الحافظ المنذري والعز بن عبد السلام !
فبهداهُمُ اقْتدِهْ ؟
مما لا شك فيه أن تاريخنا الإسلامي يضم من الرجال العظام ، و القمم السوامق أعدادا لا يطمح إليها أ ي تاريخ إنساني في جميع عصوره و أن لهؤلاء الكرام من المواقف ما يحار معه المرء ، و يقف أمامه مكبرا ، و متعجبا .
وهو حين يستعرض سير هؤلاء لا يحس أنه يقرأ تاريخا مضى و انقضى ، و لم يبق منه إلا العبرة و الذكر الحسن ، و لكنه يرى فيه واقعة حية تبهره ، و تجعله يطمح أن يرتقي إلى مثاليتها الواقعية لما بينه و بين رجالها من سبب ، و تدفعه لأن يتخذ من أعمالهم أسوة يقتدي بها ، ليرتفع إلى ذلك المستوى الذي كانوا عليه!
و قد كان فيهم - رحمهم الله - من الإنصاف و سماحة النفس ، و معرفة الفضل لأهله ما يجعلهم جديرين بتلك المكانة !
ذكر التاج السبكي أنه سمع من أبيه أن الحافظ المنذري صاحب الترغيب و الترهيب ، و مختصر صحيح مسلم ، أفتى في مصر زمنا ثم انقطع عن الإفتاء حين وصلها العز بن عبد السلام قائلا : لا حاجة بالناس إليّ ! و أن العز - رحمه الله - كان يُـسمع الحديث قليلا لما كان في دمشق ، فلما دخل القاهرة توقف عن ذلك ، و صار يحضر مجلس الشيخ زكي الدين - أي المنذري يسمع عليه في جملة من يسمع ...
و بهذه الأخلاق الرضية ، و معرفة أقدار الرجال ، و التجرد من حظ النفس الذي يمكن أن يكون قويا في مثل هذه الأحوال ، ارتفع هؤلاء الرجال إلى مراتب العلماء الربانيين فلا يشعر أحدهم بضيق عندما يجد من هو أولى منه في التبليغ ، و لا يحس بغبن إذا جلس مجلس المتعلم في تلقي علم كان يعلمه ، متتلمذا لمن هو أعلم منه . فلينتبه طلاب العلم إلى مثل هؤلاء ، و ليقتدوا بهم فهم أحق من غيرهم بذلك ....
فبِهُداهُمُ اقْتٓدِهْ !!
وسوم: العدد 932