منافع الحج
💜 منفعة الحرية:
علل القرآن الكريم إيجاب الحج إلى بيته المعظم، بذكر الله في أيام معلومات، ثم قال: {ليشهدوا منافع لهم}، والمنافع كثيرة ووفيرة، بعضها مادية كالتجارة، وبعضها معنوية كالتعارف والتعاون، والتضافر والتآزر، والتدرب العملي على كثير من القيم الحضارية في الإسلام كالحرية والمساواة والعدالة والنظام.
ونظراً (للمكاره) الكثيرة التي خلقها في حياتنا الاستبداد، فيمكن أن نتخيل ماهية (المكارم) الكثيرة التي يمكن أن تحققها الحرية، فهل هناك منفعة أكبر وأنفس من الحرية؟!
💜الحج إلى واحة السلام:
من مقاصد الحج إشاعة السلام الشامل في الوجود، فالحج يقع ضمن الأشهر الحرم التي يشتد فيها النكير على انتهاك الحرمات، ويلتقي الناس في البقاع المقدسة من كل فج عميق، متجاوزين كل العصبيات، متناسين سائر الضغائن، رافعين أزاهير السلام، ناشرين ظلال المساواة، عازفين ترانيم الإخاء، يحدوهم قول الحق عز وجل: {ومن دخله كان آمنا} [آل عمران: 97]
إنه سلام الزمان والمكان، السلام الذي ينساب في أوصال الأنفس، ويسري في أصقاع الواقع، شاملاً بنسائمه سائر الكائنات، حيث التدرب على التعايش بسلام مع الحيوانات، واحترام البيئة التي يحرم اصطياد حيواناتها، وحصد نباتاتها.
ولذلك فإن من المأثور أن يدعو المسلم عندما يرى الكعبة بقوله: "اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام".
💜الحرية قبل الشريعة:
الحج من أهم المحطات التي جعلت بعض علماء المقاصد يذهبون إلى أن الحرية قبل الشريعة، وأن مصلحة الأبدان مقدمة على مصلحة الأديان، وأن حقوق الإنسان مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة!
💜يُسر الإسلام:
مع أن الحج من أكثر العبادات مشقة إلا أنه يجسد في ثناياه مقصد اليسر الإسلامي، فالحج غير مطلوب ابتداء إلا ممن استطاع إليه سبيلاً: صحةً ومالا وأمنا!
ثم إن كثيراً من طقوسه تراعي الفروق الفردية بين الناس، فالمرء يطوف ويسعى وفق الاستطاعة، ويقف حيث تبلغ به رجلاه في عرفات، ويبيت في مزدلفة قدر الاستطاعة، ويختار من أنواع الحج الثلاثة ما يوافق ظروفه ويلائم استطاعته، ويذبح ما تيسر له من الهدي، ولهذا كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفيات مختلفة لعديد من مشاعر الحج، فكان يقول لكل واحد منهم: "إفعل ولا حرج"!
💜تعظيم حقوق الإنسان:
من منافع الحج تدريب الحجاج عمليا على تجسيد حقوق الإنسان وتعظيم النيل من أي منها؛ أموالاً ودماء وأعراضا، حيث لا بد من الحساسية الشديدة نحو حقوق الآخرين، والانشغال بالذات تخلية وتحلية، بالاشتغال بمعالجة عيوب النفس ومحاسبتها عليها، والتوبة منها، والاتصال بالله لطلب المدد المحقق للنصر المؤزر على النفس الأمارة بالسوء، حتى يتحقق الحج المبرور، ويعود الحاج كيوم ولدته أمه.
والحج المبرور هو الذي يجعل صاحبه في تعظيم حقوق الله وحقوق الناس أفضل مما كان قبل الحج.
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الإطار على الأقوياء مزاحمة الضعفاء على استلام الحجر الأسود، كما فعل مع عمر بن الخطاب. وحرم التزاحم عند رمي الجمار، وكذا في سائر المناسك.
وفي ذات السياق حرم بعض العلماء على الأمراء والأغنياء الحج في مواسم الكوارث وانتشار الفقر، وأوجبوا عليهم دفع الأموال للفقراء والمحتاجين، وحرموا الحج على المصاب بأمراض معدية، حتى لا تنتقل العدوى كما فعل عمر مع المرأة المجذومة.
💜كعبة الإنسان المكرمة:
المسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس، وتتجسد فيه قدسية سائر المساجد والمعابد وبيوت الله في هذه الأرض، وبناه أبو الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، وهو البيت العتيق في الأرض الذي يوازي البيت المعمور في السماء، وله من القدسية ما ليس لأي بقعة أو بناء في الأرض كلها، ووردت في فضائله ومزاياه كثير من الروايات.
غير أنّ هذا الدين جعل حرمة الإنسان الواحد أشد من حرمة وقدسية هذه الكعبة المشرفة، فهو كعبة الله المكرمة والتي أسجد لها الملائكة، بعد أن كرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً!
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يعمق هذا المفهوم في نفوس أصحابه دوما.
روى ابن ماجة أن رسول الله وقف أمام الكعبة وقال: "ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك: ماله ودمه وعرضه"!
💜 فنن:
لشجرة الحج ثمار فكرية واقتصادية واجتماعية وسياسة لا تحصى، إن زرعت وفق المنهج النبوي الأمثل.
وسوم: العدد 939