الحركات الإسلامية والمخاض العسير
بتول مصطفى
قد يعترض القارئون في بداية الأمر على العنوان ، إذ أن الحركات الإسلامية منذ القدم وليست بجديدة على عصرنا هذا ، إذ يرجع تاريخها للقرن الأول الهجري ، لكن بوسعنا القول أنه بعد أن قد ولى عهد الخلافة الإسلامية أخذت هذه الحركات بالولادة كردة فعل منها على إلغاء نظام الخلافة الإسلامي ، ومحاكاةٍ منها مجاراة العصر الحديث بغية اللحاق بركب المحاربين للشبح العلماني ، الذي أخذ بالظهور بالشرق الأوسط الجديد على أنقاض الخلافة الإسلامية العثمانية التي كانت في أوج ضعفها واضمحلالها ، ومن منطلق هذا الضعف والوهن العام الذي أصاب الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت كان لابد من هذا الشبح من التمدد وإظهار يديه وأذلامه في الشرق الأوسط ، متمثلة في إلغاء مصطفى كمال الدين أتاتورك المستهلك الأول للعلمانية في الشرق الأوسط للخلافة العثمانية الإسلامية وبناء تركيا العلمانية على أنقاضها ، وقد يرى البعض وأنا منهم أن هذا التحليل ليس بالكافي والشامل ، وليس بتلك الدرجة العالية من الصحة ، إذ أن الحركات الإسلامية عندما قامت وأخذت بالنشوء لم تنشئ إلا كثورةٍ منها على مبادئ وأنظمة خالفت العقيدة الإسلامية في مبادئها وتوجهاتها و أهدافها وطريقة حكمها ، إذ لا يستطيع الجميع أن ينكر أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن مقتصرة على الدعوة الدينية فقط ، ولكن كانت دعوة موجهة لإحداث تغييرات سياسية واجتماعية وثقافية في ظل مجتمعٍ كان الجهل والتعصب والقبلية من أبرز مكوناته ، فكانت النتيجة إقامة خلافة إسلامية ناجحة وموحدة ، وإقامة سلطة سياسية قوية حكمت العالم من مشرقه إلى مغربه قادها النبي الأعظم وسار على نهجه فيها الخلفاء الراشدون ، ومن ثم كانت بعدها البداية الأولى لظهور الحركات الإسلامية مثل الخوارج ، وشيعة أهل البيت و الصفاريين بغض النظر عن الفكر الذي كانت تقوده تلك الحركات ومافيه من نواقض ومعتقدات تخالف الشريعة والسنة لكن إلا أنها اتخذت من الإسلام السياسي شعارً لها في قيادة حركاتها وهذا مانراه اليوم وللأسف وبكثرة في معظم الحركات الإسلامية التي تتخذ من الإسلام مجرد شعار وغاية بغية الوصول إلى أهدافها في السلطة ومنها متعدد وكثير مثال على ذلك حزب الناصرية ، ومصر الفتاة وحزب الله ومن أبرز قادتها وعملائها جمال عبد الناصر ، وحسن نصر الله وغيرهم الذين اتخذوا من الإسلام شعارً في خطاباتهم الرنانة زاعمين بذلك تحقيق أهداف الإسلام السياسي المعاصر ، إلا أنهم لم يأخذوا منه سوى إسمه لتحقيق مآربهم ومصالحهم المدعومة من قبل التيار العلماني الغربي في المنطقة ، وهنا يكمن السؤال لماذا لازالت إلى يومنا هذا بعض الحركات الإسلامية التي تتبنى الفكر الإسلامي بكامل توجهاته وأهدافه ومعتقداته الصحيحة تواجه صعوبة ومخاض عسير في إيجاد جدارٍ صلبٍ وقوي في وجه الشبح العلماني الخطير الذي يواجه المنطقة مدعومً بقوة هائلة قد تجتاح المنطقة إذا ماتم مواجهتها بقوة ؟؟؟
ربما قد يغدو البعض ذلك إلى عدم التنظيم أو التوحد في فصيلٍ واحد ، وإذ نرى أن الحركات الإسلامية الموجودة اليوم على الأرض أصبحت كثيرة جداً ، لكن لكل منها هدف ومنهجٍ وفكر سياسي معين تتبعهُ ، فإننا نرى مثلاً حركة الإخوان المسلمون : وإذ تمثل في منهجها التيار الإصلاحي ، وحركة تنظيم الجهاد : إذ تتبنى الفكر الثوري ، وحركة تنظيم القاعدة : التي تتبنى الفكر الجهادي المتطرف والمتشدد ، وغيرها من الحركات التي تتبنى أفكارً متنوعة في طياتها ولكن هنا يكمن سؤال هام .
هل كان الرسول صلى عليه وسلم رجل دينٍ فقط ، أو سياسياً فقط ، أوعسكرياً فقط ؟؟؟
ألا يرى البعض أن حركاتنا الإسلامية تفتقد اليوم إلى هذا التنظيم فعندما نرى اليوم أن فصيلً إسلامياً قد برع عسكرياً ، إلا أننا نراهُ في المقابل قد يفتقد إلى الحنكة السياسية اللازمة ، وعلى العكس أيضاً عندما نرى فصيلً إسلامياً قد تحلى بالحنكة السياسية المطلوبة إلا أننا نرى افتقاره إلى المهارات والخبرات العسكرية ، قد يقول البعض أن هذا الكلام غير مقبول ، فعندما يخرج إلينا أصحاب الحركات المتطرفة والمتشددة كتنظيم القاعدة ويقولون لنا أن لا مجال للسياسة في ديننا سوى أن نقاتلهم ونقتلهم فهم كفار وقد أًمرنا الإسلام بقتلهم وسؤالي هنا لهم
هل عندما أتى رسولنا الكريم حاملاً رسالة الإسلام العظيمة هل ابتدئ دعوتهُ في قتال أهل مكة ؟؟ وهل عندما دعى كسرى وهرقل للدخول في الإسلام هل أرسل لهم في بادئ الأمر جيوشً عظيمة لقتالهم ، أم أرسل لهم رسولً يخاطبهم ويدعوهم بكسرى صاحب فارس ، وهرقل عظيم الروم ؟؟
ومن هنا نرى أن رسولنا الكريم عندما ابتدئ رسالته لم يبتدئها بالسيفِ والقوة ، بل ابتدئها بالسياسة والرفق واللين ، وكان من أعظم السياسين وأفقههم ، فلماذا يخرج علينا الأن هؤلاء المتشدقين من أصحاب هذه الحركات المتطرفة ليحاولون الأن إثبات العكس وتشويه صورة الإسلام في الغرب على أنه دينُ القوةِ والكراهية والعنف ، وبالتالي إعطاء ذريعة للشبح العلماني والماسوني لمحاربة الإسلام وحض العالم على كراهيته .
وعلى الطرف الآخر أيضاً عندما نرى اليوم أن فصيلً إسلامياً أخر قد تمتع بقدراتٍ عسكرية فائقة وحارب على أقوى الجبهات ، وحارب أعظم القوى العسكرية في العالم ، كجبهة النصرة اليوم التي لاشك في إخلاص مقاتليها في محاربة الظلم والطغيان ألا يجدر بها أيضاً أن تكون على قدرة عالية من الحنكة السياسية إلى جانب المقدرة العسكرية !!!! لكن للأسف الشديد إذ أن إعلان قائدها الجولاني ولائه لتنظيم القاعدة المتطرف والمتشدد كان كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكثاً ، ألم يكن من الأولى أن تجتمع تلك القدرات العسكرية مع حنكة سياسية عالية وبالتالي تكن نتيجتها إنتصارً عظيم ومكانة عالمية أعظم إذ أنه أصبح لايخفى على السوريين بالأخص أعمال تلك الجبهة على الصعيد الإنساني والميداني ولا تمت لتنظيم القاعدة التي تم صنعها في أقبية المخابرات الأمريكية لتشويه صورة الإسلام بأفعالها بأي صلةٍ كانت .
في نهاية القول قد يطول الحديث في هذا الموضوع لكثرة الغزارة فيه إذ أصبحنا اليوم نملك المئات من الفصائل والحركات الإسلامية المتنوعة في فكرها وهدفها ، ولكن من بين هذه المئات هل نملك فصيلً واحد قد جمع الفكر الإسلامي المتنور والعقيدة الإسلامية الصحيحة ، والقدرات العسكرية والحنكة السياسية العالية والمهارات الإعلامية والتسويقية في فصيلٍ واحد كي يكون قادرً على مواجهة وحش خطير يسعى إلى تدمير الأمة الإسلامية وطمس عقيدتها ومعالمها ؟؟؟
وأخيراً إلى كل من زال إلى يومنا هذا يسعى ويعتقد بمزاعم ما أنزل الله والدين بها من سلطان نافياً وجود السياسة في الإسلام ووجوب السيف فقط وإلى من يدعي عكس هذه الصورة أيضاً نقول له تذكر أن محمدً لم يكن نبياً قط بل كان رسولاً ونبياً ، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبهِ وسلم.