منظمات حقوق الإنسان بين المهمات والأداء

منظمات حقوق الإنسان

بين المهمات والأداء

نعمان فيصل

[email protected]

منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، حملت منظمات ومراكز حقوق الإنسان في قطاع غزة لواء المعارضة والانتقاد الشديد، وملأت الدنيا صراخاً وعويلاً، انتقاداً لأداء السلطة وحاولت لعب دور فعال في تعزيز حقوق الإنسان، وكان الناطقون باسم هذه المنظمات حريصين على إبراز حال المضطهدين في المجتمع جراء المستجدات في المنطقة، على الرغم ما أصاب القائمين على هذه المنظمات من بطش واعتقال وتوقيف. وكان ذلك مظهراً بارزاً من ممارساتهم، حيث تركوا أعظم الأثر، متأثرين بعظمة الديمقراطية الغربية، التي تكفل الحرية الفردية؛ لكن بعد أحداث حزيران 2007، وانقسام الوطن إلى شطرين، نجد هذه المنظمات قد فتر حماسها عما كانت عليه، وحدث تغير أساسي في مهامها، ولاذت بالصمت إزاء انتهاكات حقوق الإنسان، ولم يظهر لها أي نشاط ملموس على أرض الواقع؛ سوى التعريف التقليدي المتداول، كبيانات تصدر من هنا أو هناك لتوثيق الانتهاكات التي تقترف بحق أبناء الشعب الفلسطيني. حيث لا تثمر هذه البيانات والكتابات عملاً فعالاً، في حياة أمة تفاقمت فيها الأزمات إلى درجة سيئة، وما آلت إليها حالها من تفتت وترهل وضعف، وذاقت خلال هذه المرحلة المرارة من انقسام قادتها.

وفي وقت كان الناس يعيشون سنوات المحنة، يشاهدون في تلك المرحلة الصعبة من تاريخهم لوناً جديداً من ألوان الأزمات والعثرات في جميع دروب الحياة، ويعانون المتاعب ويشعرون بالقصور، ويدخلون في دور خطير من الركود، ويتحملون الألم والبلوى، ولديهم إرادة فولاذية لا يستسلمون مهما توالت العقبات؛ لأنهم يثقون بأن الهدف أسمى وأثمن، وأنه يستحق التضحية بكل معانيها وأشكالها؛ ولا يبالي بما قد تؤول الظروف والأحوال إليه، لكنهم يؤمنون بقدس الأقداس، وأن الأمل القادم أهم من كل شيء، ويهون أمامه كل شيء.. في هذه الظروف البائسة، بدأ الناس يتطلعون إلى تلك المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان؛ عسى أن تشد آزره في ذلك الجو المحموم الذي ساد بعد عام 2007، وتقوم بدورها المنوط بها، وتغرس بذور الإصلاح وتفك أغلال الجمود، وتُعَبِّد الطريق وسط أنواء هذه الحالة السيئة وتياراتها الجارفة؛ من خلال المبادرة إلى أداء واجبهم تجاه بني وطنهم، وانتشالهم من وهدة البؤس، حتى أخلفت هذه المنظمات ظن الناس بهم، دون أن يرى لها نبتاً؛ حيث آثرت العزلة، وهجرت الميدان، وأصبحت مقيدة كبقية الشعب المغلوب على أمره، كما شاهد الناس ما غلب على هذه المنظمات وقادتها من الميل إلى الترف والدعة، والابتعاد ولو قليلاً عن هدفها الرئيسي في التخفيف عن معاناة المستضعفين، حيث حظيت هذه المنظمات بمساعدات مالية ذات شأن باسم الشعب العربي الفلسطيني، وما إلى ذلك من إمكانات مالية تضارع ميزانيات الدول، حتى أصبح أمرها مثيراً للقلق والحيرة.

وحتى انتقاداتها لأداء الحكومات الفلسطينية، التي ولدت من رحم الانقسام سواء في قطاع غزة أو الضفة الفلسطينية كانت عابرة وجزئية، رقيقة ولطيفة. لعلهم لم يجدوا من الفروق ما يستحق النقد، وهذا ما يكشف عن حقيقة السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ما هي دوافع تلك المنظمات لانتقاد السلطة قبل أحداث حزيران 2007 بينما لجأت هذه المنظمات إلى تغير وسائلها وتكتيكاتها في هذه المرحلة، وسكتت عن خطتها ومقاصدها؟

كان ذلك أحد التناقضات الجوهرية في عمل وأهداف تلك المنظمات، إذ كانت محاولاتهم جزئية وغير جذرية متأخرة عن الوقت الملائم، متأثرة بانتماءاتهم وأجنداتهم الخارجية وشبكة الروابط والعلاقات مع القوى الخارجية، جعلها لا تقف موقفاً حاسماً مما يجري على أرض الواقع، وأدى ذلك إلى أن قرار تلك المنظمات ليس وطنياً خالصاً، بل أضحى ورقة بيد الأطراف الخارجية لتخرج من سياق مقتضيات المصلحة الوطنية لتدخل ضمن استحقاقات الأجندات السياسية الدولية. وإن كلمات الإنسانية والمساواة والعدالة.. وما إلى ذلك من الكلمات البراقة التي تستعملها تلك المنظمات للتمويه، وليس فيها من الحق غير اسمه ولا من الواقع سوى رسمه، ولا فائدة ترجى من ورائها. ويبقى السؤال: أين ذهبت المساعدات والمنح التي وصلت وما تزال تصل إلى القطاع، ومَن الذي استفاد منها؟ يبقى هذا السؤال مستمراً يبحث عن إجابة شافية!.