الإعلام الإلكتروني .. ومواجهة الدعاية الإسرائيلية
تشكل الدعاية الإسرائيلية تحديًا رئيسيًا في مواجهة نشر الرواية الفلسطينية الصادقة من خلال استخدام مجموعة من الأنواع والأساليب الدعائية التي تقوم على الكذب والتضليل والخداع للجمهور العام، والفلسطيني العربي على وجه الخصوص، وذلك من خلال استغلال حالة النهوض والتطور التكنولوجي المعرفي لدى وسائل الإعلام الإلكتروني التي أصبحت النافذة الأكثر استخدامًا لدى الشعوب المختلفة. حيث تظهر أهمية الإعلام الإلكتروني في وقتنا الحاضر في معالجة الكثير من القضايا والمشكلات السياسية والثقافية والاجتماعية والإنسانية والإعلامية، لما له من مميزات كثيرة وسمات قوية والتي كان أخرها صفة العالمية، لدوره الرئيسي في طرح القضايا بشكل سريع ومؤثر، والوصول إلى أكبر قدر ممكن من الجمهور.
وتساهم وسائل الإعلام الإلكتروني في تحقيق سرعة نشر المحتوى المراد إيصاله للجمهور بطرق شتى، لا سيما نرى اليوم حجم الضخ المعلوماتي والغزو الفكري الذي يمارس من قبل مكونات العمل الإعلامي الإسرائيلي تجاه الجماهير، ولنا في موجة "التطبيع العربي" نموذجاً يوضح كيف استطاع الإعلام الإسرائيلي اختراق المنظومة الإعلامية العربية والفلسطينية في ظل حالة الركود التي تعاني منها، وانعدام التخطيط والتنسيق الإعلامي.
ويظهر حجم الكذب والخداع الذي يمارسه الإعلام الإسرائيلي من خلال ارتكاب جيش الاحتلال للمجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني على مدار سنوات طويلة من الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يحاول اليوم في ظل حالة الانفتاح على الشعوب، والاعتماد على تقديم الحقائق بدلاً للعاطفة، والاهتمام الجيد بالدبلوماسية الرقمية التي من خلالها يكسب حالة التعاطف والتأييد، أن يظهر بأنه صاحب الموقف الإنساني والطرف الأكثر قانوناً وعدلاً، خاصة وأن إسرائيل الدولة الأكثر عنصرية، وتهميشاً للقانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية.
عودة على دور الإعلام الإلكتروني وكيفية استخدامه في مواجهة الغزو الفكري، والاتصالي، والثقافي، والمعلوماتي، نجد أننا كفلسطينيين بحاجة إلى مراجعة الذات أولاً، وتقييم للحالة الإعلامية على حدِ سواء في ظل الافتقار إلى جهة مخططة ومنظمة للعمل الإعلامي، وهذا يندرج تحت بند واحد وهو غياب الخطة الوطنية الاستراتيجية، التي يمكن أن تؤهلنا إلى مرحلة أفضل في مواجهة هذا التحدي الذي أصبح يمتد إلى مستويات خطيرة في ظل غياب التوافق الوطني واستمرار الانقسام الداخلي.
ومن أبرز التحديات الإعلامية الموجودة والتي لم تمكنا في مواجهة الدعاية الإسرائيلية الممتدة هو عدم وجود خطة استراتيجية وطنية واضحة للإعلام الفلسطيني، وضعف الإمكانات، وقلة الوعي لدى عدد كبير من الإعلاميين خلال تقديم الرسالة الإعلامية، وانعدام الرقابة الإعلامية وفق المنهج العلمي والعملي السليم، إضافة إلى عدم توافق المنهج الدراسي لدى خريجي الإعلام ارتباطًا بالوعي والإدراك لما يدور حولهم وما يقع على عاتقهم من مسؤوليات كبيرة في مواجهة هذه التحديات، والاهتمام المرحلي بالقضايا المختلفة، وأخيراً عم وجود ضوابط للتعامل مع الإعلام الإسرائيلي من قبل مستخدمي الإعلام الجديد في مجتمعنا الفلسطيني خاصة في الأحداث الهامة والحساسة.
لا شك أن الإعلام الفلسطيني يقدم رسالة سامية في كشف وفضح جرائم الاحتلال على مدار تاريخ الصراع، بل يقدم التضحيات الكبيرة في كل محطة نضالية يمر بها الشعب الفلسطيني تأكيدًا على حقه في الحرية وتقرير المصير، وإثباتًا للعالم بأن الإنسان الفلسطيني يتعرض لسياسة عنصرية بشعة. لكن هذا كله لا يفهمه العالم في ظل حالة الاستسلام والركود لعملية البناء الداخلي للإعلام الفلسطيني ككل من خلال وضع خطة عمل موحدة، بحيث أن تعتمد الرسالة الإعلامية الفلسطينية على الجانب العقلاني أكثر من العاطفي، فهذا الذي يميز الدعاية الإسرائيلية الذي تعتمد على حقائق واقعية موجودة رغم أن مضمون الرسالة يكون كاذباً مثلما حدث مع الإماراتية "مريم المنصوري" مُستغلاً الإعلام الإسرائيلي حالة التطبيع مما أحدث شرخاً كبيراً بين الشعبين وانعدام للثقة، وكذلك الكثير من المواقف العديدة التي اتبعتها الدعاية الإسرائيلية.
الذي يجب أن يعلمه الجميع أن الدعاية الإسرائيلية تعمل وفق منهجية علمية مدروسة وبعيدة المدى، ووفقًا لورقة عمل بعنوان "استراتيجيات الدعاية الإسرائيلية" من أبرز الأنواع الدعائية التي يستخدمها الإعلام الإسرائيلي هي "الدعاية السوداء" التي تقوم على إعطاء مصدر زائف من أجل ممارسة التضليل بحق الجمهور، وعدم السماح له التعرف على مصدر المعلومات الحقيقي.
حيث تعمل الدعاية الإسرائيلية وفق عدة أساليب هامة ومن أبرزها: "أسلوب القطيع" وهو أسلوب يستخدم في مجال السياسة والإعلام الإخباري، حيث يعتمد على دعوة أشخاص لمتابعة مجموعة معينة والانضمام إليها لمجرد انضمام أعضاء آخرين لها، حيث يحاول هذا الأسلوب إقناع العضو بأن الانضمام إلى مجموعته سيكون بمثابة الانضمام إلى الجانب الفائز وأن العدد الكبير للأعضاء هو علامة على نجاحهم. حيث لاحظ ناصر يونس 26 عاما، باحث بريطاني في مجال الأعمال والقانون، أن هذا الأسلوب كان يستخدم بانتظام من قبل إسرائيل خلال حرب غزة عام 2014 حيث سيطر اللوبي الإسرائيلي على أقوى وسائل الإعلام في الولايات المتحدة ، على سبيل المثال نيويورك تايمز ، سي إن إن، واشنطن بوست وغيرها، كان من السهل على جميع وسائل الإعلام تلقي أخبارهم من هذه المنافذ.
كما أيضاً، أسلوب "استبدال الأسماء والمصطلحات " ويستخدم هذا الأسلوب الكلمات التي لها دلالات سلبية في وصف شيء ما، حيث يحاول إثارة التحيز بين الجمهور ضد العدو من خلال استخدام الملصقات التي لا تعجب الجمهور، ويعتمد هذا الأسلوب على حث الجمهور على رفض بعض المجموعات أو الأشخاص أو الأفكار بسبب هذه الارتباطات السلبية، بعيدًا عن الفحص الحقيقي لتلك الفكرة أو الشخص والادلة المتاحة. وهذا يتضح عندما تبرر إسرائيل هجماتها ضد أهل غزة بتصنيف الفلسطينيين على أنهم "إرهابيون" أو ربطهم بحماس، وهي تزعم كيف استخدم الفلسطينيون منازلهم ومساجدهم في تخزين الصواريخ التي تم إطلاقها على إسرائيل، والحقيقة هي أن القوات الإسرائيلية ارتكبت عشرات المجازر خلال حرب غزة عام 2014 وكان غالبية الضحايا من المدنيين. إضافة إلى أسلوب "غرس الخوف" الذي يستخدمه ويتلاعب به مختصو الدعاية لنقل رسالتهم، على سبيل المثال، يحذرون الجمهور بأنه إذا تجاهل رسالتهم، فإنهم سيتحملون عواقب وخيمة، وهذا النوع من التقنيات كان يستخدم على نطاق واسع من قبل القوات الإسرائيلية خلال حرب غزة.
لذلك ما المطلوب، وكيف يمكن التخفيف من حدة هذا الخطر المحدق بنا ومواجهته بطريقة يمكن أن تقودنا إلى بر الأمان ولو قليلاً؟ من الضروري أن يكون هناك خطة إعلامية وطنية شاملة تقدم قضايا الشعب الفلسطيني بطريقة عقلانية وتعتمد على الحقائق إلى جانب العاطفة، وتطوير المنهاج التعليمي لدى الجامعات الفلسطينية، والعمل على تمكين نقابة الصحفيين لدى الصحافة الإلكترونية بطريقة شمولية، إضافة إلى مخاطبة الجهات العليا بضرورة توفير كافة الإمكانيات واللوازم التي تمكن من مواجهة الدعاية الإسرائيلية، والعمل على تعزيز التوافق النقابي عند اختيار المصطلحات الإعلامية، والعمل على مأسسة وتنظيم العمل الإعلامي الفلسطيني ضمن خطة واقعية تواكب الحداثة الإعلامية، والعمل على تنشيط الدبلوماسية الرقمية ومتابعتها من قبل نقابة الصحفيين والجهات العليا المسؤولة عن الإعلام الفلسطيني، والحاجة إلى مرصد للإعلام.
ختاماً، أقترح على نقابة الصحفيين الفلسطينيين باعتبارها البيت الجامع للكل الصحفي أن تقوم بإنشاء لجنة متخصصة في الإعلام الإلكتروني على أن تعمل هذه اللجنة ضمن ضوابط ومعايير تسهم في تحديد هوية العاملين في هذا المجال، وأن تكون النواة الحقيقية في ترتيب واستنهاض الواقع الإعلامي الفلسطيني، وضرورة السعي في الوقت ذاته نحو تحقيق التواصل مع جهات عربية لخلق شبكة أو منصة إعلامية توازي المنصات الموجودة في عالمنا هذا، من أجل رسالة إعلامية فلسطينية متطورة.
وسوم: العدد 960