملي. ويداري المملي ويرفق به ويحتمله
ماذا يكتب 161 – 166: فأوّل مايكتب الطالب في الإملاء بسم الله الرحمن الرحيم. ولايكتب في السطر الذي كتب فيه بسم الله الرحمن الرحيم سوى ذلك. وإذا فرغوا من الكتابة يقرأ المستملي الاملاء والطلبة يعارضون كتابهم.
إعارة الكتب 166 – 170: ونظرا لأهمية الكتاب، شدّد في التعامل معها، وقال: وإذا أعاره فلا يحبسه عنه ويردّه عاجلا. وبعضهم استحسن أخذ الرهون عليها من الأصدقاء.
آداب الإنصراف: بما أنه ركز في البداية على آداب الدخول والجلوس، ختمها بآداب الانصراف، وقال: وإذا أراد واحد من الطلبة أن ينصرف قبل أهل المجلس سلّم عليهم فإنّه من السّنة.