السلام المفقود
رسائل الحب والسلام
على أبواب العام الجديد في وطن السلام
سامح عودة/ فلسطين
لوطني ستة ُ حروفٍ منقوشة على فم الربيع " ف . ل. س. ط. ي. ن " تشبه قوس قزح عندما تتداخل ألوانه، مصقولة كالفولاذ لا تهاب الصدأ ..
فرح فيه فراشات يجبلنَ الحناء بماء الورد، فيظهرُ النقشُ عطراً يسطعُ كسطوح القباب
ليل ُ من ليالي نيسان حالم يبعثُ عبق الامنيات للأنقياء معلناً بدء السمر
سيف بتار يقطع السنة عوجاء تخرسُ فيسموا ترتيل طاهر
طير يعرض جناحيه الأنيقين تحت الشمس مستبشراً بغدٍ أجمل،
يدُ نبي بيضاء تمسحُ ألم الشقاء عن طفل بريء على وجنتيه الدمع تحجر..!!
ناي في يد راعٍ يزجي لحن وفاء خالدا فينبتُ النرجسُ على أطراف الأصابع ..
ستُ حروفٍ نضرة في وطن مقدس، مساجدُ وكناس، هلال وصليب، محمد وجريس، ودم جبل به ترابه لا أحد يعرف غير الله أسراره، في وطني تقف حمائم السلام مذبوحة في أيكها، مبتورة القدمين لا تقوى على الطيران، مسلوب هديلها تنامُ والدمعُ يؤرقها، على أبواب العام الجديد ليس لليل الا شمعٌ يوقد علَّ نورها يمسحُ ظلاماً تلبد..!!
ليس في هذه الليلة قبل أن تدق عقارب الساعة موسيقاها الأخيرة إلا أغنية مبحوحة تأبى السطوع
ليس في هذه الليلة إلا مطر طاهر غزير يغسلُ دنس الظالمين، يمسحُ افكَ بنادق المجرمين ليسكب الأمان
ليس في هذه الليلة إلا أذانٌ مذبوح لصبحٍ آتٍ مع طيف ناسك أو عابدٍ مهلل
ليس في هذه الليلة إلا أجراس كنائس تقرع تستعجلُ رسائل سلام كان هنا وغادر
ليس في هذه الليلة إلا ترانيمُ المهد والقيامة وكنائس باكيات على سلام ظل مصلوباً خارجَ الواقع
ليسَ في هذا الليل إلا مريم المجدلية تحضرُ من تاريخٍ ماضٍ تضعُ عطر عذريتها في قوارير الغد..
ليس .. وليس في وطن السلام الا سلام مفقود على اعتاب منازل هجر ساكنوها عنوة..!! فذاقوا مرارة الاغتراب في الخيام البعيدة، وعرفوا أن اللجوء ظلم قاتل، ظلت مفاتح البيوت قلائد في أعناقهم، حتى نعود الى سهل البرتقال وشاطئ البحر الذي كنا نسكن فيه، هناك عند يافا الحزينة..!! .
من يكتبُ بحبر موجع وصايا الشهداء التي لم تقرأ بعد، حبرها دم زكي طاهر يشبه المسكَ في ريحه، أحمر ككرز الجليل، فيها عبرٌ جمة عنوانها أن السلام المفقود لن يكون على حساب لحمنا الغض.
من يكتبُ أمنيات أسرى السجون المبعثرة، القابعين في غرف التحقيق وقد أوغل صقيعها في عظامهم، ذاك الأسير الأشم يرفعُ رأسه في عتم الزنزانة كي يكحلَ عينيه البريئتين بوجه أمه يطلُ من خلف قضبان الابواب المغلقة وهي تلقنه وصاياها العشر ..
- لا تيأس .. فإن بعد الضيق الفرج
- لا تحزن .. فإن بعد الدمعة بسمة
- لا تتنازل عن مبادئك ... فإن الرجال مبدأ
- لا تصالح .. فإن عدوك غادر
- لا تساوم .. فإن أنصاف المواقف لا تليق بك
- لا تغضب .. فإنك لعدوك ند
- لا تستعجل .. فإن النصر صبرُ ساعة
- لا تشبع .. فأن الأمعاء الخاوية لها النصر
- لا تضحك .. في وجه عدوٍ مغتصب
- لا سلام .. على هذه الأرض إلا وقد بيضت السجون من الاسرى
من يكتب عن جراح الجرحى التي لم تبرأ بعد، أو عن الأقدام المبتورة التي كان رصاصهم المسموم ساكناً غريباً فيها، أو عن شظايا بقيت مغروسةً في أجسادهم لم تقلع بعد، من .. ومن يروي كيف يمرُ الوقت كسكين جارح وهم معلقون بخيوط الشفاء .
في وطن السلام حكايا عشق مؤجل أشبه بالفجر في نقائه عندما يكون موشحاً بانتظار المطر، لذاكرة تحفظ الأشياء فيها تحفظ كل الرموز المخفية، تبقى للغد ماثلة كوجه وردة قرنفل أمام ريح ناعمه كلما مالت فاح العطرُ، آه من قرنفل الروح النابت في أرض عمها الشقاء، لونها الحزن بلون بارد، قطعتها الحرب أجزاءً مجزأة، مزقتها أنياب الجرافات وهي تقتلع زيتونة رومية من أعلى تلة منبسطة، لتبنى مستوطنة مكانها، لمستوطن أتى من بلاد الثلج أو بالأحرى بلاد الافرنج معبأً بقيم عنصرية يزرع الهلاك في بلادنا، ويجعل السلام الذي ننشده في وطن خالص لنا دونهم سراب بعيد المنال، " ليستشهد السلام في وطن السلام " ، ونمني النفس بأمنية في العام الجديد بأن يكون عام الخلاص لشعبنا ، ويرفعَ شبلُ من أشبالنا علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس .