بشارة سارّة لكتَاب الأطفال في عالمنا العربي
علي الرشيد
قرأنا عن كثير من الأمور المادية والمعنوية التي تسهم في إطالة عمر الإنسان ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، صلة الرحم ، كما ورد في الحديث النبوي الشريف :((مَن أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسَأ له في أثره، فليَصل رحِمه))، ومنها نوعية الطعام الذي يتم تناوله ، وبعض الممارسات كالرياضة، والابتعاد عن أنواع معينة من الأغذية والعادات وما يلحق بالمرء.. كالسمنة والهموم والقلق وتأثيرات الأمور النفسية والاجتماعية الكثيرة ، وقد أُجرِيت في هذا الجانب الكثير من الدراسات والأبحاث واستطلاعات الرأي ، وخصصت له الكثير من المساحات الخبرية في وكالات الأنباء ووسائل الإعلام .
ولكن هل تتوقعون أن تكون الكتابة للأطفال والقيام بالأعمال الإبداعية المرتبطة بذلك كالرسم سببا في إطالة العمر .. أمر أثار انتباهي وأنا أقرأ خبرا مصدره موقع : Brain Pickings ، وخصصت صحيفة عُمان مساحة معتبرة له ، تحت عنوان : " كي تعيش طويلاً.. اكتب للأطفال" ..حيث أورد الخبر أمثلة عديدة لكتّاب أطفال عالميين طالت أعمارهم سواءً من رحلوا منهم أو بقوا على قيد الحياة .. ومما جاء فيه : "قبل فترة توفيت الكاتبة الأمريكية الجميلة المبدعة شارلوت زولوتو، في الثامنة والتسعين من عمرها. فقد ولدت في 26 يونيو 1915 وتوفيت في 19 نوفمبر 2013. وشارلوت ليست الوحيدة من بين كتّاب أدب الطفل التي عاشت طويلاً، فمن الواضح أن الكتابة للأطفال تطيل العمر لأن العديد من كُتاب ورسامي كتب الأطفال يُعمرون بغض النظر عن المكان والزمان. والأمثلة على ذلك كثيرة: موريس سينداك الذي عاش 84 عاماً، و إي بي وايت الذي عاش 86 عاماً، وروث كروس توفيت في الثانية والتسعين، أما أليس بروفينسن فما زالت رسوماتها رائعة وهي الآن بالتسعينات من عمرها، فيما كان عمر إريك كارل حين أصدر كتابه الأخير أربعة وثمانين عاماً.."
ليس ثمة إشارة إلى نماذج عربية لكتّاب أطفال عرب ينطبق عليهم نفس الحال ، ولعل السبب أنّ مصدر الخبر موقع غربي من جهة ، وقلة عدد كتاب الأطفال في عالمنا العربي، وحداثة التجربة مقارنة بتجارب الشعوب الأخرى، والزهد في هذه الكتابة وهو ما أدرى إلى عدم شهرة كتّابنا دوليا ، وعدم وصول بعضهم أو على الأقل أحد منهم للعالمية ، ليكونوا من ثم ويكون ما يكتببون محطّ الانظار وجذب الانتباه .
وعندما وضعتُ الخبر على صفحتي على موقع التواصل "الفيسبوك" لفت انتباهي أحد أصدقائي من الأراضي الفلسطينة المحتلة وهو الأكاديمي والكاتب المتخصص في أدب الأطفال رافع يحيى، على الفور بوجود شعراء وكتاب قصة للأطفال من العرب، ممن طال عمرهم ، وذكر في تعليقه على الخبر المنشور الشاعر سليمان العيسى الذي تتلمّذ كثير من الأطفال العرب على قصائده، التي كانت تملأ المناهج الدراسية والمجلات، وترنموا بها في سنيّ صغرهم ..ومعلوم أن العيسى الذي رحل في العام الجاري عن عالمنا توفيّ عن عمر ناهز التسعين سنة .
وما أن أتمّ صديقي تعليقه حتى قفز إلى ذهني عَلَم آخر من أعلام الكتاب والإعلاميين العرب المهتمين بالطفولة ـ على قلّتهم ـ رحل هو الآخر قبل أيام قليلة عن عمر جاوز ثمانين عاما ألا وهو ياسر المالح، الذي برز اسمه خلال مساهمته مع كتاب عرب آخرين في إعداد وكتابة حلقات مسلسل الأطفال المشهور :"افتح يا سمسم" ، وكان خبيرا في الإعلام التربوي لدى عدد من المنظمات الدولية كاليونسكو واليونسيف.
ثم استرجعت قائمة بعض مشاهير كتابنا العرب المهتمين بالطفل فوجدت أسماء أخرى ممن هم على قيد الحياة، قد متعهم الله بطول العمر مثل : عبد التواب يوسف أبرز رواد أدب الأطفال العرب المعاصرين، الذي يبلغ من العمر 85 عاما ، ويعقوب الشاروني وهو من الرواد أيضا وكاتب باب " الف حكاية وحكاية في جريدة الأهرام منذ عام 1981 ، والذي يبلغ عمره حاليا 82 سنة .. أمد الله في عمرهما وعطائهما ..وربما تطول القائمة .
في البحث عن تفسير لهذه الظاهرة حاولت استمزاج رأي بعض زملائي من أبناء المهنة حول هذه الظاهرة فاتضح أن ثمة توافقا على أن الدخول في عوالم الأطفال والناشئة التي تتميز بالصفاء والنقاء والمرح البريء، تمدّ الكتّاب بروح خاصة تدخل السرور والراحة إلى نفوسهم وهو ما يكون سببا في إطالة أعمارهم ..فقد قالت الدكتورة إيمان البقاعي الكاتبة والأكاديمية المتخصصة في هذا الجانب: "كل ما يتصل بالاطفال والتعامل معهم والتفكير بما يفكرون به وتخيل ما يتخيلونه يعطي طاقة جسدية وذهنية وروحية تعطي فرحا ، والفرح يمد العمر" ، وعزت الكاتبة والإعلامية المصرية سماح أبو بكر عزت سبب ذلك إلى أن "كُتاب الأطفال يسكنهم قلب رحب تسعده تفتح زهرة ، تغريد طائر و قطرة مطر ، ينسون الإساءة ويفرحون لأصغر الأشياء ، وربما أيضاً لأنهم كما قال عنهم الكاتب الكبير الأستاذ انيس منصور .. لا يعرفون الملل، فكل شيء يتحدث إليهم و ينشغلون به من الجماد ، للطيور ، للحيوانات".. وهي كما يتضح أمور تتصل بالجوانب المعنوية الاجتماعية والنفسية .
أعرفُ أن الأعمار بيد الله سبحانه وحده، ولكنني تناولت هذه الموضوع الذي يتسم بالطرافة والظرافة ، لأكثر من سبب ، لكن أهمها هو إزجاء البشارة لكتاب وإعلاميّ الأطفال، وهم قليلون ليثبتوا على هذا الدرب، الذي لا يحظى بالاهتمام والتشجيع الكافيين ، خدمة لأهم ثروات الأمة ، جيل الحاضر والمستقبل، ولتشجيع أصحاب الموهبة من الأجيال الجديدة للتخصص في هذا الجانب المغري..مع تمنياتي لجميع أهل المهنة من الأدباء والشعراء بعمر مديد، مقرون بالإنجاز الذي ينفع الناس.