قراءة موجزة في المتغيرات السياسية على الساحة التركية
قراءة موجزة في المتغيرات السياسية على الساحة التركية
صعود التيار الإسلامي
بقيادة البروفوسور المهندس نجم الدين أربكان
م. هشام نجار
المنسق العام لحقوق الإنسان - الولايات المتحده
الحلقه ٢ من ٣
اعزائي القراء
تركنا الحلقه الأولى وجنود الجنرال جمال جورسيل تتمركز في شوارع إستنبول وانقره والمدن الرئيسيه الأخرى بينما صور الجنرال الجديد بجانب صور الجنرال القديم اتاتورك قد تم توزيعها على الإدارات والمؤسسات والميادين الرئيسيه .
كان هذا الإنقلاب هو اكثر الإنقلابات دموية من بين اربع إنقلابات عسكريه عصفت بالبلاد فقد تم إعدام السيد عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا في شهر إيلول / سبتمبر ١٩٦١ كما مر ذكره في الحلقه الأولى مع بعض اعضاء وزارته, مما إستدعى المؤرخين الى تسمية هذا الإنقلاب بالإنقلاب الدموي.
فلقد شهدت فترة الستينيات تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة في تركيا حيث ارتفعت الدخول وتغيرت بعض أنماط الحياة بعد دعم ملحوظ من الدول الغربيه للإنقلابيين, ولكن رافق ذلك في المجال السياسي إنتشار الأحزاب اليسارية في صفوف الطلاب والمثقفين وكذلك ظهور توجهات سياسية إسلامية على الساحة التركيه فبرز اسم البروفوسور الدكتور نجم الدين اربكان كرجل سياسه يتمتع بمقدره سياسيه مرموقه مدعومه بكفاءه اقتصاديه وصناعيه متميزه حيث يُعتبر بجداره ابو الصناعات الثقيله في تركيا .فمن هو نجم الدين اربكان؟
أولآ- نشاطه العلمي والعملي
ولد أربكان سليل الأمراء السلجوقيين في عام ١٩٢٦ في مدينة سينوب الواقعة في أقصى الشمال على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية في عام ١٩٤٣ ليلتحق بجامعة الهندسة في إستانبول، وليتخرج من كلية الهندسة الميكانيكية في عام ١٩٤٨، وكان الأول في دفعته مما أهله بجدارة لتعيينه معيدا في الكلية ذاتها. أوفِد الشاب الطموح في بعثة دراسية إلى المانيا في عام ١٩٥١ لينال في عام ١٩٥٣ من جامعة آخن شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات.
أثناء وجوده في ألمانيا عمل إلى جانب دراسته رئيسا لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات "كلوفز - هومبولدت - دويتز" بمدينة كولونيا. وقد توصل أثناء عمله إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محركات الدبابات، التي تعمل بكل أنواع الوقود.
عاد أربكان إلى جامعة الهندسة في إستانبول ليعمل أستاذا مساعدا وحصل على درجة الأستاذية فأصبح بروفوسوراً في اختصاص المحركات .
كتب المهندس غسان نجار عن البروفوسور نجم الدين اربكان عندما كان يُحضّر لدرجة الماجستير بإشرافه مايلي: (لقد عاصرت في استنبول المؤامرة على المرحوم عدنان مندريس والانقلاب عليه عام ١٩٦٠ وقد حصل الانقلاب عليه واعدامه في العام التالي . كنت آنذاك في السنة الثالثة من دراستي في جامعة استنبول للهندسة
( ITU )
وكان أستاذي الدكتور نجم الدين اربكان في مادة ( المحركات ) وقد قدمت أمامه مشروع رسالة الماجستيرعام ١٩٦٢ إلا أن ذلك لم يكن كل الإنجازات التي حققها هذا الشاب التركي في حياته العملية، فبينما كان في الثلاثينات من عمره؛ أنشأ أربكان أول أعماله الاستثمارية الخاصة وتحديدا في عام ١٩٥٦، حيث أسس مصنع "المحرك الفضي" هو ونحو ثلاثمائة من زملائه، فتخصصت هذه الشركة في تصنيع محركات الديزل، وبدأت إنتاجها الفعلي عام ١٩٦٠، ولا تزال هذه الشركة تعمل حتى الآن، وتنتج نحو ثلاثين ألف محرك ديزل سنويا . وتوطدت صداقتي معه حيث كنت أزوره في المعمل الذي كان هو مديره وهو معمل محركات ديزل باسم محركات ( الفضة) بالتركي كوموش موتور.، وقد عرض علي مشاركتي كوكيل له في حلب وكذلك أكون الوسيط للتعامل مع الخبير الصناعي الحلبي سامي قصاص والذي كان ينتج مضخات عامودية في العرقوب في حلب) .
ثانيآ- نشاطه السياسي
بدأ أربكان حياته السياسية بعد تخرجه من كلية الهندسة وأصبح رئيسا لاتحاد النقابات التجارية ثم انتخب عضوا في مجلس النواب عن مدينة قوينة، لكنه منع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطه المعادي للعلمانية.
أسس عام ١٩٧٠ حزبه والذي يحمل بذور التوجه الإسلامي الا انه لم يستطع الصمود لأكثر من تسعة اشهر حتى تم حله بقرار قضائي من المحكمة الدستورية بعد إنذار من قائد الجيش محسن باتور، فلقد كان الجيش بالمرصاد لكل النشاطات الإسلاميه واليساريه كونه يعتبر نفسه حامي العلمانيه الاتاتوركيه.اما الأحزاب التقليديه فكانت بمثابة المحرك الرئيسي ضده خشية ان تفقد نفوذها على الساحه السياسيه.
قام اربكان بعدها بدعم من تحالف إسلامي بتأسيس حزب السلامة الوطني عام ١٩٧٢وأفلت هذه المرة من غضب الجيش ليشارك بالانتخابات العامة ويفوز بخمسين مقعدا كانت كافية له ليشارك في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك ليرعى المبادئ العلمانية.
تولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء وشارك رئيس الحكومة بولند أجاويد في اتخاذ قرار التدخل في قبرص في نفس العام، بل يُعتبر المهندس الرئيسي لهذا التدخل مغتنماً وجود بولند أجاويد خارج البلاد فأعطى الجيش والبحريه الأوامر بالتحرك إلى قبرص لحماية القبارصه الأتراك الذين حوصروا في مناطقهم بطريقة تبدو وكأنها عملية تطهير عرقي من قبل القبارصه اليونانيين.
الاسباب التي ادت بتركيا الى غزو قبرص
في عام ١٩٧٣ تم اعادة انتخاب الاسقف مكاريوس رئيساً للبلاد. ولكن في ١٣ تموز ١٩٧٤ نجح انقلاب عسكري في الاطاحة بالرئيس مكاريوس وإرغامه على الهرب إلى خارج البلاد معتمدا على إنقلاب عسكري في اليونان من اهدافه الاستيلاء على كامل جزيرة قبرص وضمها لاحقاً لليونان. وفى ٢٠ تموز ١٩٧٤ قامت تركيا بإطلاق ما عرف بالغزو التركى لقبرص حيث قامت القوات التركية بمهاجمة السواحل الشمالية الغربية للجزيرة ونجحت في تحقيق تقدم عسكري ملموس والسيطرة على ما يقرب من ٣٩% من اراضى قبرص ونتيجة للسيطرة التركية على شمالى قبرص قام حوالي ٥٠٠٠٠ قبرص تركى بالنزوح إلى شمال البلاد خشية سياسة التطهير العرقي من قبل القبارصه اليونانيين.
في عام ١٩٨٣ اعلن القبارصة الاتراك المناطق الشمالية من قبرص دولة مستقلة اطلقوا عليها إسم جمهورية شمالي قبرص التركية وترأسها رؤوف دنكتاش وعلى الفوراعترفت بها تركيا في حين رفضت أي دولة أخرى الاعتراف بها واصدر مجلس الامن قرار رقم ٥٤١ بعدم شرعية قيام تلك الجمهورية وطالب القوات التركية بالانسحاب من قبرص الامر الذي لم تنفذه تركيا.
لقد حقق أربكان مكاسب كبيرة لتيار الإسلام السياسي من خلال وجوده في الائتلاف أهمها الاعتراف بهذا التيار وأهميته في الساحة السياسية إلى جانب مكاسب اعتبرت تنازلات مؤثرة من قبل حزب الشعب. فمن خلال وجوده في حكومة أجاويد حاول أربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي فقدم بعد تشكيل الحكومة بقليل مشروع قرار للبرلمان بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم في تطوير العلاقات مع العالم العربي، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطيني ومعاد لإسرائيل، وافتتح بنفسه محطة تلفزيونية رسمية ناطقه بالكردية، ونجح في حجب الثقة عن وزير الخارجية آنذاك خير الدين أركمان بسبب ما اعتبر سياسته المؤيدة لإسرائيل فسقطت هذه الوزارة بعد تسعة أشهر ونصف, لم ييأس الرجل فقام بتدعيم حزبه بالإنضمام الى حزب العدالة لتشكيل الائتلاف الوزاري الجديد في عام ١٩٧٧
الاّ ان المدعي العام التركي لاحقه في عام ١٩٧٨ وطالب بفصل أربكان عن حزبه بدعوى أنه يستغل الدين في السياسة وهو أمر مخالف لمبادئ أتاتورك العلمانية .
بدأ الجو السياسي بالتوتر من جديد وبدأت ملامح قويه لهزيمة جديده تبدو جليه واضحه للعسكر حتى بعد خروجه من الحكومة فقد قدم حزب أربكان مشروع قانون إلى مجلس النواب في صيف عام ١٩٨٠ يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل، وأتبع ذلك مباشرة بتنظيم مظاهرة ضخمة ضد القرار الإسرائيلي بضم مدينة القدس، كانت المظاهرة من أضخم ما شهدته تركيا في تاريخها المعاصر، الأمر الذي اعتبر استفتاءاً على شعبية الإسلام السياسي بزعامة أربكان مما اضطر الجيش للقيام بإنقلابه العسكري .ففي شهر إيلول / سبتمبر ١٩٨٠ قاد الجنرال كنعان ايفرين انقلاباً تسلم الجيش بموجبه زمام الأمور في البلاد.فأعتقل نجم الدين اربكان مع ٣٣ من قادة حزبه ورجالاته البارزين وقدم لمحكمه عسكرية . خرج أربكان من السجن عام ١٩٨٥م ووضع تحت الإقامة الجبرية التي استمرت حتى أواخر العام ذاته، ولم ييأس الرجل فقد عاود نشاطه من جديد من خلال حزبه الجديد المسمى بحزب الرفاه .وفي أوائل عام ١٩٩٦ استطاع الحزب اكتساح منافسيه في الانتخابات التشريعية في البلاد وبذلك تولى البروفوسور نجم الدين أربكان رئاسة الوزارة للمرة الثانية.الا ان الجنرالات لم تسكت على نجاحاته وإستقطابه لشرائح واسعه من الشعب التركي فتحركوا من جديد ضده ولكن بانقلاب من نوع جديد إذ قدموا إلى أربكان مجموعة طلبات لغرض تنفيذها على الفور تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد سياسيا كان أم تعليميا أم متعلقا بالعبادات، فأضطرأربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري فعلي .
وفي عام ١٩٩٨تم حظر حزب الرفاه وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية فلجأ إلى المخرج التركي التقليدي ليؤسس حزبا جديدا باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا في عام ٢٠٠٠. ومن جديد يعود أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام ٢٠٠٣ حزب السعادة، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجري اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم على الرجل بسنتين سجنا وكان يبلغ من العمر وقتها ٧٧ عاما .
الدكتور نجم الدين أربكان اليوم خارج العمل السياسي الفعلي، وربما يكون تقدم العمر أحد الأسباب التي أدت الى إعتزاله السياسه (حين كتابة المقال .توفي رحمه الله عام ٢٧ شباط ٢٠١١ وبكته تركيا وسار خلف جنازته المهيبه مئات الالوف من الاتراك بما فيهم خصومه السياسيين ) لكن الزعيم الإسلامي كان بإمكانه أن يستمر في العمل السياسي إلى النهاية لولا الضغوط الشديدة والمتكررة التي تعرض لها من قبل التيار العلماني والتي اتخذت أشكالا مختلفة من الانقلابات العسكرية إلى استخدام القضاء والصحافة وشق صفوف أتباعه الذين لم يجرؤ أحد منهم على تكرار ما قام به زعيمهم
اعزائي القراء
هذه قصة كفاح رجل من طراز فريد تهتُ أنا شخصياً بحفظ تعداد الأحزاب التي اضطر لتأسيسها , فكلما حَلّوا له حزباً قام بتشكيل حزب جديد اصلب من سابقه.
تهتُ بحفظ عدد مرات إعتقاله فكلما خرج من معتقل بدأ بنشاط جديد اكثر تمرساً وقوة وشعبية مما كان عليه.
هذا الرجل اسس رجالاً بعده إختلفت وجهات النظر بينه وبين بعض تلاميذه من حكام تركيا اليوم وعلى رأسهم السيد رجب طيب اوردوغان رئيس الوزراء وكان لهذا الإختلاف بإعتقادي ما يبرره من الطرفين , فأربكان إنطلق في فترة الحرب البارده حيث كانت الكلمه الأولى والأخيره للعسكر المدعومين من امريكا وحلفائها ولم يكن يسمح بالخروج عن هذه السياسه مما عانى الأمرين من جنرالات تركيا ورغم ذلك فقد وصل بحنكته الى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ومن بعدها تولى منصب رئاسة الوزراء.
اما تلاميذه فقد جاءوا الى الحكم بعد إنتهاء الحرب البارده ضد السوفييت في أواخر القرن العشرين فخفت الحاجه للعسكر من قبل امريكا وحلفائها وبالتالي خفت سطوتهم الى حد ما على رجال السياسه.
اربكان جاء الى الحكم في وقت كانت حاجة الغرب الى تركيا قويه لحماية إسرائيل وتوفير الأمن لها مما عانى صعوبات جمه حالت دون تنفيذ رغبته بقطع العلاقات مع إسرائيل.
تلاميذه جاءوا الى الحكم في زمن صارت امريكا جارة لتركيا في العراق ومزروعه في قلب العرب وقواعدها العسكريه واساطيلها ملأت دول الخليج العربي فحماية إسرائيل وأمنها وأمانها تكفلت به امريكا وبعض حكام العرب وايران الضمير المستتر وهذا مؤشر آخر على ضعف دور عسكر تركيا في توجيه السياسيين وفق اهوائهم ولكن هذا لا يعني ان طوحهم السياسي قد إضمحل
الإخوه والأخوات
اليوم يقود تركيا رجل قوي إسمه رجب طيب اوردوغان من مدرسة اربكان ولكنها مطعّمه بأفكار جديده, فهل ينجح الرجل في اهم معاركه ضد خصومه المدعومين من الغرب وإسرائيل ومن تغيير دستور ١٩٨٢ الذي وضعه الإنقلابي الجنرال كنعان إفرين؟
التحديات كبيره والإصرار اكبر من هؤلاء الرجال لتحقيق الإنتصار على هذه التحديات هذا ما سنحلله في الحلقه الثالثه والأخيره من قراءه موجزه في المتغيرات السياسيه على الساحه التركيه
مع تحياتى
أوردوغان رجل المهمات الصعبة
٣ من ٣
أعزائي القراء
لماذا يتم تعيين شخصيات غير هامه لمناصب هامه في بلادنا العربيه من قبل انظمة الحكم كمنصب رئيس البلديه او المحافظ مثلآ بينما المفروض والمتبع عالميآ ان تُشغل هذه المناصب عن طريق الإنتخابات الشعبيه المباشره؟
اعرف ان بعضكم سيقول : ان الحاكم الملهم يأتي ايضا بهذه الطريقه..وهذا صحيح ولكن اركز على (كيف من المفروض ان تختار الامه رؤوساءها
إن مبدأ التعيين بدلاً عن الإنتخاب هو احد امراض أمتنا العربيه كونه يبعد الشعوب عن محاسبة الحكام وأزلامهم المعينين بمعرفتهم في مراكز القرار ,فالشعوب أدرى بالنزيه والمستقيم والشريف وصاحب الخبره بينما التعيين هي الوسيله السهله لنشر الفساد كون الشخص المعين همه ان يرضي من عّينه وليس من يحتاجه. فَتُستَحل اموال الشعوب وتطير المشاريع بين الرشاوي والمحسوبيات وعدم المحاسبه فيذهب المسؤول معززاً مكرماَ وعلى صدره وسام ليحل محله مسؤول جديد ليكمل المأساة
الإخوه والأخوات... السيد رجب طيب أوردوغان ما كان له ان يتقلد اعلى منصب في الدوله التركيه وهو رئاسة الوزراء لولا ان الشعب التركي إكتشف نجاحاته وإستقامته يوم أُنتخب إنتخابآ مباشراً من قبل سكان مدينة إستنبول بتعداد سكانها وسكان ضواحيها فأضحى رئيسآ لبلديتها بجداره ....هكذا تكتشف الشعوب رجالها,وإليكم القصه من البدايه
ولد رجب طيب أوردوغان باسطنبول عام١٩٥٤ ، درس مرحلته الثانوية في معهد الأئمة والخطباء ، التحق بكلية الإقتصاد بجامعة مرمرة وعمل مديرا لعدد من المؤسسات ، ثمّ انتخب رئيسا لحزب الرّفاه بمحافظة إستنبول .فاجأ مختلف الأوساط السياسية التركية بفوزه الساحق في الانتخابات البلدية عام ١٩٩٦لتولّى منصب رئيس بلدية هذه المدينه الهامه، وهو منصب غير عادي في تركيا بالنظر لأهمية إستنبول كمركز انتخابي كبير ، إضافة إلى ضخامة الميزانية التي تتصرّف بها بلدية المدينه والخدمات التي تقدّمها للمواطنين الذي يبلغ تعدادهم ستة عشر مليون نسمه حسب آخر الإحصائيات الرسمية وإن كانت وسائل الإعلام التركية تتوقّع تعداد سكان إستنبول حوالي ٢٠ مليونا.إشتهر هذا الرجل باعتداله فكرا وسلوكا ، لبقا وخطيباً مفوّهاً وفوق ذلك نظيفاُ نزيهاُ يحاسب اصدقاءه تماماُ كما يحاسب خصومه، ويتقن جيّدا لغة الخطاب مع الأطراف العلمانية حتى انّه كسب الكثير من الأنصار العلمانيين ، بسبب اعتداله من جهة والخدمات التي قدّمها لبلديته اسطنبول.
تسلّم رجب طيب أوردوغان رئاسة بلدية إستنبول وهي مثقله بالديون ، واستطاع بسياسة التصرّف والرقابة الشديدة القضاء نهائيا على ظاهرة الرشوة التي كانت سمة هذه البلدية, واستطاع في وقت قياسي أن يدفع ديونها ويتوجّه إلى الإستثمار.واليوم تحقق البلدية أرباحاً طائلة من خلال مشروعاتها الاستثمارية بعدما كانت عاجزة عن دفع مرتبات موظفيها ،ونتيجة للأرباح التي تحقّقها من مشروعاتها الاستثمارية ، تقدّم بلدية إستنبول سنويا قرابة ٣٠ ألف منحة دراسية للطلاّب الأتراك والأجانب المقيمين في تركيا · كما أنجزت أغلب المشروعات الخدمية التي وعدت بها وخاصة في مجال الطرق والجسور وتوزيع الغاز الطبيعي .. وتقوم الآن بتجديد كامل لشبكة المياه
اعزائي القراء هذا كان رصيد الرجل... فحمل رصيده معه وإنتقل الى السياسه
ففي عام ٢٠٠٢ فاز الحزب الاسلامي «العدالة والتنمية» في الإنتخابات النيابيه. وفور تشكيله حصد اعضاؤه ٦٥ في المائة ٣٦٣ مقعدا من اصل٥٥٠ ولاول مرة منذ ٢١ عاما يتمكن حزب واحد في تركيا ان يشكل الحكومة بمفرده. إن حصول حزب العداله والتنميه على اكثر من عشرة ملايين صوت بعد عام واحد فقط من تشكيله يُعتبر برهاناُ لا يداخله شك من ان الأحزاب المعتدله الإسلاميه والمسلحه بالعقيده والعلم والتسامح بين طبقات الشعب على إختلاف مذاهبه ومعتقداته هو الطريق لتحقيق العداله الإجتماعيه للجميع. وبالرغم من هذا الإنتصار الساحق الذي حققه اوردوغان الأ ان طريقه لم يكن ممهداً بالورود فهو يعرف ان رئاسة اي حزب اسلامي الهوية في تركيا هو بمثابة السير في حقل الغام، لذلك سينتظر الذين لم يصوتوا لحزب العدالة والتنمية ان يثبت لهم ان حزبه ليس خطراُ على هيكلية السلطة في تركيا بل على العكس من ذلك فهو عامل توحيد وقوه. واوردوغان الذي كان في صباه لاعب كرة قدم سيمارس مجددا هذه الرياضة انما في حقل الغام سيزرعه العسكر والأتاتوركيين معاُ , الا ان المؤشرات تثبت انه يمر من خلاله بخطوات محسوبه.
في تلك الفتره الحرجه كانت المعادله على الشكل التالي:
الجيش: ممثلاً بقوه بمجلس الامن القومي، الاقوى في تركيا وعَينهُ على الحكومه الجديده فهو يحاول إفشالها بأية طريقه.
امريكا: عينها على العراق ( اثناء كتابة المقال) ولا تريد اية إشكالات تحصل بين العسكر وحزب العداله والتنميه خشية ان تؤثرعلى مخططاتها الإحتلاليه في المنطقه فكان دأبها التوفيق بين العسكر والحكومه.
حزب العداله والتنميه :عَينهُ على الإصلاح الإقتصادي وتقليل هامش البطاله الى الحد الأدنى بين صفوف الشعب ,وإكتساب ثقة ناخبيه لتحقيق برنامجه الذي وعد به.
الشعب: إقتصادياً يطمع بإجراء تحسينات على مستوى معيشته وتحسن إقتصاده . وسياسياً يرفض حرباُ امريكيه على جارته العراق مما عزز موقف الحكومه التي رفضت تقديم اي دعم لوجستي لقوات الإحتلال الأمريكي عبر تركيا.
بقيت مشكلة من يتولى منصب رئاسة الوزراء المعضله الرئيسيه امام اوردوغان, فهو لايستطيع تشكيل الوزاره لصدور احكام ضده ببث روح التفرقه بين صفوف الشعب التركي على حد زعم الإدعاء العام .
اعزائي القراء
تفاءل العسكر بإعتقال أوردوغان وإبعاده ولو مؤقتاً عن تولي منصب سياسي , فقد بنوا توقعاتهم على ان حزب العداله سيتعرض الى إنقسامات نتيجة لتولي شخصيه من الحزب غير أوردوغان منصب رئاسة الوزراء فيتحكم بمركز القرار منافساُ لزعيم الحزب مما يفجّر ازمة إنقسام بين اعضائه قد تؤدي الى إضعاف الحزب وتشرزمه فتضعف قوته وينتهي سريعاُ كما فرض نفسه سريعاُ.
الا ان فأل معارضيه قد خاب بعد ان حازت حكومة عبد الله غُل على ثقة البرلمان.
ودارت العجله بنجاح حتى إنتهاء مفعول حكم إقصاء اوردوغان عن السياسه ليعود بعدها فيتولى منصب رئاسة الوزراء في ١٤ آذار / مارس ٢٠٠٣ وليحتل عبد الله غُل منصب رئاسة الجمهوريه.
كان وقع مجزرة غزه الأخيره على الشعب التركي وقيادته مؤلماً فلم ييأس الرجل فأظهر شجاعة فائقه في مؤتمر دافوس الإقتصادي فقد تكلم اوردوغان يوم سكت الحكام العرب وأمين جامعة العرب, ففي تاريخ ٢٩ كانون الثاني / يناير ٢٠٠٩ غادر اوردوغان منصة مؤتمر دافوس احتجاجاً على عدم اعطائه الوقت الكافي للرد على رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز بشأن الحرب على غزة , فبعد أن دافع رئيس الكيان الصهيوني عن إسرائيل وموضوع صواريخ القسام التي تطلق على المستوطنات وتساءل بصوت مرتفع وهو يشير بإصبعه عما كان أردوغان سيفعله لو أن الصواريخ أُطلقت على إسطنبول كل ليلة, وقال أيضاً "إسرائيل لا تريد إطلاق النارعلى أحد لكن حماس لم تترك لنا خياراً" رد أردوغان على أقوال هذا المفتري بعنف وقال: إنك أكبر مني سناً ولكن لا يحق لك أن تتحدث بهذه اللهجة وصوتك العالي دليل إدانه ويثبت أنك مذنب. وتابع: إن الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال في شواطئ غزة، ورؤساء وزرائكم قالوا لي إنهم سعداء جداً عندما يدخلون غزة على متن دبابتهم. ولم يترك رئيس الجلسة الفرصة لأردوغان حتى يكمل رده على بيريز، فانسحب رئيس الوزراء التركي بعد أن خاطب المشرفين على الجلسة قائلا "شكراً لن أعود إلى دافوس بعد ما حصل من فضيحه.
اما مواقفه في دعم فتح ميناء غزه وابواب سجنها وتضحيات شعبه بتقديمه قوافل الشهداء على ظهر قوافل الحريه المتجه الى غزه محملة بمواد إغاثيه فقد احرجت حكام العالم...
اعزائي القراء
لا اعتقد ان حكام الصهاينه واصدقاءهم سيقفون مكتوفي الأيدي حيال التحدي التركي الجديد بل استطيع الجزم ان إسرائيل ستلجأ الى عدة مؤامرات. فالعلاقات التركيه الإسرائيليه منذ عام ١٩٤٨ وحتى أوائل القرن الحالي مهدت لمخابراتها بنشر شبكات تجسسيه ذات جذور لها إمتدادات عميقه في تركيا, فإسرائيل لا تخجل بنشر شبكات مخابراتها حتى بين اصدقائها ونظام مصر الصديق للكيان الصهيوني والولايات المتحده الراعية الأولى لإسرائيل اكبر شاهدين على تغلغل الموساد في مفاصل هاتين الدولتين.
فقد تلجأ إسرائيل كما عودتنا دائمآ الى نشر الفوضى والإغتيالات المشبوهة للإساءه لأوردوغان وحزبه خصوصاً.
اما النقاط الأخرى التي يمكن ان تعتمد عليها إسرائيل للإساءه لتركيا
فتكمن في تفعيل الخلاف الأرمني التركي ودعم حزب العمال الكردي وقضية قبرص,إضافة لإثارة الفتن بين تركيا من جهة والولايات المتحده وأوروبا من جهة أخرى.
لاشك ان اسرائيل تعتبر رائده في إثارة القلاقل العالميه وتركيا اليوم في مقدمة إهتماماتها. ولكن السؤال المطروح هو: هل حكام تركيا بغافلين عن مخططات إسرائيل؟بالطبع لا , ولكن ايضا قدرة التحدي تعتمد على حجم المؤامره.
اعزائي القراء
اختصرت لكم ماتناولته عن اوردوغان في عام ٢٠١٠ لأضيف امورا جديده ترافقت مع الثوره السوريه , فكل ما وصلنا من اخبار وافعال عن القياده التركيه تجاه الشعب السوري يدل دلاله قاطعه على احتضان هذه القياده لمأساة هذا الشعب في الوقت الذي نجد فيه المهجرين السوريين في دول الجوار الآخرى يعيشون اسوأ حياة إنسانيه.
ان الحكومه التركيه ولاشك لاعب إيجابي ورئيسي في الوضع السوري ولكنها ليست هي كل اللاعبين, حتى انه من الؤسف ان المملكه العربيه السعوديه وهي داعمه للثوره ولاشك , ولكن الدولتين ليس بينهما توافق واضح الا في الوصول لخط النهايه.
اعزائي القراء..
لقد َولّدت المواقف التركيه العديده من القضايا الدوليه الهامه احباطا لدى الدول الغربيه واسرائيل فبدأت بالتآمرعلى اوردوغان وحكومته, فموقفه الرافض للعرض الامريكي السري والذي أُفصِح عنه بالمشاركه في مشروع تقسيم سوريا لقاء مكاسب ضخمه لتركيا , وكذلك موقفه السلبي من إسرائيل , والتطور الإقتصادي التركي كلها عوامل دعت الغرب للتآمر على حكومة اوردوغان.
وأذكر انه بعد إنتهاء المؤتمر التأسيسي للهيئه السوريه للإعمار والذي انعقد في إستنبول في نهاية شهر أيار ٢٠١٣ حيث كانت المظاهرات تملأ ميدان التقسيم متعللة بالبدايه بإقتطاع جزء من حديقه لاستكمال مشروع تجاري كبير...لتنتهي بمطالب اخرى اهمها إسقاط حكومة اوردوغان..
في حينه دعاني احد الاصدقاء المقيم في فندق قريب من ميدان التقسيم لزيارته والاطلاع عن قرب عما يجري وراء الكواليس في ميدان التقسيم,
أعزائي القراء
لقد تحولت صالة الفندق الى ملتقى كل الصحافيين الغربيين وهم يجرون مقابلات مع نشطاء من المتظاهرين, وكنت اتابع الفبركات قبل اجراء المقابلات وعلى المكشوف .كما خصص قسم خاص للمعالجه الميدانيه للإصابات الخفيفه...حتى تظن ان هذا الفندق الكبير قد تحول الى غرفة عمليات عسكريه اعلاميه طبيه تم إستئجاره من بابه لمحرابه
كنت ارى العلم السوري العائد للنظام بأيدي الاقليات التركيه العلويه تُسقط أوردوغان وتهتف للاسد.
كنت اسمع اللهجه البحرانيه في الفندق وحوله .
كنت ارى مصريين معادين للدكتور مرسي يهتفون بسقوط مرسي واوردوغان .
كنت ترى وتسمع كل شيئ في ذلك الميدان الذي حطموا كل شيئ فيه حتى اقتلعوا رخام ارضه ...الا تمثال اتاتورك في وسطه فقد بقي صامدا..
هذا مارأته عيني وسمعته اذني في تركيا ..وقد تعلمت في حينه شيئا جديداً في حياتي وهو كيف تنفذ مخطط تآمري .
اما الحكام العرب فما زالوا في نومهم يغطون وعلى ابواب غرف نومهم لافته مكتوب عليها بكل لغات الأرض:الحكام في سابع نومه ... الرجاء عدم الإزعاج
مع تحياتى