وأنا ... وأنا ... وأنا ... تحليلات إيديولوجية .. ومقارنات طفولية
حالة طفولية، تسود سلوك الأطفال غير المميزين، تحت سن السابعة. تعطي الطفل البالون الأحمر، وتعطي أخته البالون الأصفر وأنت تعلم أن عينها على الأحمر، فتجمله لها بكلمتين، فيقول أخوها وأنا أريد الأصفر. أنا .. أنا .. أنا ..
المقارنات مهما كانت أبعادها، بين ما جرى ويجري علينا في وطننا سورية وما يجري على غيرنا هي أمر طفولي ساذج لا يليق بالعقلاء والمميزين. وتبقى الحرب هي الحرب. ويبقى القتل هو القتل، والتشريد هو التشريد ، والاستباحة هي الاستباحة.
وما الحرب إلا ما قد علمتم وذقتمُ .. وما هو عنها بالحديث المرجم
والاستعانة بالإيديولوجيا الدينية أو العرقية ، أو القومية لتتبع الأحداث، وتفسير التاريخ ؛ يدل أن بعض الناس لم يقرؤوا كثيرا عن تاريخ الحروب، وانعكاساتها على حياة الناس....
إن ما حصل في نيسان 1945 عندما اجتاح الروس برلين، لا يريد كثير منا أن يعرفه. وفي أكثر الحروب يتوحش البشر. أحيانا نحكي عن مغول، وأحيانا عن فرنجة صليبيين. وننسى أن الحربين العالميتين الكبريين، الأولى والثانية. كانتا في جلها حرب الأوربيين على الأوربيين، وحرب المسيحيين على المسيحيين. صحيح أن الولايات المتحدة استعملت النووي ضد اليابان- غير المسيحية- ولكن ما فعله أطراف الحربين العالميتين ضد بعضهم فاق في توحشه كل ما يوصف. وبعدد ضحايا فاق مائة مليون إنسان. ولقد تركت الحربان أثرهما في الحياة الدينية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية. وأكثر ما يدرس الدارسون في تركات الحروب التركة الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الممتدة من 1914 - 1945..
ليس جميلا أن نحشر أنفسنا في كل المقايسات. تعاطف العالم مع واقعة الطفل المغربي الذي سقط في البئر، فكم سمعنا من مقارنات ومن اعتراضات. يسمع بعضهم اليوم أن لا جئا أوكرانيا حظي ببسمة في بلد فيكثر من يقول، ولكن أحدا لم يبتسم للسوريين!! وإذا سمعنا مراسلا أخباريا نوه بخبر مقتل طفل أو خراب بيت، فيقول قائلهم وأين كانوا يوم خربت بيوت السوريين؟؟
وإذا كان بعض الناس قد سدت الحالة العدمية آفاقهم، أليس من حق أن نسألهم : فأين إذن يعيش ثلاثة عشر مليون نازح ولاجئ سوري منذ عشر سنوات؟؟ لا يخلو الأمر من منغصات، ولا يخلو الأمر من وقائع كنا نتمنى أنها لا تكون ولكن، وبعد ولكن ثمة أسئلة كبرى لا بد للعقلاء أن يطروحوها على أنفسهم، قبل أن يطرحها عليهم غيرُهم. تقول العرب:
ما عاتبَ الحرَّ الكريمَ كنفسه...
كنفسه: الكاف بمعنى مثل في محل رفع فاعل . للفعل عاتب. أي أن المرء يرجع إلى نفسه في السؤال والعتاب قبل أن يعاتبه الناس...!!
هذه السذاجة الطفولية التي تكاد تسود بين بعض السوريين، ليس لها مكان في هذا السياق. أهم ما يقتضيه هذا السياق أن يتحد كل المتضررين من جرائم بوتين المجرم الرهيب، ليرموه عن قوس واحدة بكل ما يستطيعون. الذي يقتضيه السياق أن نكون متحدين في المصاب مع الأوكرانيين، متحدين في اللحظة مع كل من رمى بوتين بحصاة، أو أتبعه بلعنة...
يتساءل كثير من السوريين وماذا نملك حتى نكون مؤثرين في معركة دولية بالحجم الذي نرى؟؟
وأجيب:
حدثتنا جدتنا عن جدتها: سألت: هل الحصاة تسند جرة؟؟ فجاءها الجواب: الحصاة تسند جبل..
أفلح من رمى قواعد بوتين على الأرض السورية بحصاة، فإن لم يجد فبعض كلمة، وما أـجمل أن نكف عن التحليلات الإيديولوجية، والمقارنات الطفولية.. وأن نبحث عن سبيل عملي نوظف فيه لحظتنا وكلمتنا لمصلحة قضيتنا...
وسوم: العدد 971