حتى يكون إسلامنا - في أعين الناس- شامة بين الأديان والمناهج ..
وفي نظرية الإسلام وهديه من كل منهجٍ أجمله وأوسطه وأكمله
وقال صاحب الرسالة " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وإذا قال صاحب الرسالة قولا ، فعلى من دونه السمع والطاعة، وعلى الممخرقين الصمت ..
وفي فطرة الإنسان الأصلية، كما في كثير من الدعوات والأفكار الوضعية، التي انتهجها البشر بعقولهم وفهومهم وتجاربهم ورؤاهم، كثير أو قليل من آثار الحكمة والحق التي اهتدوا إليها أو اختاروها، حتى لتقول لا تكاد تخلو منها شرعة أو منهاج ..
وقد كان موقف سلف هذه الأمة من كل هذه الدعوات موقف المقارب، المتألف لقلوب وعقول البشر، الداعي لجمعهم، ولكل على مشربه ومذهبه إلى الكلمة السواء، وإلى دار " ابن جدعان " لتكون مظلة لدعوة لكل فضيلة، وللتعاون على " البر والتقوى " وما أكن أعظم إعجاز القرآن وهو يدعو البشرية إلى التعاون على (الْبَرِّ وَالتَّقْوَى) ونبذ (الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) البر والتقوى بكل آفاقه ولو في إطعام الطيور وسقيا الكلاب، والإثم والعدوان بكل تردياته ولو في قطع الشجرة، أو صيد العصفور لغير مأكلة..
البحث عن المشتركات " الإنسانية - والفكرية - والمصالح المعيشية، وتأكيدها والبناء عليها، وإعطاؤها وجهها الإسلامي الشرعي الجميل؛ كان وسيظل دأب أولي الفهم، وأصحاب بعد النظر ، من الدعاة والمسلمين وغيرهم أيضا. والبحث الدائم عن وجوه الشقاق والاختلاف سيظل نهج قوم آخرين. كان الإمام أبو حامد الغزالي يقول : من قُبلت منه ركعة واحدة فقد نجا. ونحن هنا لا نتحدث عن نجاة في آخرة، الأمر فيها موكول إلى الله ...
سنراه أمرا جميلا جيدا يستحق التشجيع والتأييد أن نرى قوما قد أحدثوا في حياتهم تقليد" الاغتسال " و" النظافة " وقد كانوا قبلا يتنسكون ويتعبدون بالإهمال، والاسترسال في القذارة، والاحتفاظ بالدرن على أجسامهم السنين الطوال...!!
في كل الدعوات والمناهج البشرية نسبة من الخير أو العوج ...وإعلاننا تأييد ما في هذه النماذج من خير، وتبنيه، والتركيز عليه، هو المنهج، وإعلان البراءة منه، بحجة الفساد بالكلية، وإدانة أهله، وشجبهم ورفضهم واتهامهم لبعض الخلل الذي هم فيه، قل أو كثر هذا الخلل؛ ليس بفعل الدعاة الراشدين ...
مهما قالوا أو قلنا عن "الديموقراطية" مثلا ، ففيها حظ صالح من الشورى، لا ينبغي لمسلم عاقل التفريط به، والانشغال بحربها، لأن الانشغال بحربها في هذه الظروف الدقيقة هو نوع من الانحياز الخفي للاستبداد!! ألا ليت قومي الذين يفتتحون المعارك معها، ولا يغلقونها أبدا يعلمون..
مهما قالوا في " الاشتراكية " بالمعنى الاجتماعي الذي سوقت به في أوج أيامها، فقد كان منها في شريعة الإسلام ما اعان داعية مثل الدكتور السباعي أن يكتب فيه في حينه، وينوه به ، ويؤكد عليه. فقد عاش الدكتور السباعي حياته مقاربا، وأسس الجماعة التي أسس على منهج المقاربة. ورد عليه من الناس " المنابذون" الذين يقولون لمن حولهم " تصلون على طرفي إزاري أو ما أنتم بمسلمين" وهكذا كان كتاب " اشتراكية الإسلام " لم يكن هو الخطأ، ولكن الخطأ والخطيئة كانا في منهج المنابذين.
الدعوة إلى اللقاء على القيم "الملية" سبق وأطلقها الإمام ابن تيمية الإمام المقارب وليس المنابذ كما يشيعون عنه، منذ القرن السابع الهجري، واليوم يدخلها النابذون والمنابذون في أطر المؤامرة والسياسة والكفر والانخلاع من الدين، ثم يحملونها على أكتاف الشيطان الرجيم..وفيها من عناصر الخير ما يحمي الحصون، ويصون المستقرات..
القيم الإنسانية في البناء على المشترك الإنساني ، والقيم الإنسانية، والروح الإنسانية بما يعرف اليوم بمصطلح " الأنسنة" دعوة في ثنياها سهم ، ولا أريد أن أعظم ولا أريد أن أصغر من الخير والبر والمعروف، وجميل من أهل الإسلام أن يظهروا ما في دعوة الإسلام من تقاطيع هذا الجمال، وأن يقرؤوا بعض سطورها في سفر شريعة الإسلام..
ندارس فلسفات البرهانيين والتجريبيين والوجوديين والتطوريين وأصحاب الدعوات إلى الحرية وإلى الحداثة وإلى ما بعد الحداثة ...ندرس كل ذلك بعقل واع ، وقلب مفتوح، وندرك أننا الأقدر على تمييز القطرة من " ماء الحق والصواب" أينما تلألأت فنعترف بها ،ونردها إلى أصلها، ونبرز في فضائها وفضائنا جمالها ..
ونقول لكل الناس في أطر كل الدعوات والمناهج نحن مشتركون معكم: على هذا وهذا ، وعلى ذاك وذياك ، وأعيدوا النظر فيما أنتم فيه مما لا يستقيم لعاقل، ولا يثبت لنظر ناظر ..!!
هذا منهج علمناه وحفظناه وعليه قامت دعوة الحق التي جاء بها المرسلون..
ويظل المنابذون وقد اكفهرت وجوههم يقرر كل واحد على كل منبره : ما من مسلم إلا أنا .. ولا إسلام إلا ما أراه
ونتلو (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)
ويا لجمال فهم هذه الأمة لمدلول الماء النازل ،في هذا السياق، من السماء، ولمدلول لفظ الأودية فيها، ولحقيقة القدر الذي يحتمله العقلاء منه . " وما يعقلها إلا العالمون "
انزعوا أقنعة المتجهمين عن سيما الإسلام الجميل . " حتى يكون كأنه شامة بين الأديان والمناهج والدعوات ..
نبحث عما يجمعنا، أما ما يفرقنا فقد فرضه علينا واقع كان أكثر ثقلا ...حتى أبهظ الناس جميعا، وهم لا يعلمون.
وسوم: العدد 945