الإعلام الاجتماعي والأدب
الإعلام الاجتماعي والأدب
يسري الغول
برز في بداية سبعينيات القرن الماضي وسائل تكنولوجية متنوعة، اعتمدت على التفاعل بين المرسل والمتلقي جمعاً بين النص والصوت والصورة، وقد عملت تلك الوسائل على إعادة صياغة العقول بطريقة جديدة، بعد أن استحوذت على كثير من أفراد المجتمع وأصبحت أحد أهم وسائل الإعلام العالمي.
ولقد أشارت بعض مواقع التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط إلى أن استخدام الإعلام الجديد في تزايد مُستمرّ، ووفقاً لآخر الإحصائيات التي نُشرت في موقع GO-Gulf.com، تشير تلك الاحصائيات إلى أن 88٪ من إجمالي مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط لديهم حساب واحد على الأقل في أحد مواقع التواصل الاجتماعي. كما تشير الإحصائيات إلى أن موقع الفيس بوك هو الأشهر والأكثر استخداماً، حيث يبلغ عدد مستخدمي الفيس بوك في المنطقة 58 مليون مستخدم تقريباً، ويتلوه موقع تويتر حيث بلغ عدد المستخدمين 6.5 مليون مستخدم، ويتلوهما موقع لينكد إن بـ 5.8 مليون مستخدم.
ونظراً لأن الأدب جزء مهم وحيوي من مكونات الإبداع، حيث ترجع إلى أهميته الإنسانيّة العميقة الباقية، فإن العديد من أطياف المجتمع وتحديداً الشباب، توجهوا نحو إبراز هذا الجانب من خلال الإعلام الاجتماعي، خصوصاً بعد انحسار الصحافة الورقية والمطبوعات لفئة محددة ذات مواقف ورؤى محددة. لذلك، فقد انتشرت المدونات الشخصية بشكل كبير منذ عام 2006، كما كان للمواقع الاجتماعية كالمدونات والفيس بوك وتويتر وغيرها من الوسائل دور بارز في انتشار الأعمال الإبداعية.
ونظراً لما يمثله هذا الموضوع من أهمية كبرى في متابعة مستوى تطور أو انحسار الأدب واللغة العربية، فقد قررت المشاركة بورقة عمل بعنوان: "تأثير الاعلام الاجتماعي في صياغة الابداع (الأدب أنموذجاً)" وقد انتهيت بفضل الله من تلك الورقة التي سأشارك بها في مؤتمر وزارة الثقافة الخامس نهاية هذا العام. وكان التساؤل الرئيس هو "هل حقاً وضع الإعلام الجديد بصمات واضحة على الفكر والثقافة والأدب؟"، ولقد اكتشفت من خلال تلك الورقة أنه برغم الايجابيات التي قد تخدم الأدب من خلال هذا الإعلام، إلا أن هناك سلبيات كثيرة تضر باللغة العربية والإبداع الأدبي، ومن بين تلك السلبيات أنه دفع الناس بالعزوف عن الكتاب المطبوع، حتى خلت كثير من المكتبات العامة من الرواد، وأضحت مجرد بيئات تجميلية للمكان. وفي ظل ابتعاد الناس عن الكتاب المطبوع ظهر شعراء الفيسبوك وشاعرات التوتير وآخرين قد لا يمتلك بعضهم الموهبة الحقيقية ولكنهم يمتلكون الجمهور، جمهور غير قارئ سهل ابتزاز مشاعره بكلمات غير مقفاه، لا تخضع لأي من أوزان الشعر المعروفة، بل وغير سليمة نحواً أو إملاءً ثم كثير من الأحايين. ثم ظهرت مصطلحات جديدة لا تمت للغة بصلة، كما تم التشجيع على استخدام اللغة العامية، وإضعاف اللغة العربية من خلال (أنجلزة) بعض الكلمات. كما صار مقياس قوة الكاتب والأديب بعدد اللايكات ورأي جمهور المتابعين حتى وإن كانوا مجرد هواة، وأضحى رأيهم يطغى على النقاد والأكاديميين المتخصصين والباحثين بشأن تلك الأعمال الإبداعية.
كانت هذه بعضاً من السلبيات التي اكتشفتها خلال بحثي المتواضع، وهناك الكثير مما سأطرحه خلال تلك الورقة، وكلي أمل بأن تخدم حقاً مشروعنا الثقافي والأدبي وصولاً نحو النور.