لهذه الاسباب.. يجب رفض زيارة بايدن لفلسطين والمنطقة
هي ليست المرة الاولى التي تعقد فيها قمم عربية امريكية تحت عناوين سياسية وامنية او اقتصادية مختلفة، لكنها المرة الاولى التي تتقدم فيها اسرائيل بهذا الوضوح، لتشارك ومن موقع الصديق والحليف والعضو الطبيعي في المنطقة شعوب المنطقة مخاوفها وتطلعاتها نحو تحقيق السلام والاستقرار السياسي والاقتصادي، وان تسعى معها في الدفاع عن مستقبلها، كما عبر عن ذلك مسؤولون اسرائيليون وامريكيون..
من خلال المواقف المتعددة للمشاركين في هذه القمة التي ستعقد في العاصمة السعودية، يبدو واضحا ان اهدافها المباشرة هي غير ما يتحدث عنه المسؤولون العرب. فالمصادر الامريكية تعطي الاولوية للازمة الروسية الاوكرانية وتداعياتها على العالم خاصة بما يتعلق بموضوعي النفط والغذاء ومن خلال ذلك استمرار هيمنة الولايات المتحدة على العالم وقدراته، واعطاء موقع متقدم لاسرائيل في المنطقة، وسعيها لتكريس منطق التبعية والوصاية الذي يخدم اهدافها وتطلعاتها الاستعمارية والامبريالية في المنطقة والعالم.. اضافة الى توسيع قاعدة التطبيع العربي مع اسرائيل لجهة تشريع ما هو قائم وامكانية ضم دول اخرى، وهذه نقطة جوهرية تعتبر استكمالا لما كانت ادارة ترامب قد بدأته.. ناهيك عن ابقاء النظام الرسمي العربي تحت رحمة الحماية الامريكية والاسرائيلية من خطر ايراني مزعوم، ما يتطلب حشد قوة إقليمية تحتل اسرائيل موقعا متقدما في اطاره لمواجهة هذا الخطر، بغض النظر عن مواقف بعض الدول العربية التي تحاول ان تقدم مسألة العداء لايران على غيره من عناوين.. غير ان القاسم المشترك بين كافة العناوين هو ضمان امن اسرائيل وجعله قضية اساسية في اي اتفاق عربي امريكي محتمل..
بين كل هذه العناوين، اين موقع القضية الفلسطينية على جدول اعمال القمة؟ يبدو واضحا ان القضية الفلسطينية هي الغائب الأكبر، رغم حضورها القوي في الجانب المتعلق بالتطبيع، السياسي والعسكري والامني والاقتصادي، واي توافق سيتم التوصل اليه على ارضية المواقف الامريكية المعروفة سيخدم جهود تعزيز علاقات إسرائيل مع دول المنطقة وفتح الآفاق لاندماجها في المنطقة. وقد عبر الرئيس الامريكي ومستشاريه عن اهداف هذه الزيارة التي تستهدف تعزيز هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة ومحاصرة روسيا والصين وعسكرة المنطقة في مواجهة ايران..
امام هذه اللوحة الموجزة للارضية التي تتحرك القمة الامريكية العربية وزيارة فلسطين في اطارها، ما هي الحكمة الفلسطينية من لقاء رئيس اللسلطة الفلسطينية بالرئيس الامريكي في بيت لحم، وهل من شأن هذا للقاء ان يساهم في تغيير الموقف الامريكي تجاه العلاقة مع السلطة الفلسطينية او تجاه الدور السلبي الذي تعلبه الادارة الامريكية بما يتعلق بالصراع مع العدو الاسرائيلي،بل الشراكة معه في كل تفصيل.. ان الرهان الفلسطيني على دور امريكي محايد عمره اكبر من عمر المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وفي كل مرة تخيب الادارة الامريكية ظن من راهن عليها.. واليوم ايضا في كل الاجتماعات واللقاءات الرسمية الفلسطينية هناك اجماع على ان هذه الزيارة لن تنتج شيئا على المستوى الفلسطيني.. اذا لماذا استقبال الرئيس الامريكي والترحيب بزيارته لفلسطين..
على المستوى الشعبي والفصائلي الفلسطيني هناك اجماع على رفض هذه الزيارة، انطلاقا من تداعياتها السلبية على اكثر من مستوى:
- من الناحية الشكلية، غياب التوازن في زيارة الاراضي الفلسطينية المحتلة سواء لجهة التنسيق المباشر مع اسرائيل في كل تفاصيل الزيارة وتهميش السلطة الفلسطينية بشكل كامل، الا من حيث لقاء الرئيس محمود عباس في بيت لحم، وهو لقاء ليس له اي اثر سياسي، على عكس اللقاء مع المسؤولين الاسرائيليين الذي سبقه تنسيق ليس فقط في تفاصيل الزيارة، بل وفي جدول اعمال القمة مع الدول العربية.
- كان الاجدى بالسلطة الفلسطينية التمسك بالتقرير السنوي الصادر بالامس عن العام للأمم المتحدة، الخاص بالأطفال والنزاعات المسلحة، والذي اشار الى إن الأمم المتحدة مصدومة إزاء عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم "إسرائيل، ناهيك عن العدد الكبير للشهداء الفلسطينيين الذين استهدفتهم اسرائيل خلال هذا العام. وبالتالي فمن شأن اللقاء الفلسطيني والترحيب بالزيارة ان يطغى على ما جاء في هذا التقرير الذي يستحق ردة فعل رسمية فلسطينية مختلفة لجهة وضعه برسم الولايات المتحدة، والطلب منها ادانة اسرائيل وليس مكافأتها بلقاءات وبدمج في المنطقة. والاهم من ذلك ان الزيارة تزامنت مع اعلان نتائج التحقيق الامريكي بشأن استشهاد الصحفية شيرين او عاقلة والذي برأ الاحتلال من هذه الجريمة، وكان يجب محاسبة مرتكبيها على المستويات السياسية والامنية والعسكرية الاسرائيلية.
- تأتي الزيارة للمنطقة وفلسطين في وقت تتصاعد فيه الهجمة الاستيطانية وسرقة الاراضي في الضفة الغربية وقطاع غزه، ما يوحي بموافقة رسمية امريكية على هذه السياسة، ولا يغير من هذه الحقيقة اعلان الولايات المتحدة معارضتها للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية. فما هي الفائدة السياسية من هذه المعارضة اذا كانت الولايات المتحدة تعلن انها تسعى كل يوم الى وضع المصالح الاسرائيلية على اجندة المتابعة اليومية سواء على المستوى الاقليمي او الدولي، وبالتالي فان لقاء الرئيس الامريكي من شأنه ان يبعث برسالة سلبية الادارة الامريكية بأن الموقف الفلسطيني سيبقى في حدود ما هو مقبول امريكيا ولن يخل بالتزمات السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية تجاه اسرائيل.
- كما يأتي اللقاء العربي الامريكي في ظل التوافق الفلسطيني العام على ان الادارة الامريكية الحالية لا تختلف بشيء عن الادارة التي سبقتها، سواء في النظرة الى العلاقة مع اسرائيل، او لجهة اعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن ورفع اسم المنظمة عن ما يسمى "لائحة الارهاب الامريكي"، او في مواصلة الولايات المتحدة لاستهدافها وكالة الغوث عبر الضغط على الدول المانحة وعلى الدول العربية لعدم تمويل الموازنة العامة الامر الذي ادى الى ازمة مالية لا زالت الوكالة واللاجئين يشكون من نتائجها.
- ان من شأن اي لقاء فلسطيني مهما كان بسيطا، ان يكرس التجاهل الامريكي للقضية الفلسطينية، وان يساهم في تعميم مواقف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة برفضها الاستجابة للحقوق الفلسطينية تحت شعارات عدم وجود شريك فلسطيني. وكان يفترض ان يكون رد الفعل الرسمي الفلسطيني منسجما مع ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وارضه من استيطان واعتقال وقتل وسرقة ونهب للاراضي..
ان الترحيب الفلسطيني بزيارة الرئيس الامريكي، وفي ظل كل ما سبق، سيعني حكما اما الموافقة على السياسة الامريكية في نظرتها للموضوع الفلسطيني، او تشريع ما تقوم به اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة وفي القدس.. لأن الحد الادنى المطلوب على المستوى الرسمي الفلسطيني هو الانسجام مع الرغبة الشعبية المعادية للسياسة الامريكية والمنحازة بشكل كامل لممارسات العدو الاسرائيلي وعدوانه المباشر على الشعب الفلسطيني، ورفض هذه الزيارة وعدم اللقاء بالرئيس الامريكي سيبعث برسالة فلسطينية يجب ان تصل الى الادارة الامريكية اولا والى المشاركين في قمة الرياض ثانيا برفض السياسة الامريكية على المستويين الفلسطيني - الاسرائيلي والعربي.
ان الموقف الرسمي الفلسطيني الذي صدر من زيارة الرئيس الامريكي لفلسطين ومن غياب الموضوع الفلسطيني عن اجندة اللقاء العربي الامريكي هو اقل من الحد الادنى المطلوب، ومن شأن استمرار مثل هذه السياسة ان تفقد مواقف التأييد على المستوى الدولي مضامينها الايجابية، خاصة وان الادارة الامريكية تعلن ليل نهار انها ليست بصدد ممارسة اي ضغط جدي على اسرائيل لوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني.. وبالتالي فان الرهان على الولايات المتحدة هو رهان خاسر ولن يقدم شيئا لقضيتنا الوطنية..
ان رد الفعل الوطني المطلوب هو الذي ينطلق من الايمان بقدرات الشعب الفلسطيني وقرارات هيئاته الوطنية الجامعة التي اعلنت وبشكل مباشر وصريح قطع العلاقة مع المحتل، واعلنت ايضا ان من سيرسم مسار النضال الفلسطيني هو ليس الادارة الامريكية او قمم اقليمية عقد منها الكثير، بل حركة المقاومة للشعب الفلسطيني التي تحتاج الى قليل من احتضان وفقا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي وغير ذلك من اجراءات في تحديد العلاقة مع اسرائيل باعتبارها صراع بين محتل غاز وشعب احتلت ارضه ومن حقه، بل من واجبه، مقاومة هذا المحتل ودفعه للرحيل عن الارض الفلسطينية بكل الاشكال النضالية المتاحة، وغير ذلك من مراهنات على هذه الدولة او تلك فلن يقود سوى الى تشريع وتأبيد الاحتلال للأرض الفلسطينية..
ولعل افضل رد فعل شعبي وفصائلي على امتداد تواجد كل الشعب الفلسطيني هو بتنظيم تحركات شعبية موحدة رافضة لهذه الزيارة ورافضة لأي تنسيق او تعاون مع الادارة الامريكية فيما يتعلق بتداعيات ونتائج القمة الامريكية العربية.. ومن المحبذ مشاركة جميع ابناء الشعب الفلسطيني في هذا الموقف عبر رفع العلم الفلسطيني فوق اسطح المنازل والمقار الرسمية في تعبير عن رفض سياسة الولايات المتحدة الامريكية في انحيازها الدائم لصالح العدوان الاسرائيلي وشراكتها المتواصلة معه.
وسوم: العدد 988