آيات وسياقات ...
زهير سالم*
عشنا حينا من الدهر ، وما نزال ، في ظل أنظمة استبدادية غاشمة ظالمة ضالة مضلة . سامتنا رهقا ، وأذاقتنا الظلم ألوانا ، وتفننت في إيذائنا ، وفي تجهيلنا وتضليلنا وخداعنا والكذب علينا ، ومراودتنا عن ديننا . تبذل كل جهد لإبعادنا عنه ، فإذا احتاجته اجتاحته لتوظيفه في خدمة مآربها ، واستخدمت ألسنة أناس باعوا قلوبهم وضمائرهم فحرفوا الكلم عن مواضعه ، ووظفوا آيات الله في غير سياقاتها ، ودفعوا بها في وجوه الناس في غير مواطنها ، يقلبون الحق باطلا ، والباطل حقا . حتى اعتاد الناس جميعا بما فيهم المنكرون على الظالم الفاسد المستبد ، الطريقة والأسلوب . في الرفض بالجملة ، والأخذ على السواء ، وتجاوز حكم الظاهر المتاح إلى حكم الباطن الذي لايعلمه إلا من يعلم ( السر وأخفى ) مدحا وذما ، وتعديلا وجرحا ، وتزكية وتعرية ...
وما أكثر ما سمعنا ألسنة الشر من دعاته ترمي المؤمنين الأطهار الأبرار لخلاف على بعض الأمر بأشد ما في كتاب الله من آيات ؛ من أمر في مواجهة المحادين لله ورسوله ، المشاققين لجماعة المؤمنين ، المفارقين لجماعتهم فيندفع لسان الشر في القذف بآيات الله في غير مواطنها في وجوه الناس : " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " . أو" واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم " . أو أن يتهم بعض المسلمين وقد بغى بعضهم على بعض بآيات الحرابة دون آيات البغي فلا يجد من كتاب الله إلا قوله تعالى : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض " ..
ومع أن القرآن كله قرآن . ومع أنه آياته كلها كلمات ربنا جل وعلا ، وكلها نور مبين ، وحكمة بالغة ، وحجة بينة ؛ إلا أن أولي الألباب هم الأقدر دائما على إيراد الآية في سياقها ، والاستشهاد بها في موطنها ، إن كانت آية بشرى فلأهل البشرى بعموهم وحسب ظاهرهم ، وإن كانت آية نذارة أو عذاب أو وعيد فبحسبه أيضا وفي سياقه ...
أيها الناس اربعوا على أنفسكم فليست هذه شريعتكم وفي أحكامها كما تعلمون : الرجل يقتل كفرا ، والرجل يقتل حدا ، وفي شريعتها محارب مفسد ، وصائل يرد بما يرتد فيه ..
والجبان والضعيف والسفيه هو الذي يرمي بأكبر حجر ، أو بأغلظ عصا ، أو بأمضى سلاح في يده ، ويقذف بأعظم التهمة لمخالفه : الخيانة الوطنية ، والكفر الشرعي ، ومحاربة الله ورسوله والسعي بالفساد بين الناس ..
في شريعتنا حرب البغاة حرب تأديب حتى يفيئوا إلى أمر الله ، فإن فاؤوا فلا بغي ولا عدوان ، ولا يزفف على جريحهم ، ولا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يغنم مالهم ..
أيها الناس : اربعوا على أنفسكم ، ولا تنسوا الفضل بينكم ، وهونا ما فعسى .. وعسى .. وعسى ..
يا أولي العلم : علمونا
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية