وقفة مع حالة التعليم ببلادنا بمناسبة اليوم العالمي للتعليم
دأبت هيئات عالمية على اختيار أيام من السنة كي تكون مناسبات يحتفى فيها بما تراه مستحقا للاهتمام أو ما ترى أنه من الضرورة لفت أنظار العالم إليه من أجل الحفاظ عليه أو الدفاع عنه أو تطويره ... إلى غير ذلك من الأهداف المسطرة والمعلن عنها .
ومن القضايا التي حظيت بتخصيص يوم عالمي لها قضية التعليم والذي يصادف الرابع والعشرين من شهر يناير من كل سنة . ومعلوم أن قضية التعليم قضية في غاية الأهمية ،لأنه أهم رهان تراهن عليه كل أمم المعمور ، وهو من أهم المعاييرالمعتمدة لتحديد ترتيبها الحضاري ، كما أنه استثمار للعنصر البشري الذي يعتبر رأسمال الأمم ، وعماد تطورها ، وبه تتمايز ، وتتفاضل فيما بينها ، وبه تتبوأ مكانتها اللائقة بها رقيا وتقدما وتطورا .
وكثيرة هي الأمم التي لا تملك ثروات ومقدرات مادية ،ومع ذلك تتصدر لائحة الرقي بفضل جودة تعليمها ، وتكون الأمم الغنية بثرواتها ومقدراتها المادية والمتخلف تعليمها عالة عليها . وفي المقابل هناك أمم يجتمع عليها الافتقار إلى ثروات ومقدرات مادية ، و في نفس الوقت الافتقار إلى تعليم جيد ، وهي الأسوأ حالا في المعمور . وقد تمر بها عقود دون أن تفكر في الخلاص من وضعها السيء عن طريق مراجعة أساليب تطويرتعليمها المتعثر .
وبحلول هذا اليوم المخصص عالميا للتعليم ، والذي يراد به لفت الأنظار إلى ضرورة العناية به ، والرفع من مستوى مردوديته كما خططت لذلك الجهة التي سنته ، يجدر بنا أن نقف عند وضعية تعليمنا أو بتعبير آخر نتفقد حالته الصحية خصوصا مع ارتفاع أصوات تنادي بالبحث الجاد عن وسيلة لجعله يتعافى من علته التي لازمته لما يزيد عن ستة عقود بعد رحيل المحتل الفرنسي الذي جعل تعليمنا تابعا لتعليمه مع أن تعليمه ليس بالتعليم الرائد في العالم ، ومع ذلك لا زال المسؤولون عن تعليمنا يرون فيه التعليم إسوة وقدوة ، ويحرصون على أن يحذو تعليمنا حذوه على علاته ، ويظل مجرد ظل له ، كما يظل رهين سلسلة متواصلة لا نهاية لها من التجارب الفاشلة التي تتوالى عليه ، وتجعل من ناشئتنا المتعلمة فئران تجارب ، وكثيرة هي التجارب التي أجربت على ناشئتنا لفائدة التعليم الفرنسي وناشئته .
ومع ارتفاع أصوات كثيرة تنادي باعتماد نماذج أخرى من التعليم المتطور في العالم ، والتخلص من عقدة التبعية لنموذج التعليم الفرنسي ، يصر مع شديد الأسف أصحاب القرار التربوي عندنا على استمرار تبعية تعليمنا له بالرغم من وضعيته المزرية التي لا ينكرها إلا مكابر . وعوض اعتماد أسلوب الكياسة التي تقتضي إدانة النفس ومحاسبتها ، يصر أصحاب القرار التربوي عندنا على أن تعليمنا بخير وعافية ، ومن المفارقات أنهم يصدر عنهم بين الحين والآخر ما يفيد أنه ليس كما يدعون ، وهم لا يترددون في تحميل المسؤولية للأطر التربوية على اختلاف مهامها مع أنهم لا يولونها ما تستحق أو ما يجب لها من اهتمام ، تكوينا وإعدادا وتحضيرا وتحفيزا .
ولا شك أن أكبر معضلة يعاني منها تعليمنا ، وأكبر ضربة وجهت له هي التفريط الصارخ في تأهيل الأطر التربوية ، وذلك باعتماد ما يسمى " التعاقد " الذي صار عقدة تعليمنا ، حيث تم تعطيل التأهيل الذي كان معتمدا من قبل للأطر التربوية ، والتطويح بشباب لا تكوين له في الفصول الدراسية للمجازفة بمصير ومستقبل الناشئة المتعلمة لتكون هي الضحية التي تؤدي ثمن فشل السياسة التعليمية في بلادنا .
ولا زالت مشكلة " التعاقد " لم تبارح مكانها بالرغم مما ترتب عنها من تداعيات سلبية جعلت المتعاقدين يشعرون بكونهم في وضعية غير مريحة تضمن استقرارهم النفسي والاجتماعي كما كان الشأن بالنسبة لمن سبقهم ممن كان يشملهم " التوظيف " .
وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نقتبس الشاعر المتنبي قوله : "عيد بأية حال عدت يا عيد ؟ " ، فنقول بأية حال عدت يا يوم التعليم العالمي وتعليمنا حاله كحال دار لقمان؟
وسوم: العدد 965