في الثقافة والمثقفين ليست أوجاعا فقط وإنما أوهام كذلك

في الثقافة والمثقفين ليست أوجاعا فقط وإنما أوهام كذلك

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

لا أدري كم يلزم الضميرُ الحيّ من زهر أو حجارة كي يصحو؟  ولا أدري كم ينتظر هذا الضمير تفشي العفن في أنحائه من وقت لكي يستعيد عافيته وتألقه؟ وكم يلزم من حبر وشك ويقين كي نقول الكلمة الأخيرة لنصل إلى بر الأمان؟ أم أنه لا برّ أمان في هذا الخواء المُعَبِّئ أجواء الروح المقتولة؟؟

آهة تلو أخرى، تظل تحرق زافرها كل مرة وهو يرى كل تلك المرارة في أروقة الثقافة والمثقفين، تفاجئك الحياة الثقافية "بكل ما لا تستطيع احتماله" فتحرق دماءك كلمات شاعر فقد البوصلة وأضاع النفس في الترهات وهو يظن أنه يحسن صنعا، تراه يكتب في التابوهات المحرمة منتهكا حرمات ومعتقدات، متلفعا بأوهام مدعاة للفاتنة المفتونة المدعوّة "حرية التعبير"، مستغلا ربما الجهل والسمعة والصيت والشهرة، ليكتب أوهاما تبعده عن مرفأ الفن الجميل ومرساة السعد الجليل.

هذا ما فاضت به المياه الآسنة في بحيرة "سعدي يوسف" الملطخة بحجارة من التاريخ في قراءة شعرية غير شاعرية وهو يكتب "عيشة بنت الباشا"، متناولا زواج السيدة عائشة رضى الله عنها أم المؤمنين من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليقول في النبي الكريم ما لم تتوقعه شياطين الإنس والجن وهم يوحون إلى بعضهم زخرف القول غرورا في الربط بين الصلاة والجنس والنظر للسيدة عائشة المطهرة الكريمة، ولن أسترسل في الشرح والتوضيح، يكفي ما قاله المنصفون في حق الرسول الكريم وفي حق زوجاته، ولكن يكفيني هنا أن أنوه لأمر مهم جدا ربما يتغاضى عنه السعدي يوسف وهو وجود قادة بعمر (15) سنة هجرية في التاريخ الإسلامي، وهم بعرف القانون الدولي اليوم أطفال، فهل سيعدّ السعدي يوسف قصيدة في الدفاع عنهم وقد زجهم الرسول الكريم للحرب والقتال، ولم يستمتعوا بطفولتهم التي قد يتباكى عليها هو أو غيره من الكتاب الموهومين!!

وما يعمق الإحساس بالألم هو أن هذا الشاعر قد فاز بجائزة نجيب محفوظ مؤخرا، وهو ليس بذلك الشاعر الذي لا يشقّ له غبار، بل إن له نصوصا قد يستغرب المرء كيف يعترف بها شاعر له هذه القامة، وقد وقفت قبل سنوات على شيء من منشوره، فأبديت الأسف؛ إذ كيف يكون هذا شعرا؟ أم أنه كما تقول جدتي رحمها الله (إن طِلِع صيتك حُط راسك ونام)، وهذا يجعل المرء يقف حائرا أمام تلك الجوائز التي تنثر أمام هؤلاء هنا وهناك وتذهب لغير من يستحقها، فقط تعطى لمن يعاند أكثر أو يشاكس أو يهذي، هذا ما أصبحت مقتنعا به للأسف، ويتعمق كل يوم مع إعلان الفائزين بجوائز العار الثقافية.

ولم تخرج القصيدة محل هذا المقال "عيشة بنت الباشا" عن تلك القصائد التي أسال حبرها السعدي يوسف في أوراقه الحداثية، وأعيد هنا ما قاله عنها أستاذ الأدب والنقد بكلية آداب عين شمس الدكتور إبراهيم عوض إنها «بلا قيمة من الناحية الفنية، ويخلط فيها الكلام السوقي الذي تردده العامة في الشارع، مع مقاطع ألفها بنفسه ليس فيها فن ولا ذوق ولا خيال محلق». (نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية، 21/12/2013).

هذا جانب معتم من جوانب حياتنا الثقافية، فهل من رادع أو مصحح أو من يتقي الضمير الحيّ بعيدا عن عرض العضلات في الاعتقاد والتكفير والإرهاب؟ لماذا لا يكون لكلٍّ ما يعتقده بعيدا عن إثارة مشاعر الآخرين أم أن وهم الكبار يجعلهم فوق المنطق والقانون؟ اتقوا أنفسكم فإنها خدّاعة!!