الشعب التونسي يعاقب على كونه أول من قدح شرارة ثورات وحراك الربيع العربي
الشعب التونسي يعاقب على كونه أول من قدح شرارة ثورات وحراك الربيع العربي بإعادته من جديد إلى عهد الحكم الشمولي والإجهازعلى مكسبات ثورته
تلقى الشعب التونسي ليلة البارحة نبأ صادما كان وقعه عليه كوقع صاعقة حيث أعلن الرئيس الذي وصل إلى سد الحكم بإرادته واختياره انقلابه على التجربة الديمقراطية وعلى شرعية برلمان صوت عليه الشعب ، وهو ممثله والناطق باسمه مهددا بالويل والثبور وعواقب الأمور ومستعملا لغة وابل الرصاص . ولقد أصبح مقر البرلمان محتلا بعناصر الجيش دليلا على حقيقة الانقلاب مانعا أعضاءه من دخوله بأمر من سيادة الرئيس الأستاذ الجامعي الذي طالما استشهد بعبارة عمر الفاروق رضي الله عنه الشهيرة الدالة على خوفه من جسامة المسؤولية ، ويسرد على الرأي العام التونسي ، وعلى الرأي العام العالمي ما كان يسميه خطوطا حمراء ، وها هو اليوم يتخطى أخطر خط أحمر بإجهازه الصارخ على تجربة ديمقراطية فتية ورائدة في كل الوطن العربي لكنها لم تسلم من التآمر عليها من قوى دولية وإقليمية كما عبر عن ذلك الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي الذي اعتبر أن ما وقع ليلة أمس هو اكتمال مؤامرة خبيثة على مكتسبات ثورات الربيع العربي .
ولقد نسف أستاذ القانون ـ يا حسرتاه ـ مكسب ثورة الشعب التونسي ، ونزل إلى شارع يحمل اسم ديكتاتور محاطا بحرسه ،ومزهوا بذلك وقد جمع حوله شرذمة من ممجدي الاستبداد كما سماهم المفكر عبد الرحمان الكواكبي محاولا شرعنة ما أقدم عليه من حنث عظيم في يمين نطق بها ويده فوق كتاب الله عز وجل وهو بذلك يحذو حذو المنقلب انقلابا دمويا على الشرعية والديمقراطية في مصر وحذو أمثاله من العسكر في بلدان عربية أخرى .
لقد أضرم البوعزيزي المسكين رجمه الله تعالى النار في جسده لينعم شعبه بالحرية والديمقراطية ،وقرت عينه وهو في عالم البرزخ بما آلت إليه الأمور بعد تقديم نفسه قربانا لوطنه لكنه ليلة أمس فجع بنبأ الإجهاز على مكاسب ثورة شعبية هو أول من قدح شرارتها مقدما روحه ثمنا لها .ولقد عادت الشرطية التي صفعته من جديد لتصفع شعبه إذا ما طالب باسترجاع حريته وديمقراطيته وشرعيته وكرامته .
ولقد خرج المهللون بهذا الانقلاب كما خرج أمثالهم من قبل في مصر وهم اليوم يعضون أيديهم ندما على تهليلهم بعدما تبين لهم أنهم خدعوا في ثورتهم وفي ديمقراطيتهم وشرعيتهم ، وبعدما صارت أحوالهم أسوأ مما كانت عليه قبل ثورتهم في فترة الاستبداد والفساد السياسيين . وإن المهللون للشمولية يعتبرون وصمة عار على جبين الشعب التونسي وعلى جبين الأمة العربية قاطبة ، وعليهم ينطبق المثل القائل : " يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العاقل بعدوه " .
إن القوى الخارجية والإقليمية ذات المصالح المكشوفة كما سماها المنصف المرزوقي ـ وعنده الخبر اليقين ـ التي استهدفت ثورات وحراك الربيع العربي واهمة كل الوهم إذا ما ظنت أنها قد نجحت في ذلك باستكمال الإجهاز على التجربة الديمقراطية التونسية كآخر أمل تعلقت به الأمة العربية ، وإن مستقبل الأيام قد يحمل ما يجعل تلك القوى المغرضة تندم الندم الشديد ولات حين مندم .
ولم يصدر لحد الساعة عن الدول التي تنصب نفسها وصية على الديمقراطية في العالم أي موقف يشجب أو يدين الانقلاب عليها في تونس تماما كما حصل ذلك في مصر من قبل ، وهو ما يجعل الديمقراطية مجرد وهم تضلل به الشعوب التي تعاني من ويلات الحكم الشمولي . فما معنى الإيمان باللعبة الديمقراطية ثم الكفر بها إذا ما أفرزت صناديق الاقتراع ما لا ترضاه القوى الدولية المهيمنة والقوى الإقليمية التي تستأجرها لتطبيق أجنداتها وصرف أموال ثروات شعوبها عليها ؟
أجارك الله تعالى يا شعب تونس الشقيق في إعدام ديمقراطيتك وحريتك وشرعيتك وكرامتك من جديد ، فأقم المأتم ،ولك الله تعالى وهو حسبك ونعم الوكيل ، ولا تنسى أن شاعرك الشابي أنك إذا ما أردت يوما الحياة استجاب لك القدر.
وسوم: العدد 939