زمانُ المقاومةِ يقبلُ وعهدُ الانتصارِ يقدمُ "1"
معادلاتٌ للصراع جديدةٌ تُفرض، وقواعدٌ للاشتباك قوية تُخلق، وحقائق على الأرض راسخة ترسم، لو أنها كانت قديمةً ما هُجِّرنا من فلسطين ولا طردنا منها، ولا فقدنا أرضنا ولا خسرنا مقدساتنا، ولا تمكن العدو منا ولا استعلى علينا، ولا أسس كيانه على أرضنا ولا اعتدى بقوته على حقوقنا، وقد كان بإمكاننا لو صدق قادتنا واستقلت إرادتنا، أن نفرضها على عدونا، ونُكْرِهه على احترامها والخضوع لها، ونجبره على الرحيل من أرضنا والتخلي عن أحلامه بيننا.
شعوبنا العربية والإسلامية التي كانت إبان النكبة وما قبلها، وزمن النكسة وما بعدها، لا تقل عن شعوبنا اليوم عزماً وإرادةً، وغيرةً وإيماناً، وقوةً وعنفواناً، ووعياً ودرايةً، ولكنها للأسف كانت مسلوبة الإرادة، مصادرة القرار، خاضعة للاحتلال وقوى الاستعمار، وممنوعٌ عليها السلاح، ويقتل حامله ويضيق على ناقله، حتى بات العدو المحمي والمصان من انجلترا، والمدعوم من فرنسا والتشيك وغيرهما، أكثر عدداً، وأقوى سلاحاً، وأسرع انتشاراً وإحلالاً مكان قوات الانتداب الراحلة.
لن نكون كآبائنا ضعافاً، ولا كأجدادنا خائفين، وإن كانوا جميعاً حقاً مظلومين، ولن نترك أرضنا ولن نتخلى عن حقوقنا، ولن نفرط في كل شبرٍ من أرضنا، وسنقاتل بكل ما أوتينا من قوة، وما امتلكنا من عزمٍ، وإننا اليوم أقدر على القتال بعقيدتنا الراسخة، ومقاومتنا الباسلة، وبيئاتنا الصابرة، ورجالنا الشجعان، وقادتنا المخلصين، وحلفائنا الصادقين، وسلاحنا القوي الذي نصنعه بأيدينا، ونطوره بقدراتنا، ونحسنه مدىً ودقة إصابة وشدة أثر بأنفسنا، فقد بتنا نمتلك سلاحنا الوطني، ونعزز صمودنا، ونخطط لمستقبلنا، ونعد العدة للمعركة الخاتم مع عدونا، وإننا وإياه لعلى موعدٍ لن نخلفه سوى، فيه يتحقق الوعد الإلهي الخالد لنا، فندخل المسجد كما دخلناه أول مرةٍ، ونتبر بالقوة ما علو تتبيراً.
ها نحن قد أثبتنا في الميدان، في غزة ولبنان، مرةً تلو أخرى، استعلاءنا الأنضى، وقوتنا الأمضى، وأظهرت الجبهات تفوقنا الأعلى، وكشفت ساحات القتال شدتنا، ومعادلات الصراع قوتنا، وأثبتنا للعدو جاهزيتنا، وأعلمناه بالفعل استعدادنا، فخيبنا آماله بردنا في القدس التي ظنها حرمه الآمن وعاصمته المعصومة، وفي شماله الذي اعتقده مصوناً بالقوة ومحمياً بالردع، ولكن صواريخ المقاومة من الجنوب أذهلته إذ أصابت في القدس قلبهم، وفي الشمال أيقظتهم من سكرتهم ونبهتهم من غفوتهم، فكان الرد على عدوانهم بالقدر والمثل، وبالعمق والأثر.
ينشغل الإسرائيليون ومراكز دراساتهم المتعددة بدراسة التطور الحادث في ذهنية الأمة وعقلية المقاومة، التي باتت تعد بالنصر وتحققه، وتهدد بهزيمتهم وتوقعها، وعمدوا إلى إعداد الخطط ووضع البرامج والتصورات لمواجهتها والسيطرة عليها، وقد وقَرَ في أذهانهم واستقر في عقولهم، أن القوة وحدها لا تكفي لتحقيق ما يريدون، ولا تستطيع حماية ما بنوا والدفاع عما أسسوا، فترى بعضهم يقول بعالي الصوت وجريء العبارة، توقفوا عن العدوان على الفلسطينيين وغيرهم وأعطوهم ما يريدون، تعيشون بأمنٍ وسلامٍ، وتتخلصون من هواجس الحرب وكوابيس القتال.
أو اعملوا على تفتيت بنيتهم العسكرية والشعبية، وتمزيق بيئتهم وتسميم حاضنتهم، فهم أقوياء بجبهتهم الداخلية، وبعمقهم الشعبي، وحاضنتهم الوطنية، التي باتت تردفهم بالسند والمدد، وتؤيدهم بالقوة والعاطفة، وتحفظهم من الغدر والخيانة، وتصبر معهم على المحنة والابتلاء، وتتحمل معهم القصف والعدوان، ولا تنجر بسهولةٍ إلى الفتنة الداخلية والانقلاب، ولا تستجيب للاقتتال الطائفي والتناحر المذهبي، أو التناقض القومي والصراع الحزبي، ورغم ذلك لا بد من العمل بلا يأسٍ ولا كللٍ ولا مللٍ، بكل السبل الممكنة، وبالتعاون مع كل الأصدقاء والحلفاء، والاستفادة من بعض الأنظمة العربية، على اختراق جبهتهم الداخلية وإضعافها، والتأثير على حاضنتها وبث الخلافات بينها، وإلا فإن قوة المقاومة في تعاظم، ومجتمعاتهم تتماسك أكثر، وكلمتها تتحد وإرادتها تتوافق.
لكن شعبنا بات يعي أكثر ويخطط أفضل، ويدرك مرامي العدو وأهدافه، ويكتشف نواياه ويعرف مؤامراته، ويطلع على أسراره ويفضح أدواته، ويعرف أنه بات اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى، وأكثر هشاشةً من أي مرحلةٍ سبقت، وأنه المفكك حكومياً، والمعزول سياسياً، والخائف داخلياً، والفاقد للثقة في حكومته وغير الواثق في جيشه وقيادته، لا يستطيع أن يخوض غمار حربٍ جديدةٍ طويلةٍ متعددة الجبهات، استعدت لها المقاومة بكل أسمائها، وتهيأت لها واستعجلت وقوعها، ليقينها أنها فيها ستنتصر، وأن العدو فيها وأمامها لن يثبت، وأن كيانه بعدها سينهار ويضعف، وقد يتفكك وينتهي ويزول.
لن ينتصر اليوم علينا العدو بسهولةٍ، ولن ينال منا كما كان يأملُ يتمنى، بل سننتصر عليه بإذن الله حتماً، وسننال منه وعداً، وسترتفع رايات المقاومة في كل السوح والجبهات خفاقةً عليةً، عزيزةً أبيةً، فهذا الزمان زماننا، وهو وعد الله الخالد لنا، فثقوا بعد الله عز وجل في مقاومتكم، وكونوا معها والتفوا حولها، وأيدوها ودافعوا عنها، وادعموها بالمال والسلاح، وذبوا عنها المتآمرين، وردوا المرجفين، وكفوا عنها سهام المعادين.
وثقوا أننا لن نهزم بعد اليوم، توكلاً على الله عز وجل واعتماداً عليه، من قلةٍ، ولن نتراجع عجزاً أو ننكفئ فراراً، ولن تكسر شوكتنا ضعفاً، ولن تخضع شعوبنا خوفاً، ولن تخنع نفوسنا جبناً، ولن نركع ذلاً، ولن تنحني قاماتنا لمحتلٍ، أو تتطأطأ رؤوسنا لغاصبٍ، ولن تضعف عزائمنا أمام متآمر، بل سنتشامخ ونتعالى، ونتيه ونفخر، وترتفع جبهانا وتتسامى أرواحنا، فنحن الأقوى والأقدر، ونحن الأبقى والأنقى، ونحن الأنذر وإلينا المحشر.
زمانُ المقاومةِ يقبلُ وعهدُ الانتصارِ يُقدمُ "2"
لا تبالغ قوى المقاومة العربية والإسلامية في تقدير حجمها واستعراض قوتها، ولا تتباهى غطرسةً وتتبختر غروراً بقدراتها القتالية وإمكانياتها العسكرية، ولا تتظاهر بأسلحتها استقواءً على أحدٍ أو تطاولاً على فئةٍ، ولا تدعي أنها تتفوق على العدو قوةً وتسليحاً، وعديداً وعتاداً، وامتداداً وانتشاراً، وحركةً وانتقالاً، وإسناداً وإمداداً، أو أنها تملك جيوشاً نظامية وثكناتٍ عسكريةً، ودباباتٍ وطائراتٍ وقاذفاتٍ وقنابل مدمرة، ووسائل قتالية متطورة، كتلك التي يمتلكها العدو وحلفاؤه، بل تعترف بأن العدو أكثر سواداً وأعظم تسليحاً، لكنها تؤمن أنه كغثاء السيل عدداً، وكبيت العنكبوت ضعفاً.
إلا أن قوى المقاومة العربية والإسلامية، التي تحتفظ بأسرارها العسكرية وجاهزيتها القتالية، وتبقي يدها على الزناد دائماً بيقظةٍ وحذرٍ، تؤمن أنها بقدراتها ولو كانت بسيطة فإنها قوية، وهي بسلاحها المحدود قادرة على انتزاع النصر حيناً، أو إفشال العدو وإحباط مؤامراته وإسقاط مشاريعه في أحايين كثيرة، فهي لا تخاف العدو ولا تخشاه، بل تقتحم حصونه وتجتاح تحصيناته، وتوغل فيه وتثخن في صفوفه، ولكنها لا تكتفي بالقدرات المعنوية، والمعاني الروحية التي تستقوي بها وتتميز، وهي لا تركن إلى القدر دون عمل، ولا تتوكل على الله عز وجل وتتراخى، بل تؤمن بالله سبحانه وتعالى وتعتمد عليه، وتعمل جادةً على تطوير قدراتها، والاستفادة من إمكانياتها، واستغلال طاقات شعبها، وتسخير إبداعات مقاوميه العديدة في المعركة ضد العدو.
لما كانت قوى المقاومة تدرك حجم الآمال المعلقة عليها، وتعرف المهمة التي انبرت لها وتقدمت لأجلها، وتعلم يقيناً أن المهام التي تتصدى لها كبيرة وخطيرة، وأنها لا تستطيع مواجهتها دون إعدادٍ كافٍ وتجهيزٍ حقيقي، ولهذا فقد دأبت على تطوير قدراتها، وتحسين أدائها، وتدريب مقاوميها، وباتت تملك أسلحةً فتاكةً، وصواريخ بعيدة المدى تصل إلى كل الأهداف المرصودة داخل الكيان الصهيوني، وقد أصبحت صواريخها دقيقة الإصابة شديدة الأثر قوية التدمير، وغدا رجالها يمتلكون القدرة والكفاءة، ويحوزون على تنويهات الشجاعة والإقدام، وأوسمة التقدير والتنويه، ويبزون جنود العدو قدرةً وجرأةً، واقتحاماً وإيغالاً، وقد وصلوا بمميزاتهم القتالية، المادية والنفسية والمعنوية، إلى الدرجة التي يخيفون فيها العدو ويرعبون مستوطنيه.
وهي تدرك غاية العدو عندما يهول قوتها، ويصورها بأنها قوية وقادرة، وتمتلك أسلحةً فتاكةً، وصواريخ بعيدة المدى ودقيقة الإصابة، فهو يتطلع إلى ترهيب دول العالم منها، وتأليبها عليها وتجنيدها ضدها، وتحشيدها إلى جانبه في معركته معها، وتحريضها لمحاصرة قواها المختلفة الأسماء والمتعددة الجغرافيا، والتضييق عليها، بحجة أنها باتت خطراً على الأمن العالمي والسلم المجتمعي، إلا أنه في الحقيقة بات يخشى المقاومة حقاً، ويتهيب مواجهتها ويخشى الاشتباك معها.
فقد اشتد ساعدها، وقسا قوسها، وانبرى سهمها، وباتت قادرة على إيلامه وإيذائه، وأصبحت ذات قوةٍ وبأسٍ شديدٍ، وقد امتد قوسها من اليمن جنوباً إلى لبنان شمالاً، مروراً بالعرق وإيران وسوريا وفلسطين، الذين اتحدوا جميعاً في معركةٍ واحدةٍ ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وتعاهدوا على قتاله ومن حالفه واصطف معه، وأيده وسانده وعاونه، حتى تحرير فلسطين واستعادة الأرض وتطهير المقدسات.
لم تعد قوى المقاومة تخشى مواجهة العدو، بل باتت تستعجل المعركة معه، وتستهين به وتستخف بقوته، وتستلذ بمواجهته وتتفنن في قتاله، ليقينها أن زمن انتصار المقاومة قد أزف، فقد أظلنا زمن العزة والكرامة، وبتنا نعيش تباشير النصر وعلامات العودة والتحرير، وأن أوان زوال الكيان واستئصاله قد حل، والأمر لم يعد يحتاج لأكثر من معركةٍ جامعةٍ حامية الوطيس، يشتد أوارها وتضطرم نارها من صنعاء حتى القدس وغزة، إذ أن جنود التحرير وأسود المقاومة، قد أعدوا لهذا اليوم عدته، وتجهزوا له بنية النصر أو الشهادة.
تعلم قوى المقاومة العربية والإسلامية، أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب القوى الغربية وبعض الأنظمة العربية، قد أعلنوا الحرب الشاملة عليها، الاقتصادية والسياسية والإعلامية والعسكرية، بصورةٍ مباشرة أو عبر وكلاء وبالنيابة، وفتحوا معها معارك جانبية وثانوية، ليضعفوها ويشغلوها عن أهدافها الحقيقية وغاياتها الكبرى.
واستخدموا في حربهم عليها كل الوسائل القذرة والسبل الخبيثة والأدوات الوضيعة الرخيصة، فضيقوا على بلادهم وشعوبهم، وفرضوا عليهم حصاراً اقتصادياً وجوعاً عاماً، ولاحقوهم بالعقوبات والتهديدات، كي يردعوهم عن هدفهم الأساس وغايتهم الأصلية، فالكيان الصهيوني وحلفاؤه يعلمون أن هذه المعارك كلها ليست إلا تمهيداً لأم المعارك معهم، ولساعة الفصل ضدهم، فاستخدموا في حربهم على المقاومة بعض بني جلدتنا، ممن يتكلمون لغتنا ويدينون بديننا، لكنهم يوالون غيرنا، ويتخذون عدونا ولياً لهم وحليفاً معهم.
ولما كان العدو وحلفاؤه يدركون قوة المقاومة جيداً، ويعلمون يقيناً أن هزيمتها لم تعد ممكنة، وأن محاولة كسرها بالحرب العسكرية بات هدفاً بعيد المنال، فقد لجأوا إلى إضعاف الروح المعنوية للأمة، وكسر إرادتها النفسية، وذلك من خلال عمليات التطبيع السرية والعلنية، وسلسلة الزيارات المتبادلة، والمساهمات الرياضية والفنية والثقافية المشتركة، وفتحوا للعدو بعض البلاد العربية، يجوس فيها ويخرب، ويتآمر ضد أهلها وينهب، ويسرق خيراتها ويدمر بنيانها الاجتماعي ويفسد هياكلها الاقتصادية.
أعلن التحالف الصهيوني بكل أشكاله وجميع أطرافه ومختلف أدواته، دون خجلٍ أو ترددٍ، عن أن غايتهم عزل المقاومة وحصارها، وتجفيف منابعها وحصار قيادتها، وتجويع شعبها وإضعاف حاضنتها، واعتقال أبنائها والتضييق على جمهورها، ولكن قوى المقاومة التي أتقنت فنون التكامل وضروب التنسيق والتعاون، نجحت في الانقلاب على مخططاتهم، وتجاوزت مؤامراتهم، وباتت تتهيأ ليومٍ لم يعد بعيداً، فيه تشرق شمس الحرية على شامة بلادنا فلسطين، وزهرة مدائننا القدس، وفيحاء ديارنا المباركة، وعروس شامنا المقدسة فلسطين.
وسوم: العدد 941