حرب الأنفاق الإسرائيلية في قطاع غزة
د.مصطفى يوسف اللداوي
من المؤكد أن الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، قد بدأوا فعلياً في حفر أنفاق مضادة في قطاع غزة، انطلاقاً من الخط الأخضر قريباً من الحدود الفاصلة، فقد شعر الجيش الإسرائيلي بخطورة الأنفاق على أمنه وسلامة جنوده ومستوطنيه، وتبين له بالدليل والبرهان، قدرة المقاومة الفلسطينية على التغلغل داخل أحشائه، والوصول إلى مناطق وأهداف يصعب الوصول إليها من فوق الأرض، فبات الوصول إليها من جوف الأرض وعبر الأنفاق سهلاً وميسوراً، وهو الأمر الذي تفاجأ وصدم به، بعد أن وجد أن الأنفاق التي اكتشفها، أو تلك التي نشرت صورها، مجهزة ومحصنة وعميقة ومتشعبة، وهو خطأ استراتيجي ما كان للمقاومة أن تقع فيه، إذ لم يكن هناك داعٍ لأن تكشف للعدو عن قدراتها، ولا أن تستعرض في وجهه قوتها وانجازاتها.
وجدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في ابداعات المقاومة فرصة لمحاكاتها وتقليدها، ومحاربتها بنفس الأسلوب والوسيلة، خاصة أنها تمتلك قدراتٍ لوجستية عالية، ولديها من المعدات والآليات والتجهيزات، ما يمكنها من حفر الأنفاق بسهولةٍ ويسر، وتحصينها وتمتينها، وتزويدها بكل وسائل الأمن، وآليات التواصل والاتصال، وربطها بعقدٍ جوفية عديدة، تيسر عليها التنقل وتغيير اتجاهاتها تحت الأرض، فضلاً عن أنها تريد أن تفقد المقاومة الورقة الرابحة الجديدة التي باتت تملكها وتتميز بها، وقد اعترف العدو عند اكتشافه لها لأول مرة، بأن الأنفاق سلاحٌ استراتيجي جديد، وتكتيكٌ معقد، سيكلف الدولة العبرية خسائر كثيرة، وقد يدخلها في تجربةٍ لم يكن قد استعد أو تهيأ لها، خاصةً إذا نجح رجال المقاومة في الوصول إلى العمق، واحتجاز مجموعاتٍ مدنية أو عسكرية إسرائيلية كبيرة.
الكيان الصهيوني بات يفكر جديداً في عملياتٍ أمنية خطيرةٍ في قطاع غزة انطلاقاً من الأنفاق، حيث يملك خارطة شبه دقيقة لهياكل القطاع العامة، ورسوماتٍ جديدة لشوارع وطرق ومساكن ومؤسسات القطاع، فضلاً عن الشبكة الرئيس القديمة للمجاري الصحية، كما أنه يكاد يعرف عناوين المسؤولين والأهداف الرئيسة بدقة، ويعرف أقصر الطرق للوصول إليها، ويستطيع أن يواكب عملياته الأمنية بمتابعةٍ جويةٍ دقيقة، ترصد وتصور وتتابع وتساند، وتستطيع التدخل السريع في اللحظة المناسبة، لإجراء عملية إنقاذ أو إجلاء أو مساعدة، فضلاً عن إمكانية وجود زوارق حربية إسرائيلية، مجهزة بطواقم كوماندوز مدربة للتدخل السريع الفاعل.
على المقاومة الفلسطينية أن تعي جيداً أن العدو الإسرائيلي أصبح يمتلك خرائط حقيقية للأنفاق في قطاع غزة، وأن أجهزته الأمنية تحاول اختراق الشبكات الاليكترونية وخطوط الاتصال السلكية داخل الأنفاق، كما تعمل على تحليل الهواء في الأنفاق، ومعرفة طبيعة الموجودات فيه، فضلاً عن احتساب نسبة المتفجرات فيها، وحجم وطبيعة المواد الكيميائية والأسلحة المخزنة، بما فيها الصواريخ والعبوات.
ولا نستبعد أبداً قيام العدو الإسرائيلي بتسميم الأنفاق، أو إغراقها بالمياه، أو كهربتها لصعق جميع من فيها، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية تقدم لإسرائيل آخر خبراتها في كشف الجوف، والتعرف على طبيعة الطبقات العليا من القشرة الأرضية، بما ييسر على الإسرائيليين تضييق دائرة البحث والاستكشاف، والتنبؤ بأماكن الأنفاق وتحديد مواقعها بدقةٍ أعلى.
كما تستطيع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من خلال التقنية العالية زرع أجهزة تنصت ومراقبة وتسجيل وتصوير داخل الأنفاق، من خلال نثر ونشر عشرات الآلاف من المجسات الاليكترونية، والرقائق التي ترتبط بالحواسيب ومحطات التتبع والمراقبة، وهي شبكياتٌ إليكترونية يسهل اتلافها أو تعطيلها في حال الاستغناء عنها أو كشفها، مخافة وقوعها في أيدي المقاومة، أو تفكيكها والتعرف على تركيبتها وطريقة عملها.
فهل نبهت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة العدو الإسرائيلي إلى أهمية سلاح النفاق، ودفعته لاعتماد ذات الاستراتيجية في مواجهة التنظيمات العسكرية، ورأت بأنها وسيلة سريعة وفعالة ومجدية، كما أنها مربكة ومفاجئة ويمكنها تحقيق أفضل النتائج الأمنية المرجوة، بأقل قدرٍ من الخسائر البشرية، حيث يسهل على الفرق الأمنية الإسرائيلية المنفذة مغادرة الأنفاق بسرعة، والوصول إلى مناطق آمنة يصعب على رجال المقاومة الوصول إليها، خاصة أنها قادرة على إجراء أوسع عملية تمويه لحفرياتها، بما يعمي العيون، ويخفي حقيقة عملياتها.
على المقاومة الفلسطينية أن تعي جيداً أن العدو الصهيوني قد بدأ فعلاً في اعتماد استراتيجية الأنفاق، وأنه باشر الحفر، وربما أصبح لديه أنفاقاً جاهزة وقادرة على الوصول إلى عمق قطاع غزة، فليأخذوا حذرهم، ولينتبهوا إلى خطورة المفاجئات الإسرائيلية القادمة، فلا نؤخذ منه على حين غرةٍ، ولا نصاب بمقتلٍ بالسلاح الذي ابتكرناه وطورناه بأنفسنا، ولنعلم أن العدو الإسرائيلي يتعلم منا، ويستفيد من قدراتنا، ويدرس انجازاتنا، ويقيم نجاحاتنا، ويأخذ العبر والعظات من أخطائه وخيباته، فلا نغمض العين عن عدونا، ولا نطمئن كثيراً إلى قدراتنا، ولا نركن إلى حجم إنجازاتنا.