عيد حب لكن بأية دلالة ؟؟؟

الحب عاطفة نبيلة أودعها الخالق سبحانه وتعالى في بني آدم لتحصل بينهم الألفة لغرض نبيل خلقوا من أجله وهو حبه عز وجل ، والذي يتفرع عنه كل حب فيما بينهم ، وهو حب يتجاوز الادعاء إلى إقامة الحجة والدليل عليه ، وهو ما افترضه الله عز وجل على المؤمنين به لإثبات حبهم له حيث قال جل في علاه : (( قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم  ذنوبكم)) ، والخطاب موجه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كي يبلغه للعالمين باعتبار خاتمية وعالمية رسالته . ولقد جعل الله تعالى الدليل والبرهان على محبته اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم أولا في طريقة حبه له ثم في تقديم كل الأدلة والبراهين عمليا وإجرائيا على صحة المحبة ، وذلك بالتزام  قوامه ائتمار بأوامره سبحانه وتعالى ، وانتهاء عن نواهيه، وقد فصلها في محكم التنزيل ، وفي سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام .

وعن حب الله تعالى ، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم الذي علم البشرية الدلالة الحقيقية  للحب، تتفرع كل أنواع الحب ، حب جعله الله تعالى متأصلا في العلاقات الرحمية حيث يتعالق به ذوو الأرحام  فيما بينهم على اختلاف تلك العلاقات . ونجد الحب في إطار هذه العلاقات يشتد كلما قربت المسافات داخلها ، ذلك أن الحب بين الآباء والأمهات والأبناء والبنات يكون أشد منه بينهم وبين باقي الأقارب من جهة الأبوة والأمومة التي تنشأ عنهما العمومة والخؤولة  والمصاهرة ، ويستمر الحب في ظل هذه العلاقات الرحمية من الأصول إلى الفروع . وقد يحدث أحيانا أن يشتد الحب بين ذوي الأرحام وإن بعدت صلة القرابة بينهم لأسباب عدة ، فنجد على سبيل المثال لا الحصر من يؤثر محبة  العم أو الخال على الأب والأم ، كما قد يؤثر محبة أبنائهما على الإخوة والأخوات.  

ومع أن الله عز وجل أودع عاطفة الحب في ذوي الأرحام إلا أن كثيرا منهم مع شديد الأسف والحسرة لا يقدرونها ، فيستبدلونها بكره وبغض  لا مبرر لهما سوى خلافات سببها  غالبا  تنافس عرض الدنيا الزائل ، وهو ما يغضب الله عز وجل لأنه جحود بنعمة الحب  التي أنعم بها عليهم ، وهي من أكبر النعم  .

ويلعب الجوار أيضا  دورا مهما في ارتباط الجيرة فيما بينهم  بحب يعزى إلى  ألفة سببها التجاور ، وتتفاوت درجة هذه المحبة بين الجيران حيث يفوق عندهم البعض على البعض الآخر محبة .  ومع أن الله عز وجل فرض المحبة بين الجيرة إلا أنهم مع شديد الأسف والحسرة  يتنكرون لها ، ولا يجدون أحلى ولا أعذب من إضمار العداء لبعضهم البعض بسبب خلافات سببها تعطيل تلك المحبة الواجبة فيما بينهم .

ويختلف المسلمون عن غيرهم ممن يدينون بديانات أخرى أو لا يدينون أصلا بدين فيما يخص الارتباط بعاطفة الحب ، ذلك أنهم  في الأصل يجب خضوعهم لعلاقة حددها لهم الله عز وجل، وهي علاقة الأخوة  في الدين على غرار الأخوة الرحمية حيث يقول جل وعلا : (( إنما المؤمنون إخوة )) كما يقول رسوله صلى الله عليه وسلم : "  لا تحاسدوا ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ـ مشيرا إلى صدره ثلاثا ـ بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه ".

وهذا حديث شريف جمع كل الشروط الواجب توفرها في علاقة الأخوة بين المسلمين ، وفيها تحذير من كل ما ينسف علاقة الحب فيما بينهم من حسد ، وتناجش، ويكون في البيوع، وهو المزايدة والتمويه ، وتباغض ، وتدابر ، وظلم ، وخذلان ، وكذب ، احتقار ، وسفك الدم ، وغصب المال ، وانتهاك العرض .

وبالرغم مما أمر به الله عز وجل ،  وأوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن المسلمين مع شديد الأسف والحسرة  ينسفون علاقة المحبة والتي هي قوام الأخوة الرابطة  فيما بينهم نسفا ، وذلك بإتيانهم كل ما نهى عنه الله عز وجل  ورسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا في هذا الزمان الذى ساءت فيه أحوال المسلمين سوءا غير مسبوق .

ولئن كان لا بد أن يستحضر المسلمون عاطفة الحب في مثل هذا اليوم جريا وراء عادة وراء سنّها ما لا علاقة له بدينهم ، فليكن ذلك عن طريق تصحيح دلالة هذه العاطفة عندهم وفق تصورهم الإسلامي  بعيدا عن كل تصور له منطقات عقدية مخالفة لمنطلقهم  .

ومعلوم أن عيد الحب صار عند عموم البشر مختزلا في تلك العلاقة التي تربط الذكر بالأنثى سواء كانت علاقة شرعية أو كانت خارج إطار الشرعية ، علما بأن أصوات كثيرة أصبحت اليوم  تنادي بهذه الأخيرة على حساب العلاقة الشرعية ، وتنادي برفع  المنع والتجريم عنها ، وهم يحتفلون  بالحب على طريقتهم المبتذلة له شر ابتذال  ، وما هو بحب لأنه ينقض الحب الحقيقي  الذي شرعه الله عز وجل للناس ، والذي يكون مصدره الأول هو التعلق به سبحانه وتعالى تعلقا له دليل وحجة كما سبق ذكره . وما يخيل لدعاة العلاقات غير الشرعية أنه حب إنما هو انجذاب جنسي غريزي  ليس غير حيث يقضي كل طرف وطره من الآخر مع ادعاء محبة  واهية مغشوشة الدليل على وهنها وغشها هو توقفها فور قضاء الحاجة الغريزية خلافا لما  في علاقة المحبة الحقيقية من دوام ، ولا يدوم إلا ما كان بالله عز وجل متصلا .

وأخيرا نرجو من كل من يستحضر عاطفة الحب في هذه المناسبة أن يصحح  تصوره لها ، وليجعل المحبة الحقيقية تلك التي أمر بها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، و يرفع من شأنها و قدرها عن ابتذال المبتذلين لها ، هم كثر في زماننا . 

وسوم: العدد 968