من الحكمة الرشيدة والسياسة الحصيفة تجنيب غزة حربا خامسة
تجدد الاستفزاز بين المقاومة في غزة وإسرائيل ، وكانت المقاومة هي البادئة بإطلاق البلالين الحارقة على بعض مناطق الغلاف الاستيطاني ، وردت إسرائيل بمهاجمة مناطق في غزة جويا . وشيئا فشيئا قد يؤدي الاستفزاز إلى حرب خامسة على غزة ، و " معظم النار من مستصغر الشرر " . وبينيت رئيس الحكومة الجديدة ، الحكومة التي تحكم بفارق صوت واحد ، قال إنه لا فرق عنده بين البلالين الحارقة والصواريخ ، وإن على الجيش أن يتصرف وفق هذه القناعة ، بل أن يستعد لحرب جديدة ، وتجاوبا مع ما قاله بينيت قال مستوطنو الغلاف إن البالونات أخطر عليهم من الصواريخ من . وتقتضي الحكمة الرشيدة أن تجنب المقاومة غزة حربا خامسة ، وهي التي لم تشفَ من مآسي الحرب الرابعة ، فتوقف إطلاق البلالين التي مهما كانت الخسائر التي تنزلها بالمستوطنين في غلاف غزة فلن تكون شيئا قياسا بما ستنزله أي حرب خامسة بغزة من الشهداء والجرحى والدمار في العمران ، وسيكون ما أنزلته الحروب الأربع السابقة هينا جدا قياسا بما ستنزله الحرب الخامسة إن وقعت .
والأسباب : أولا : رغبة إسرائيل المحمومة في محو الانطباع بأنها هزمت في الحرب الرابعة ، وهو الشعور الغالب في داخلها الذي يقابله شعور قوي واضح لدى المقاومة أنها انتصرت ، وامتد شعورها بالانتصار إلى الشعوب العربية والإسلامية ، وجعلها تستبشر بقرب الانتصار النهائي على هذا الكيان العدواني الشيطاني .
ثانيا : حكومة الائتلاف الجديد هشة لاعتمادها في بقائها على صوت واحد ،ونتنياهو يتربص بها لإسقاطها ، ويهمها أن تقدم نفسها بصفتها حكومة ردع للمقاومة قادرة على توفير الأمن الذي لم توفره حكومة نتنياهو؛ بأمل أن يكسبها ذلك التفاف الجمهور الإسرائيلي حولها .
ثالثا : حلفاء إسرائيل في العالم العربي من بين المطبعين العلنيين والسريين يتمنون حربا جديدة على غزة للقضاء على حماس ،وسارت تحركاتهم أثناء الحرب الأخيرة في هذا الاتجاه ، وما زالت تسير فيه بعدها بنشاط وحيوية أشد لوأد توابع انتصار المقاومة على حليفتهم إسرائيل أولا وعليهم تاليا ، ولم تجد الإمارات حرجا وطنيا أو قوميا أو أخلاقيا أوإنسانيا يردعها عن إرسال وفد إلى مستوطنة " موديعين عيليت " غربي رام الله ، قدم دعما ماليا سخيا للمستوطنة ولكنيسها ، وهذا اعتراف منها بشرعية الاستيطان الإسرائيلي في الضفة ، وقارنوا هذا الدعم بإرسالها جواسيس إلى غزة في حرب 2014 متسترين بالعمل في المستشفى الميداني الذي أقامه هلالها الأحمر ! وأبدى عبد الله بن زايد وزير خارجيتها تألما حادا لعدم تصنيف الدول الغربية حماس حركة إرهابية . والخطوات متسارعة بين أميركا وإسرائيل وهؤلاء الحلفاء لتقوية السلطة الفلسطينية ، وإخراج حماس من المشهد السياسي . وآلية إعادة الإعمار في غزة التي كُلفت مصر بتوليها وتنفيذها من خلال شركات مصرية جزء أساسي من هذه الخطوات ، وحماس تعي كل هذا ، وتسايره مضطرة . وحرب خامسة ستكون أقوى وسائل هذه القوى للقضاء على حماس وعلى المقاومة في غزة ، واستنتاجا من الحكمة أن تعمل حماس والمقاومة على تجنب هذه الحرب ،فتوقف استفزاز البلالين الحارقة ، وكل ما قد يوقع غزة في حرب جديدة ستكون أعنف وأوسع قتلا ودمارا من الحروب الأربع التي سبقتها والتي ما برحت آلامها النارية في قلوبنا وآثارها المرعبة تحت عيوننا ، ولا يزال بعد الحرب الأخيرة مئات الجرحى بلا علاج ، وما يزال 70 ألف إنسان ممن دمرت بيوتهم مشردين في مدارس الأونروا . ولا نعرف مكانا في العالم ابتلي بأربع حروب في اثني عشر عاما سوى غزة ، فإن ابتليت بالخامسة ، وما زلنا في دائرة هذه الاعوام الاثني عشر ، فماذا نسمي هذا الابتلاء ؟! وبم نفسره ؟! هل كل اللوم فيه ملقى على العدو الذي لا ذرة خلاف بيننا على همجيته ودمويته وإجرامه وتصيده السوانح لكل هذه البربريات ؟! محذورٌ الرقصُ على أنغام هذا العدو لكونه رقصا مميتا ، جسيم الأعباء . ما حققته المقاومة الفلسطينية في الحرب الرابعة كبير فاجأ أعداءها وحلفاءها ، والواجب المحافظة عليه والمضاعفة فوقه بوسائل غير قتالية كلما أمكن ، ووسائل الحرب كثيرة ولكل وسيلة وقت تفيد فيه ، وقد تضر في غيره ، ومن الحكمة الرشيدة ، والسياسة الحصيفة تجنيب غزة حربا خامسة يتمناها العدو ويحرضه عليها حلفاؤه العرب ، ويسهمون فيها بأموالهم وغير أموالهم . لا تضع نفسك حيث يريد عدوك ؛ فهو دائما يستهدف اقتناصك !
***
" لابد أن يعدل القائد خططه وفق الظروف المتاحة ." . القائد الصيني صن تسو في فصل "
رسم الخطط "من كتابه " فن الحرب " الذي ترجمته ، ونشرته مسلسلا في موقع " دنيا الوطن " الفلسطيني .
وسوم: العدد 934