تهارش الضباع الصليبية في أوكرانيا.. ومطارحاتها في فلسطين!
التهارش أو المهارشة تعني المقاتلة والمواثبة، والضباع من الحيوانات خسيسة الطبع والسلوك، فهي طويلة اليدين أو القدمين الأماميتين، مقوسة الظهر غليظة العنق، كبيرة الدماغ، تؤثر الحركة في الليل، لاتبالي بمن تفتك به، وتستلذ الجيفة، وتأكل الميتة، وتتميز بالجبن إذا كانت وحيدة، أو رأت أسدا أو ذئبا.. وتلك الصفات ونحوها تنطبق على الدول الصليبية الهمجية في أوربا الغربية وروسيا، فلا علاقة لهم لهم بالنصرانية السمحة كما يعيشها نصارى الشرق الذين تأثروا بالإسلام وقيمه الإنسانية. الغرب- ومن ضمنه الأميركان- لايعرف غير التوحش والإجرام، ولا علاقة له بالكاثوليكية أو البروتستانية التي يزعم أنه ينتسب إليها وإلى كتابها المقدس، وروسيا وتوابعها الإرثوذكسية مثل الغرب تماما، لا تعرف شيئا من تسامح المسيح عليه السلام، ولكنها تحمل خصائص الوحشية والهمجية، يستوي في ذلك رجال الدين وعلى رأسهم الأنبا كاريل رئيس الكنيسة الإرثوذكسية، والقادة السياسيون، كلهم يتشوق لسفك الدماء وتدمير البنيان، وتكفي المقولة التي لا تنسى لكاريل وهو يودع القتلة الروس في أولى خطواتهم نحو سورية الحبيبة لقتل المسلمين وحماية المسيحيين- كما زعم- حيث عدّها "مهمة مقدسة!".
لقد تغاضى الصليبيون الأوربيون عن وحشية الروس في سورية، واعترف رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان في ندوة لقناة التلفزيون الفرنسية الحكومية (france 2) قائلا : تعرضنا لضغوط من أميركا، من الرئيس باراك أوباما، لإطلاق يد روسيا بتنفيذ ضربات جوية في سوريا، (لم يقل ضرب المسلمين السنة، لأن الضبع الروسي أعلن أنه جاء لحماية الحاكم الطائفي والمسيحيين الإرثوذكس!)، وما كان ينبغي علينا أن نمنح روسيا هذا التخويل بدون فترة زمنية محددة!
المستشفى والمسجد
الضباع الروسية كانت- ومازالت- تضرب المسلمين الأبرياء في سورية بكل قسوة، وتدمر المستشفيات بمن فيها من المرضى، فضلا عن الأسواق والمدارس والمساجد والمنازل وسيارات الإسعاف والمخابز، ولم تنطق الضباع الغربية بكلمة، وهم يضجون الآن لأن الضباع الروسية قصفت مستشفي ولادة وأطفال بمدينة ماريوبول الأوكرانية، كما قصفت مسجدا لجأ إليه ثمانون مواطنا. إنها عنصرية الضباع وخسّتهم الشيطانية. يرفعون شعاراتهم الزائفة عند ما تمسّهم يد العدوان، ويصمتون صمت الحملان عند ما تمسّ المسلمين أو ضعاف العالم!
كانت محنة أوكرانيا تحت الغزو الروسي كاشفة عن وحشية الصليبيين في روسيا والغرب جميعا، كما أظهرت عنصريتهم الكريهة، وهم يفرقون بين اللاجئين الأوكران ذوي الشعر الأصفر والعيون الزرقاء، وبين الهاربين من جحيم الوحشية الروسية من المنتمين إلى المسلمين وإفريقيا!
لم تنطق الضباع الغربية يوم مارس الاتحاد السوفياتي- الذي ورثته روسيا- وحشيته في أفغانستان، وزعم أنه حضر إلى كابول بدعوة الحكومة الأفغانية الرسمية، وكان يقودها الرفاق الشيوعيون الخونة أعداء الإسلام من حزبي خلق والبرشام، ويوم قام بوتين بدكّ الشيشان وسحق مسلميها، وزعم أنه حضر ليقضي على الإرهاب، بمساعدة الخونة المحليين، ويوم جاء إلى سورية وادّعى أنه قدم بدعوة الحكومة الطائفية للقضاء على التنظيمات الإرهابية، ولكنه لم يقض على هذه التنظيمات المزعومة، بل أبلى بلاء عظيما في تدمير المساجد والمدارس والمستشفيات والأسواق، وحوّل ملايين المسلمين السنة إلى مشردين في المنافي والصحارى والجبال، لا يجدون ما يقيهم المطر ولا البرد ولا الجوع! وأقامت الدول الأوربية على حدودها حواجز وموانع تمنعهم من الدخول واللجوء، وكانت اليونان في مقدمة الدول التي أجرمت بحق الفارين المظلومين، مع أن العرب، والمصريين خاصة، فتحوا لهم أبوابهم أيام الحربين العالميتين، فدخلوا بالملايين مع غيرهم من دول أوربا، وأتاحوا لهم فرص التجارة والصناعة والاندماج في المجتمع المسلم الطيب الذي لا يعرف العنصرية أو التمييز تجاه الأجانب!
تمارين حربية!
حين وصل التهارش إلى أوكرانيا زعمت الضباع الروسية أن الضباع الغربية تهدد الأمن الروسي من خلالها، وبدأ الحشد العسكري الذي قال صاحبه إنه لا ينوي غزو أوكرانيا، وحين أطبقت الحشود على أوكرانيا قال إنها تمارين حربية، وأخذ يرسل للضباع الغربية مطالبه، واهتزّ الهواء بمحادثات هاتفية، وامتدت في عواصم الضباع موائد مفاوضات، وطرحت مطالب، وشروط، ولكن الضباع الروسية كانت تسعى إلى قفزة مهمة في سبيل بناء الإمبراطورية القديمة التي فقدها الروس بسقوط الاتحاد السوفياتي. وأعلن عنها بوتين تحت عنوان "تصحيح التاريخ" وحماية الأوكران الإرثوذكس، واللغة الروسية!، فأحاطت الدبابات الروسية بأوكرانيا من الشرق والجنوب والشمال، وتحركت أرتال المدرعات في الفضاء الأوكراني، والمدن النووية وخاصة تشرنوبيل، وراح الطيران الحربي من طراز سوخوي وميج 29 يقصفها بشدة، والصواريخ البالستية تنهمر على المواقع العسكرية والمصانع والمؤسسات والبنية الأساسية ...وأعلن القيصر أنه دمر حتىى ساعة كتابة هذه السطور أكثر من ثلاثة آلاف موقع.
التنين الأصفر
تنادت الضباع الغربية في اتصالات محمومة لحماية أوكرانيا منذ الطلقات الأولى، ومع تضارب المصالح والأهداف، اتفقوا ألا يقاتلوا الضباع الروسية وألا يسيل دم الضباع الغربية على أرض أوكرانيا. وراحوا يستخدمون المقاطعة والحصار الاقتصادي والجوي، واللجوء إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتيسير استقبال اللاجئين الأوكران، ومنحهم المعونات المادية والامتيازات المعنوية، وتفضيلهم على الهاربين من جنسيات أخرى غير سلافية وليس لها شعر أشقر، ومخاطبة أمم الأرض للوقوف بجانب الضباع الغربية في مواجهة الضباع الروسية. فاستجابت أكثرية، و تراوح موقف أقلية بين تأييد العدوان الروسي، والحياد المراوغ.. واستغل التنين الأصفر (الصين) الفرصة لتمرق طائراته التي تحمل قنابل نووية في أجواء تايوان، تهديدا وتمهيدا لضمها مثلما ضم الروس القرم، وأوكرانيا بعد انتصارهم في الحرب كما يحلمون.
ملاحظة سياسي غربي
في خمسة أيام استطاع الغرب أن يحقق تعاطفا ودعما كبيرا لأوكرانيا، ويوظف أغلبية العالم ضد الضباع الروسية، ولكنه على مدى سبعين عاما لم يهتز من أجل فلسطين وشعبها الشريد وأرضها المستباحة من قبل شذاذ الآفاق الذين ذبحوا أهلها واستولوا على بيوتهم وممتلكاتهم. كانت هذه ملاحظة لسياسي غربي، ربما استيقظ ضميره في قلب المهارشات الوحشية، وليذكّر الضعفاء العرب الممزّقين بالمطارحات الهمجية التي حالت دون تنفيذ قرار واحد من قرارات مجلس الأمن العتيد؛ التي قاربت ألف وخمسمائة قرار تتعلق بفلسطين وشعبها.
الضباع الخسيسة أثرت أن تمارس مطارحات الغرام مع العدو ّالنازي اليهودي، وأن تزوّده بمئات الآلاف من اليهود من كل حدب وصوب، ليحملوا السلاح، ويقتلوا العرب الأبرياء، وأن تعمّم قانون معاداة السامية ضدّ من يتحدث عن الوحشية اليهودية في فلسطين، وتعدّه عنصريا ومخربا وإرهابيا!
لقد أعلنت الضباع الروسية الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب بعد إعلان وجوده بخمس عشرة دقيقة! وتتابع الاعتراف من الضباع الغربية بعد ساعتين! وكانت ثالثة الأثافي اعتراف الشيوعيين أو المناضلين العرب بحق هذا الكيان في الوجود وإدانة الجيوش العربية التي ذهبت لإنقاذ فلسطين من العصابات اليهودية عام 1948. ونسي العرب أن هؤلاء المناضلين تربية اليهودي الخائن هنري كورييل، ابن المرابي اليهودي دانيال كورييل الذي جاء من إيطاليا ليعيش في مصر أواخر القرن التاسع عشر، ويغتني ويخدم مع أبنائه وطائفته والمناضلين العرب المخطط الصهيوني ويغدر بالفلسطينين والعرب والمسلمين! (المضحك المبكي أن هؤلاء المناضلين كانوا وراء توقيع اتفاقية أوسلو الميتة1993 التي اعترفت بالكيان اليهودي الغاصب،دون مقابل اللهم إلا المقاومة الفلسطينية وتحريمها!
الضباع تخشى الأسود والذئاب!
للأسف فإن العرب لم يكونوا أسودا أو ذئابا كي تخشاهم الضباع الروسية أو الغربية، التي تمادت في دعم الكيان الصهيوني العدواني وزوّدته بالسلاح والعتاد والذخائر من أحدث الأنواع وأشدّها فتكا، وصمّمت له المفاعلات النووية لتصنيع القنابل الذرية، ووصلت إلى حد تأييد إقامة المستعمرات في أرض محتلة، والاعتراف بالقدس الموحدة المحتلة عاصمة لكيان العدوان والاغتصاب، والعمل على تطبيع أو تهويد العلاقات والثقافة العربية مع دول عربية سرا وجهرا، وتحويل العقيدة الإسلامية إلى ما يسمى الديانة الإبراهيمية!
وعلى الطرف الآخر كانت الضباع الروسية وتوابعها تستكمل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عملية التحالف العلني مع العدو الصهيوني، فترسل إليه المزيد من آلاف اليهود، وكثير منهم من المتخصصين في العلوم التجريبية والنووية والصواريخ، بينما تصدر لنا نحن العرب الراقصات والنصابين والساعين للثراء السهل على حسابنا. ولا ألوم أحدا فكل يعمل على شاكلته، اليهود يعلمون جيدا ماذا يريدون، وقد أفادوا من تفكك الاتحاد السوفياتي جيدا ليخدموا كيانهم العدواني، وعلى جانبنا فالأمور لا تحتاج إلى شرح أو بيان.
منطق القيصر
والمفارقة أن العدو الصهيوني في غمرة الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، رتبوا لجلب المزيد من المهاجرين اليهود من أوكرانيا إلى أرض فلسطين المحتلة، وهم يعلنون أنهم يتوسطون بين طرفي الصراع من أجل حلّ سلمي للصراع، وفي الوقت نفسه يفيدون من منطق القيصر الروسي حول الأمن القومي وضم أوكرانيا إلى روسيا كي لا يتقدم النيتو! وهاهو وزير الاتصالات "الصهيوني" يوعاز هاندل، يقول" "إن "الكيان" لن يتنازل عن أو يتخلى عن غور الأردن، لأنه موقف نابع من الدروس المستفادة من الحرب الدائرة، وعلينا أن نتعلم كيف يجب أن يظل "الكيان" قوة إقليمية، تعرف كيف تدافع عن نفسها".
ويكتسب الغور أهمية إستراتيجية: فحدوده مع الأردن تشكل نقاط تواصل مهمة للتجارة والسفر مع بقية دول المنطقة، واستمرار السيطرة "الصهيونية" على مناطق منه ستعني أن الضفة ستبقى مطوقة من قبل "العدو الصهيوني".
لعبة التأييد
للأسف الشديد لم يتعلم العرب أو كثير منهم شيئا من مهارشات الضباع أو مطارحاتهم، بل إن بعضهم ينخرط في لعبة تأييد هذا أو ذاك، ولا يكتفي بذلك بل يبذل من ثرواته ومواقعه وإمكاناته ومواقفه ما يدعم أحدهما أو يدعم الآخر. وهو أمر لعمري عجيب! فالطرفان يحتقران العرب والمسلمين، ويتعاملان معهما وفق المصالح المادية البحتة، ولا يلقيان بالا لمسألة العواطف والمبادئ والقوانين الدولية التي وضعوها.
بيد أننا يجب أن نصر على القوانين والمبادئ والأخلاق، فالحرب الوحشية التي شنها الروس هي عدوان صريح لا مسوغ له مهما زعم المعتدون من أسباب، وترويع شعب وتهجيره وتدمير بنيته الأساسية عمل غير مقبول إنسانيا أو أخلاقيا أو قانونيا. ولذا فالوقوف إلى جانب المعتدي وتأييده سلوك معيب ولا يليق بأمة العرب والإسلام. إن المستبدين الذين أيدو القيصر المعتدي أخطأوا خطأ ذريعا، لأنه أولا معتد، وثانيا لن يقف بجانبهم مهما قدموا له، ولن يقول كلمة تقلل من عدوانية عدوّهم. انظر مثلا إلى الحاكم الطائفي المستبد الذي أيد العدوان، ورفض إدانته في الأمم المتحدة، ووقف إلى جانبه عمليا، ولم ينف الأخبار التي خرجت من بلاده عن ميليشيات في طريقها للحرب مع المعتدي!
الموقف المبدئي
إن المستبدين وخدامهم من الشيوعيين واليساريين والناصريين والليبراليين والأرزقية – كما وصفهم الكاتب الراحل محمود السعدني- حين يؤيدون العدوان صراحة وضمنا فلا ينتظرون من أحد أن يتعاطف مع قضاياهم. إن رفض العدوان ليس انحيازا للغرب أو أميركا، ولكنه موقف مبدئي يحرص عليه كل إنسان حر عاقل، يحب العدل ويرفض الظلم!
يبدو أن الشيوعيين واليساريين والناصريين وأشباههم يحنون إلى زمن الاتحاد السوفياتي الذي كان. فيعلنون تأييده بعد أن شارك في خداع الأمة العربية عام 1967م، وأعلن أن العدو يحشد قواته على حدود سورية، ولم يكن هذا صحيحا، ولكنه أطلق عقال الحناجر البائسة، التي لم تدرك خديعة الأخ الأكبر الذي أوقع القادة الملهمين في أتون الهزيمة والذل والعار حتى يومنا.
مفهوم أن تؤيد كوريا الشمالية وبيلا روسيا العدوان الروسي الوحشي، وغير مفهوم أن تؤيد دول عربية وميليشيات عسكرية والباطنيون الجدد واليساريون العرب القيصر الروسي في إجرامه ودمويته، وتزعم أن أوكرانيا هي التي استفزته! هل الاستفزاز يسوغ الوحشية؟
أستاذ جامعي ناصري يتغزل في القيصر ويدفع عنه احتمالات الإخفاق والانهيار الاقتصادي، ويدعي أن أوكرانيا قضية أمن قومي حقيقي بالنسبة لروسيا، ويسأل: لماذا ذهبت الولايات المتحدة في تحديها لروسيا إلى حد الاستفزاز بهذا الشكل؟ ويرى أنه كان يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعطي روسيا الضمانات المطلوبة للحفاظ على أمنها القومي! والكارثة أن (الحزب العربي الناصري)- وهو حزب ورقي- يصدر بيانا للتضامن مع موسكو "الصديقة"، وتأييد مطالبها "المشروعة"، ويهاجم أوكرانيا والناتو !
بعض الأحزاب الشيوعية مثل الحزب الشيوعي العراقي أصدر بيانا باردا يتكلم عن الصدمة وخرق القانون الدولي، بينما أدان الحزب الشيوعي السوداني العدوان الروسي بوضوح في بيان أصدره بتاريخ 27/2/2022، وقال: إن الغزو يفضح الصراعات بين القوى الإمبريالية لبسط نفوذها والاستيلاء على الموارد في القارة الأوروبية والعالم. وعبر عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا وطالب بالانسحاب الفوري للقوات الروسية، كما أدان الحزب زيارة مسئول سوداني موسكو يوم الغزو لتوقيع اتفاق بناء قاعدة عسكرية روسية في السودان (ضد من؟)، وسبقته أنباء عن تهريب أطنان من الذهب السوداني إلى روسيا لتمويل الحرب في أوكرانيا!
أما بقية اليساريين فقد فاءوا إلى الظل، واكتفوا بالهجوم على الفيفا التي تكيل بمكيالين، مع تناول موضوعات هامشية دون إشارة إلى التوحش الروسي وتجلياته في أوكرانيا!
إن الضباع لا تخشى إلا الذئاب والأسود، فمتى ينتسب العرب إلى المنطق الذي تفهمه الضباع؟
وسوم: العدد 980