الإسلام الأمريكاني الجديد
[من مقال منشور في مجلّة البيان، العدد 221 – شباط 2006م. للكاتب: كمال حبيب]
حين نقول المخططات الأمريكية فإننا نعني بذلك وجود أموال وعلماء وأجهزة مخابرات ومراكز أبحاث على أعلى مستوى، وأيضاً "الميديا" ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، أو ما عبّر عنه التقرير الأمريكي المهم الذي نشرته مجلة "يو إس نيوز آند وورلد ريبورت" بعنوان "قلوب وعقول ودولارات"، وفي هذا التقرير الخطير المنشور هذا العام يكشف عنوانه ومضمونه أن "حرب الأفكار والعقول" هي الأهم على جبهة المواجهة بين العالم الإسلامي وأمريكا ومن ورائها العالم الغربي.
وحرب الأفكار وكسب القلوب والعقول هي الجناح الآخر المهم الذي يساند الحملة العسكرية الأمريكية في حربها المزعومة على الإرهاب، ويعترف التقرير أن معركة الأفكار والعقول والقلوب لها صلة مباشرة بالأمن القومي الأمريكي؛ فكما يقول التقرير "أمريكا لها مصالح متصلة بأمنها القومي ليس فيما يحدث داخل العالم الإسلامي، وإنما داخل الإسلام ذاته كدين".
أي: إن أحد أهم أهداف حملة الديبلوماسية العامة الأمريكية في العالم الإسلامي هو تغيير جوهر الإسلام ذاته. فالتقرير يعتقد أن أحد أهم مصادر الأصولية الإسلامية والتشدد الإسلامي والذي تحاربه أمريكا وفق دراسة "للبنك الدولي" هي المدارس الإسلامية التقليدية. ويقدِّر التقرير أن هناك حوالي نصف مليون طالب مسلم يتعلمون في هذه المدارس بباكستان، وأنه لا بد من تشجيع ذويهم على سحبهم من هذا التعليم التقليدي إلى التعليم العلماني، الذي تنفق عليه برامج حملة الديبلوماسية العامة الأمريكية هذه التي تصل ميزانيتها إلى أكثر من مليار دولار.
وفي الواقع فإن تعبير "حرب الأفكار والعقول" صكّه "بول وولفويتز" أحد مهندسي الحرب على العراق ونائب وزير الدفاع الأمريكي وأحد الصقور الخطيرة في الإدارة الأمريكية في عام 2002م حين قال: "إن معركتنا هي معركة الأفكار ومعركة العقول، ولكي نكسب الحرب على الإرهاب لا بد من الانتصار في ساحة الحرب على الأفكار". وتبنّت التعبير بعده بعام "كونداليزا رايس"، ثم أصبح أحد التعبيرات المهمة للإدارة الأمريكية كلها بما في ذلك "جورج بوش" نفسه.
ومعركة الأفكار وفق إدراك صنّاع القرار الأمريكي تعني أنك تخوض حرباً لتغيير جوهر الدين الإسلامي ذاته، وهذا يجرك إلى مناطق حساسة، مثل: كيفية فهم الإسلام وتفسير القرآن والفقه، بحيث يدعو هذا الفهم لما تريده أمريكا، وهو تقديم خطاب متسامح يركز على المشترك بين الإسلام والنصرانية، فهو خطاب ينبغي أن يخلو من فكرة الجهاد والقتال والولاء والبراء، كما يجب أن يخلو من العداء للكيان الصهيوني.
ويعترف التقرير بأنه يواجه مشكلة حقيقية في التعامل مع العدو الإسلامي الأصولي، وهي أنه يحمل قيماً وأفكاراً دينية ومعنوية لم يعتد الأمريكان على التعامل معها من قبل مع العدو السوفييتي الذي كان ذا طابع إلحادي، وذلك عن طريق دعم التيارات المعتدلة التي لا تتبنّى الفهم المتشدد للدين الإسلامي بالمعايير الغربيّة.
أي: إن التيارات المعتدلة التي تسعى أمريكا لدعمها أو استنساخها هي تيارات تعبر عن "الإسلام الأمريكي" الذي لا يجعل من الوحي مرجعيته الأساسية في الفهم، وإنما يجعل مرجعيته الواقع المتغير وضغوطاته.
تقرير راند والمخططات الأمريكية:
صدر هذا التقرير المهم أيضاً في شهر شباط عام 2004م بعنوان يسترعي الاهتمام: "الإسلام المدني الديموقراطي، الشركاء والموارد والإستراتيجيات"، والإسلام المدني أي: الإسلام العلماني الذي لا يستند لمرجعية الوحي هو الإسلام الأمريكي، ويعبر عنه كثير من الباحثين الغربيين بـ "تحديث الإسلام"، وهو يتحدث هنا عن الشركاء أي: الذين يشتركون مع أمريكا في فهم الإسلام العصري والحداثي، وهم هنا من يسمَّون بـ "الإسلاميين الليبراليين".
في مقدمة التقرير تتناول الباحثة "شيريل برنارد" مسألة أن العالم الإسلامي يمثل معضلة أمنية وإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ومن ثم فلا بد من التدخل لضبط أوضاعه لصالح التماهي مع الديموقراطية الغربية.
وسوم: العدد 954