رؤيتنا الحضارية لسورية العظيمة بعد تحريرها

كنا تحدثنا في مقالين سابقين، عن تصوراتنا للشكل الحضاري اللائق، والجدير بسورية المستقبل. فطرحنا فيهما خمسة عناصر أساسية، تشكل ركائز ودعائم سورية المستقبل، والتي بدونها لا قيمة لسورية البتة، وهي ترسيخ الحرية، وضرورة تحقيقها للجميع، وطريقة اختيار ممثلي الشعب، والحاكم، وتقرير أن شرع الله تعالى هو الذي يجب أن يحكم ويسود، وتحقيق الأمن والسلام، والركيزة الخامسة تحقيق الأمن الأخلاقي والاجتماعي.  

وفي هذا المقال! نتابع الحديث عن بقية الدعامات الأخرى، التي تُؤازر، وتُساند، وتُعضد الدعامات الخمسة السابقة. 

الركيزة السادسة لسورية المستقبل 

العلم والتعليم! وهي دعامة مهمة جداً – بل هي أساسية - لأي أمة، ولأي دولة تريد أن تصبح من الدول العظمى القوية. 

 فبواسطة العلم! استطاعت اليابان وألمانيا اللتان تحطمتا، وانهزمتا، وانسحقتا، ودُمرتا تدميراً هائلاً، لم يُبق ولم يَذر على الأرض إلا الحُطامَ والفناءَ! ووصلتا إلى الحضيض في الحرب العالمية الثانية. 

فبالرغم من هذه الحالة المزرية البئيسة، والتعيسة التي وصلت إليها اليابان وألمانيا! فبالعلم والتعليم، استطاعتا أن تعيدا البناء - ليس المادي فحسب - بل وأن تنهضا نهوضاً سامقاً، وتصعدا إلى ذروة المجد، وتصبحا أقوى مما كانتا عليه قبل الهزيمة، وأن تنافسا الدول التي هزمتهما، وتدخلا مجموعة السبع الكبرى في اقتصاد العالم، وتجلسا على مقعد واحد، مع من هزمتهما ودمرتهما.  

ومن أجل ذلك! سيتم فرض التعليم مجاناً على كل ذكر وأنثى في سورية المستقبل، في كل شبر من سورية، في القرية، والناحية، والمنطقة، والمدينة، بحيث يتم إلغاء الأمية كلياً من سورية نهائياً. 

والذي لا يُرسل أولاده وبناته إلى المدرسة، ستُرتب عليه غرامة مالية كبيرة، ويُؤخذ أولاده وبناته عنوة منه، ويوضعون في مراكز خدمة المجتمع، وتؤمن لهم الرعاية الكاملة أفضل مما عند أسرهم.  

وكل ناحية يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة! يجب تأمين جميع مراحل التعليم فيها من الابتدائي إلى الاعدادي إلى الثانوي، ولا حاجة لأن يذهب طلاب الاعدادي والثانوي إلى المنطقة أو المدينة التي يتبعونها كما هو الحال الآن، لأجل متابعة تعليمهم. 

وأي منطقة يزيد عدد سكانها عن المائة ألف نسمة، يجب أن تؤمن لها جامعة كاملة الفروع النظرية، والعلمية، والعملية، من الطب إلى أدنى كلية. 

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على المدينة! فيجب تأمين جامعة حكومية أو خاصة لكل مائة ألف نسمة، وهذا يعني أنه يجب بناء أكثر من مائتين جامعة حكومية، أو خاصة في كل سورية المستقبل. 

ويجب إنشاء مراكز بحوث علمية في كل المجالات، والتخصصات. وأن يُشجع الطلاب على الإقبال عليها، والمساهمة فيها، والعمل بجد ونشاط فيها، وذلك بتقديم حوافز ومغريات عديدة، بدءاً من إعطائهم مرتبات شهرية مجزية وهم طلاب، ونشر أبحاثهم في المجلات العلمية، ومكافأتهم على أي بحث كان، وعقد مؤتمرات وندوات لتكريمهم أمام الملأ، وبعد تخرجهم! يجب توظيفهم في الأماكن المناسبة لتخصصاتهم، واستثمار علمهم وكفاءاتهم لإنتاج ما تريده الدولة منهم. 

خاصة وأن الطلاب السوريين! يتميزون على بقية الشعوب العربية والمسلمة، بالذكاء المفرط والإبداع، وسعة التفكير، والقدرة على الاختراع. 

وأكبر دليل على صحة هذا الكلام! الإنتاج المُبهر للطلاب المهجرين، والنازحين خارج سورية في العشر سنوات الماضية! 

فبالرغم من المآسي والمصاعب التي واجهوها، أثناء نزوحهم، والتمييز العنصري الذي تعرضوا له من أبناء البلدان التي هاجروا إليها!، ومع هذا تفوقوا على أبناء تلك البلاد. 

فكيف – يا ترى إذن - إذا تم لهم تأمين استقرار، وحوافز في بلدهم! فبالتأكيد سيبدعون ويكونون سادة الأمم طراً.   

ويجب أن يكون راتب المعلم الابتدائي، أعلى من رواتب المعلمين الإعدادي والثانوي؛ لأنهم هم الأساس في تنشئة جيل قوي، وصلب؛ وحتى يتمكن هؤلاء المعلمون من القيام بواجبهم على أكمل وجه، وبصدق، وإخلاص! يجب تأمين ما يكفي معيشتهم، وألا ينشغلوا بالبحث عن عمل آخر خارج إطار التعليم، لتغطية نفقاتهم! كما كان يحصل قديماً وحالياً.  

كما يجب عقد دورات منتظمة كل عام، أو عامين للمعلمين، لاطلاعهم على العلوم والأبحاث الجديدة في مجال تربية، وتنشئة، وتعليم الأطفال، وغرس القيم الدينية، والخلقية، وتحبيبهم بالعلم، وتشجيعهم على التنافس، وعلى إحراز أعلى الدرجات، وتدريبهم على تمكين، وترسيخ قوة الشخصية في أنفسهم، وإشعارهم بالعزة، والكرامة، وعدم الخنوع، والرضوخ لأي إنسان مهما كانت وظيفته.  

ويجب أن تكون جميع مراحل الدراسة من الابتدائي إلى الجامعة، غير مختلطة بين الذكران والإناث على الإطلاق! بل تبنى مدارس وجامعات خاصة بالذكران، وأخرى خاصة بالإناث. 

لأن كل مشاكل الشباب والفتيات في المجتمعات جميعها، تنشأ من جمع الأقطاب السلبية، مع الأقطاب الإيجابية، ومن ثًمَ تشتعل شرارة انفجار الرذيلة، وشيوع الشهوات، والميوعة، ومن ثًمً تعطيل الإنتاج الفكري، والعلمي! بسبب انشغال كل قطب بالتفكير في التقرب إلى القطب الآخر، لأن هذه غريزة متجذرة في كيان الإنسان، مثل غريزة الطعام والشراب، لا يمكن إلغاءها، أو التخفيف منها! بل كلما تقارب القطبان من بعضهما، كلما تأجج الانفجار، وتطايرت الشرارات الحارقة.      

الركيزة السابعة لسورية المستقبل  

وهي تشكيل جهاز استخبارات واستعلامات ذي قوة كبيرة، تفوق قوة أي دولة في العالم، ويؤدي أدواراً متميزة، ويكون أفراده على مستوى عالٍ من المعرفة، ولديهم شهادات من أرقى المعاهد، والمراكز التخصصية في هذا المجال، مع متابعة القيام بدورات تنشيطية، وتحديث للمعلومات، والحصول على آخر الأبحاث، والدراسات المتعلقة في اختصاصاتهم. وينقسم إلى عدة أقسام:  

1-    القسم الداخلي المدني: وظيفته مراقبة، وتحسس، واستشعار أي تحركات من قبل عصابات، أو مافيات، أو لصوص تعمل في الخفاء، وتحت جنح الظلام! وتريد الإخلال بالأمن العام، وزعزعة الاستقرار، وترويع، وتخويف الناس، وقتلهم أو سرقة ممتلكاتهم، أو النصب والاحتيال عليهم.  

2-    القسم الداخلي العسكري: ووظيفته مراقبة العسكريين في الجيش، واستشعار أي تخطيط ، أو مجرد نية لدى بعض العسكريين، للقيام بأي انقلاب عسكري ضد الدولة، ومعرفة أي اتصالات بين بعض العسكريين، وبين جهات خارجية تحرضها على الانقلاب.  

 

3-    القسم الخارجي الخاص بالدول المحيطة بسورية من جميع جهاتها: والتنبؤ بأي أعمال تعمل على تحريض الناس على القيام بأي أعمال شغب، أو إثارة القلاقل في داخل البلد.  

 

4-    القسم الخارجي الخاص ببقية دول العالم: لمعرفة أي مؤامرات، أو مخططات، أو اتصالات بين أجهزة استخبارات خارجية، وبين ضعاف النفوس، ومرضى القلوب، عديمي الضمير والدين والأخلاق، والذين يؤثرون مصالحهم الخاصة، على المصلحة العامة للبلد، فيقدمون أسرارها للأعداء لقاء دريهمات قليلة.   

الركيزة الثامنة لسورية المستقبل  

وهي الجيش! الذي سيكون الدرع الواقي، والقوة الحامية، والمدافعة عن الوطن، وعن الناس، ويحمي أرواحهم، ويصون أعراضهم، ويحافظ على ممتلكاتهم. 

ولن تكون وظيفته في يوم من الأيام، لحماية الحاكم وأركان دولته فقط ، وإنما سيدافع عنهم كما يدافع عن أصغر إنسان في الشعب. 

ولن يُسمح له بأي شكل من الأشكال، بدخول المدن، وقتل الناس، وسفك دمائهم، لأجل الدفاع عن الحاكم! فهذا خط أحمر! لا يمكن تجاوزه، ولو أطبقت السماء على الأرض، إلا إذا اضطر إلى ذلك اضطراراً، في ظروف ضيقة، ومحدودة جداً، في حال هجوم خارجي، وتمكن من التغلغل إلى داخل المدن، أو ظهرت عصابات وميليشيات فاسدة مفسدة، تحارب الله ورسوله والمؤمنين. 

ولن يُفرض قانون الطوارئ بأي حال من الأحوال، ولو هجمت جيوش الدنيا كلها على سورية! بحيث يؤخذ البريء بجريرة المذنب، أو أن يتم الاعتقال عشوائياً، وعلى الشبهة! 

وحتى لو تم الاعتقال في أقسى الظروف مرارة وشدة، فيجب التحقيق معه بأقصى سرعة، وبالطريقة القانونية الربانية الحضارية، التي تحترم كرامة الإنسان. 

 فإن وُجد أنه بريء! يُطلق سراحه مباشرة، وإلا تُتَخذ معه الإجراءات المناسبة، وتُرتب عليه العقوبة الشرعية التي يستحقها. 

أما أن يُعتقل إنسان بريء على الشبهة، ويُرمى في السجن سنوات عديدة بدون تحقيق، ولا محاكمة، فهذا عمل إجرامي من قبل الدولة! لا ولن يُسمح بممارسته البتة. 

وأي موظف يزاوله ويمارسه، يتعرض إلى المحاسبة الشديدة، وتُفرض عليه العقوبة الصارمة، الرادعة حتى تكون عبرة لزملائه، بألا يزاولها أي موظف فيما بعد. 

وفي حال تطلب الأمر سجن أي مذنب، لن يتم هذا إلا بأمر القاضي فقط ؛ فهو الوحيد الذي يأمر، ويحدد مدة السجن، ولن يخضع السجين إلى أي نوع من أنواع التعذيب، إلا إذا أمر القاضي بذلك أيضاً، واعتماداً على نصوص شرعية، ثابتة. 

 فإن لم يصدر أي أمر بالتعذيب من القاضي، فلا يجوز تعريضه للتعذيب – سواءً كان جسدياً أو نفسياً – فهذا أيضاً خط أحمر.  

والسجن سيكون مدرسة للإصلاح، والتهذيب، والتربية، واستخراج الشرور من نفس السجين، ولتأهيليه ليعود بعد خروجه من السجن، إلى الحياة الطبيعية إنساناً صالحاً مستقيماً.    

  ويجب أن يُبنى الجيش بناءً قوياً، ومتيناً، وأن يكون تعداده ما يعادل 5% من عدد السكان، وأن يمتلك أحدث الأسلحة، وأقواها من مختلف الأنواع، وأن يتم تصنيع معظم الأسلحة، أو جميعها محلياً، وأن تبنى المصانع تحت الأرض، أو في الكهوف، والجبال، ومحاطة بجدران مقاومة لجميع أنواع الأسلحة الفتاكة، ومقاومة للزلازل، ومزودة بكمرات مراقبة، وكمرات تعمل على تشتيت وبعثرة أي إشارات تنصت، أو تجسس تعمل على اكتشاف أما كنها.  

ويُفرض على جميع الشعب الخدمة الإلزامية في الجيش! لتلقي التدريب على جميع أنواع الأسلحة لمدة سنة واحدة فقط ، وتكرر هذه الخدمة سنوياً لمدة أسبوعين، لاستعادة القدرات العسكرية التي تلقوها، والاطلاع والتدريب على أسلحة جديدة. بحيث يبقى جيش الاحتياط دائماً جاهزاً للمشاركة مع الجيش النظامي – إذا تطلب الأمر ذلك - في أي هجوم شرير من الأعداء.  

مع الانتباه إلى أن عناصر الجيش الأساسي، يجب أن تكون من المسلمين فقط ، ولا يُسمح للأقليات بدخول الجيش أبداً، إلا في الخدمة الإلزامية، التي تكون بمثابة جيش احتياطي، حيث يجب أن يقوم الجميع مسلمين وسواهم بالدفاع عن البلد، إذا ما تعرض لأي هجوم خارجي! كما كان يحصل في المدينة المنورة، حينما أبرم الرسول صلى الله عليه وسلم اتفاقية مع اليهود، للمشاركة في الدفاع عنها. 

وسوم: العدد 934