دُعاةٌ على أبوابِ المجرم
عن حُذَيفَة بن اليمان رضِي الله عنه؛ أنَّه قال: كان النّاس يسألون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مَخافة أن يُدرِكني، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير مِن شر؟ قال: (نعم)، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر مِن خير؟ قال: (نعم، وفيه دَخَنٌ)، قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: (قومٌ يَهْدُون بغير هَدْيِي، تَعْرِف منهم وتُنْكِر)، قلتُ: فهل بعد ذلك الخير مِن شر؟ قال: (نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها)، قلتُ: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: (هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا)، قلتُ: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم)، قلتُ: فإن لم يكُن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصْل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنتَ على ذلك).
بعدما رأيناه من انجرار البعض من أبناء شعبنا لتلك الإمّعات المتملّقة من الشيوخ المأجورين والتجار المرتزقة الساعينَ في سَوْقِ وتحريضِ النّاس على مبايعة المجرم الخائن بشار الأسد في مسرحيته الانتخابية، أصبح لِزاماً علينا توعية وتحذير أهلنا القابعين تحت سيطرته وسطوته، بكافة السبل والوسائل المتاحة من مُطاوعة تلك الأفاعي المتلونة التي لا تحمل إلا السموم والبلاء.
كذلك يحتّم علينا تنبيه عموم أهلنا في الداخل والخارج من التغاشم والتحامق والتساهل في تصديق نفاق هؤلاء الناعقينَ والناعقات على منابر السفّاح، والتحذير من بيع الضمائر من أجل فُتات مُغمّس بالدماء، بذريعة البحث عن لُقمة العيش التي باتتْ نادرة في ظلّ حكم الظالم السارق، فكرامة شعبنا وشرفه أسما وأغلى مما يفتريه أصحاب تلك العمائم الخبيثة والوجاهات المنافقة. الذين يُزيّنون للنّاس الكفرَ بشتّى الصور، فيُلمّعون الجزار ويُبَيضونَه، ويسوقون النصوص ويخضعونها لتقوية ما يدعون إليه، ليغطّوا الواقع الظاهر بشبكة عنكبوت هزيلة.
فليتذكرْ المتغافلون مِن السوريين الذين يُعطون آذانهم لشيوخ فروع الأمن دماءَ مليون شهيد سفحها مُرشحهم الأسد، وأنين نصف مليون معتقل حبسهم مُرشحهم الأسد، وآهات الأرامل والثكالى واليتامى الذين سَوّدَ حياتهم مُرشحهم الأسد، ومعاناة نصف شعبنا المهجّر في المخيمات والعراء وزوارق الموت في البحار هجّرتهم براميل وكيماوي مُرشحهم الأسد، وشقاء ساعات الانتظار والذلّ على طوابير الخبز والوقود فداء لرفاهية وراحة عائلة مُرشحهم الأسد..
فيا أهلنا الكرام: إنّ هؤلاء المحرّضين المتمشيخين المتمسّحين ببلاط السفاح إنّما هم عُبّاد مال ومنصب وسلطان، يُضّحون بالشعب في سبيل كُروشهم وقُروشهم وعُروشهم وفُروشهم، فلا تّروّعهم الدماء، ولا تحرك مَشاعرَهم الدموع، لسان حالهم يقول: (ألف عين تبكي ولا عين أمي، وبعد حشيشي ما ينبت حشيش). فدعوا هؤلاء لدنياهم وطغيانهم وفرعونهم، ولا تنساقوا لإفكهم وبهتانهم، والتفتوا لأخراكم وتقواكم وناموسكم، فسيأتي يوم تنتصرُ فيه ثورتنا وأقسمُ إنّه لقريب، عندها سترون تلك الفئة المعممّة الرذيلة ومن يَلفّ لفيفهم مهزومة من البلاد تجرُّ أذيال الخيبة والخِسة، فهم شركاء المجرم في إجرامه بكلّ ما فعل واقترف دعماً له وتأييداً، فلا تثقوا بمن يساومكم على دينكم وشرفكم وضمائركم وكرامتكم.
واعلموا بأنّ النصر يحتاج إلى تضحيات من أهل الداخل والخارج، فلا تكتفوا بما قدمتم، وجميع ما قدّمه ويُقدّمه شعبنا سواء لا يمكن المفاضلة بينه، من غُربة المُهجّر المعتر، إلى كُربة أهل الداخل، كذا جُرح المعتقل في أقبية الاعتقال، فكلّ منّا عليه دفع قرابين نجاح ثورتنا العظيمة، التي بذلتْ الدماء والأرواح مَهراً للحريّة والكرامة والعدالة.
واعلموا أننا ننسى كثيراً من تاريخنا، ولكنّ التاريخ لا ينسى من قدّم وضحّى فقلمه سيّال دفّاق، فلنكتبْ تاريخنا اليوم، فغداً أولادنا وأحفادنا هم القراء والرواة لتلك الآثار من بطولات ومفاخر أو خزايا ونكسات، وما نصنعه اليوم سيكون أمام الأجيال القادمة إمّا لواء فخر وعزّ، أو لواء ذلّ خِزي، فأحسنوا الاختيار ولو كان مُرّاً.
وسوم: العدد 931