نداءٌ وإهابة
يا أهلنا في الشتات
لقد أكملت ثورتنا السورية – الفريدة بين الثورات – عامها الحادي عشر، يعني أن سورية الحبيبة فقدت نصف أبنائها بين هجرةٍ قسرية ظالمة، وبين السجون والمعتقلات والقبور، منذ إحدى عشرة سنة... توزعوا في أرجاء المعمورة، في دول الجوار العربي، والإسلامي، (في تركيا) خاصةً التي تحملت العبء الأكبر من هؤلاء السوريين المهجرين (أكثر من أربعة ملايين سوري) وتوزع الآخرون في الدول الأوروبية، إلى جانب المهجّرين في الداخل السوري ليعيشوا جميعاً في الخيام، وفي العراء تحت الأشجار، والأمطار، والثلوج والبرد القارس حيث لا طعام ولا ماء، حتى الخبز لا يحصلون على الرغيف إلا بشق الأنفس.
هذه المقدمة القصيرة التي يعرفها السوريون في كل مكان، في الداخل والخارج، يبدو أن بعض أحبائنا الذين غادروا سورية الحبيبة من الذين تمكنوا من تهريب أموالهم معهم.. يبدو أن هؤلاء نسوا ما ذُكِّروا به، من حياة الترف القاروني – نسبةً إلى الملعون قارون، عميل فرعون وهامان -.. نسوا النهاية الشنيعة لقارون وأمثاله، عندما نسوا أهلهم في الداخل السوري وفي الشتات حيث حياة الشظف والجوع والعطش وفقدان الكساء والمأوى والدفء والدواء والمدارس والجامعات والمستشفيات .. وحيث عيشة الخوف والبؤس والتشرد والجهل التي يعيشها ملايين السوريين صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً...
ولن نطيل الحديث عن ألوان الفقر والجهل والمرض التي يعانونها، فأنتم – يا أهلنا الكرام في بلاد الشتات المترفين – سمعتم بها إن لم تكونوا رأيتموها رأي العين، كما سمع بها ورآها من رآها من الشعب السوري البائس المظلوم.
وليت الأمر توقف عند معرفة الشعب السوري لها وحسب، بل عرف معها حياة البذخ والترف الذي تعيشه طبقة مترفةٌ منكم (أي من الشعب السوري المشرد) وكأن هذه الطبقة المترفة المنتمية إلى الشعب السوري المكافح لم تقرأ شيئاً عن الثورات والثوار وفي طليعتهم سيرة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم وسير القادة العظام من تلاميذه العظام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وأبي عبيدة وغيرهم كثير، وما كانوا عليه وقت الأزمات والملاحم الكبرى التي خاضوها في الشرق والغرب، من قبل ومن بعد.
هل تحتاجون إلى من يذكركم بها..؟
هل نذكركم بالمرحلة المكية؟
هل نذكركم بالهجرة والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار (رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم)؟
أم هل نقفز إلى الثورات الحديثة حتى من غير العرب والمسلمين؟
خذوا هذا المثل من شاعرٍ فيتنامي:
حدثني شاعرٌ عراقي كان في ألمانيا الشرقية (سابقاً) في مهرجانٍ أدبي عن الشاعر الألماني (غوته) قال:
كنا في كل يوم بعد انتهاء الفعاليات الأدبية في ذلك المهرجان السنوي، نذهبُ إلى أماكن معينة في مدينة برلين الشرقية وقد أعطي كل واحد منا مبلغاً بسيطاً من الدولارات لننفقها على أنفسنا وملاذنا. وقد لاحظت أن كل أولئك الأدباء ينفقون هذا المبلغ البسيط على الجنس وسواه إلا شاعراً فيتنامياً كنت أراه يغلق عليه غرفته ولا يخرج معهم، فسألته عن ذلك، فأجاب:
- أنت تعرف أنني فيتنامي وأن رفاقي يقاتلون الغزاة الأمريكان وهم لا يجدون ما يأكلون إلا الحشائش وورق الشجر وأنا هنا آكل وأشرب في هذا المهرجان وأخبئ هذا المبلغ الذين يقدمونه إلينا، أخبئه لرفاقي عندما أعود إليهم وهو يشكل مبلغاً لا بأس به عندهم.
لا أريد أن أعلق على هذه الحادثة إلا بكلمة قصيرة:
إذا لم تستطيعوا أن تكونوا – أيها المترفون في بلاد الغربة – كالرسول القائد وصحبه الكرام، فتشبهوا بهذا الفيتنامي..
السادة المضيفون يعجبون من تصرفكم وقد اشتكوا منها وعجبوا أن يكون في الشعب السوري ثلةٌ مترفةٌ عندها مثل هذا البذخ العجيب، بل إن الشعوب التي تعيشون بينها قد سخروا منكم وعجبوا من تصرفاتكم كما عجب من عرف هذا السلوك اللاوطني واللا إنساني الذي يقوم به سوريون عربٌ مسلمون، يصرفون في بلاد الشتات على ملابسهم وقصورهم الفخمة وسياراتهم الفارهة وزيجاتهم البازخة، بحيث إن مصروف أحدهم اليومي يمكن أن تعتاش منه عشرات الأسر السورية في الداخل التعيس وفي الشتات الحزين.
والله إنّا كنا وما زلنا نشعر بالخزي والعار عندما يواجهنا بعض أولئك المحبين بهذه المسائل التي يندى لها الجبين وهي لا تقتصر على الكبار بل على الآباء والأمهات والبنات وحتى الأطفال الذين يخرجون إلى الناس المضيفين وكأنهم يتباهون بملابسهم وبذخهم أمامهم، وكأنهم لا يعرفون أن هناك مئات الآلاف من الجياع والعراة والمرضى من الشعب السوري القابع في الخيام التي تتلاعب بها الأعاصير والأمطار في الشتاء والشمس الحارقة في الصيف.
أيها الأحبة:
نحن نعتب عليكم، ونحزن لتصرفكم أولاً ثم نتساءل:
أين إنفاقكم على الثورة السورية الشامخة بفرادتها؟
أين إنفاقكم على شعوبكم البائسة من الأقارب والأباعد الذين افتقدوكم وأنتم تعبثون في قصوركم؟
ألم يحدثكم بعض من تجرأ عليكم من جيرانكم عن الأرامل والعجائز والشيوخ والأيتام والمرضى وما يعانونه من فقرٍ وعجزٍ وهوان؟
هل طابت لكم الإقامةُ في البلاد التي أنتم تعيشون فيها الآن في تركيا، وأوروبا وأمريكا وسواها حتى أنستكم بلادكم التي غزاها الغزاة أعداء العروبة والإسلام، الذين قدموا إلى بلادكم من المجهول على شكل ميلشياتٍ طائفيةٍ إرهابيةٍ إجرامية غزتكم واحتلت مدنكم وقراكم وبيوتكم وقصوركم وسياراتكم ودمروا جامعاتكم ومدارسكم ومستشفياتكم ومساجدكم وأسواقكم كما غزوا دينكم وعقائدكم وعاداتكم وأعرافكم ولوثوا أعراضكم وشرفكم واحتلوا دياركم كما يفعل الأشرار المتوحشون الحاملون أحقاداً تاريخيةً على العروبة والإسلام؟
إننا نهيبُ بكم أن تشدوا على أنفسكم وعلى زوجاتكم وبناتكم وأولادكم وأطفالكم وأن تراعوا ما كان عليه الشعب السوري وما آل إليه في هذه الأيام العصيبة..
عودوا إلى دينكم، وإلى عروبتكم، وإلى قيمكم وعاداتكم وتقاليدكم.
عودوا شامخين أبراراً واعلموا أن الله سائلكم وأن الشعوب ستحاسبكم وأن الشعب السوري الذي يشعر بالخزي والعار من تصرفاتكم هذه، ألا كفوا عنها وعودوا عرباً سوريين ومسلمين أبراراً لعل الله الكريم يأذن بالفرج، وإن غداً لناظره قريب..
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
وسوم: العدد 972