لقطات من معاناة معتقل -5-
تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:
الثلاثاء 6 تشرين الثاني 1984م:
الآن علمت لم تغيّرَ الوضع في تدمر، بل في كل سجون سورية، فقد تمت عملية هرب سجناء من جماعة الطليعة من فرع المنطقة بدمشق ثالث أيام عيد الأضحى في 5/أيلول. تغيّر الوضع عما كان عليه قبلاً. أصبحت المضايقات أكثر من قبل السجانين، خاصةً عند الخروج لدورة المياه.. ينتقون من المعتقلين الجدد مَن يضربونه بالشحاطة على الوجه، أو بعصيّ الخشب الغليظة على الأيدي.
مصطفى أحد السجناء من حماة من طلاب المساجد، عظم الرسغين قد بدا نتيجة تعليقه من يديه بالكلبجات الحديدية لأيام. أحد السجناء رجل محترم بلباس السفر الأنيقة يجر حقائب سفره من أمام المهجع ونحن ننظر من ثقب بالباب، يبدو أنه اعتقل على الحدود. القمل يغزو ثيابنا غزواً، فكان لا بد من "التفلاية" اليومية لجميع الثياب.. أصبحت "وزير القمل" لقدرتي على ملاحقة القمل بين ثنايا الثياب وخاصةً الداخلية. أحد السجناء أتانا للتوّ من الزنازين يسلمني ثيابه لتفليتها، اكتشفتُ ثلاثمئة قملة في ثيابه الداخلية، وكان لا بد عند أي شعور ولو مزيف بالقرص أن نخلع ذلك الثوب المشبوه لفحصه.. قضينا عليه أخيراً. مرة فتح مساعد السجن الباب وأمرنا بالوقوف طويلاً ووجوهنا إلى الحائط، نسمع صوت امرأة وراءنا تترجّاه بأمه وأخته وعرضه ألا يلمسها وهو يكلّمها بصوت مخنّث، ثم يلتفت إلينا بالسباب والشتائم... لا أنسى هذا اليوم وقهر الرجال الذين لا يستطيعون نجدة هذه المرأة وإنقاذها من أيدي هؤلاء.. ساد الصمت طويلاً بعدما أغلق الباب.
10 كانون الثاني 1985م:
مع دخول شهر شباط، بدأت مظاهرات التأييد الإجبارية تعمّ السجن. أخرجونا من الباحة وأمرونا بالصياح تأييداً "للسيد الرئيس" بمناسبة إعادة انتخابه. رئيس المهجع يصيح: بتحبّوا مين؟ فنُجيبه: حافظ. كان صوتنا خافتاً، فأشار إلينا رئيس المهجع خالد: حافظ مُشيراً إلى السماء. يا شباب الله هو الحافظ، فقولوها بملء أفواهكم. أعجبتنا الفكرة وسُرّت الشرطة!.
وسوم: العدد 972