البحث عن سبب ترحيل ناي البرغوثي من مطار القاهرة… والممثل السوري الشجاع في قبضة رجل الأمن
شجاعة الممثل السوري لا تنكر، لقد رضع حليب الشجاعة والوطنية مباشرة من ثدي الأغاني؛ «يجعلها عمار»، «سوريا يا حبيبتي»، «شام يا ذا السيف»، «خبطة قدمكن عالأرض هدارة»، وصولاً إلى «أنا سوري آه يا نيالي».
من زمان، ولسان حال الممثل السوري تلك العبارة الخالدة، التي غالباً ما ينتهي الحوار (الشجار) عندها، أو قد ينقلب إلى عسل: «اعريف (اعرف) مع مين عم تحكي»، ذلك أن المواطن في الجهة المقابلة غرّ، لا يعرف فعلاً مع مين عم يحكي!
الممثل شجاع مرّ، انظر بسام كوسا كيف ينتقد الفساد والأداء الحكومي في مقابلات إذاعية، وعلى الهواء مباشرة.
وعباس النوري كيف سيوجه ضربة قاسية لنظام البعث، عندما يتحدث عن سيطرة العسكر على الحياة الديمقراطية والحزبية في سوريا.
شكران مرتجى وهي تتجرأ على الأسعار.
أيمن زيدان متحدثاً عن خيبات ما بعد النصر المزعوم.
فراس إبراهيم متحولاً إلى ناشط سياسي مثابر.
سلاف فواخرجي تبلغ بها الجرأة أن تتعاطف مع لاجئة سورية ركلها تركيّ.
دريد لحام ممسرِحاً ذلك الشرطي وصفعته الأشهر على الرقبة، ومنتقداً في وقت مبكر أجهزة المخابرات عندما تحدث عن الكهرباء التي وصلت إلى قفاه قبل أن تصل إلى بيته.
هاني شاهين معلناً أنه يعاني فقراً شديداً، لحدّ عدم مقدرته على شراء كيلو واحد من اللحم.
أيمن رضا وباسم ياخور وانتقاداتهما اللاذعة جداً في «بقعة ضوء» لكل أصناف الاستبداد والمخابرات.
الممثل السوري شجاع حقاً، إلا عندما يتلقى اتصالاً هاتفياً من ضابط مخابرات، أو حتى مجرد مساعد، طالباً منه مراجعة الفرع الفلاني، أو حتى التفضّل بشرب فنجان قهوة لديهم. عندها فقط سيختفي كل كلام، الابتسامات ستختفي، سيهبط الهم مثل غيمة ثقيلة على الصدور، ستمر ليلة مليئة بالكوابيس وأنت تقلّب الاحتمالات، ستلوذ بكل الأدعية والمحفوظات القرآنية، لن تأكل، أو تشرب، يشبه الأمر بالضبط تلقّي خبر إصابتك بذاك المرض، والعياذ بالله. وصدّق، ستتمنى في لحظة ما لو أنك أصبت حقاً بذاك المرض.
المهم، ستكون تلك (اتصال ضابط المخابرات) الطريقة الوحيدة كي يتخلى الممثل عن شجاعته، كي يذهب طائعاً إلى الاستديو نفسه الذي أطلق منه التصريح، ليقول إنه لم يكن يقصد كذا، بل كان يقصد كذا، سيوجه اللوم إلى شيطان التعبير.
لكن هل يلام الممثل حقاً في رعبه؟ أليس هذا هو تقريباً حال جميع السوريين أمام الامتحان الكبير؟
بدا الممثل السوري أيمن رضا، وهو يتلقى اتصالاً من يوتيوبر سوري ينتحل شخصية ضابط المخابرات إياه، مذعوراً، مرتجف الأطراف. بدا جاهزاً تماماً للانبطاح، بل لقد تحول على الفور للعب دور «اللقلوق».
السؤال الذي يخطر في البال دائماً عندما نلمح ذعر المدافعين عن النظام من أجهزة مخابرات النظام نفسه: عمّ تدافعون إذن؟ هل يستحق؟ وعلى من تكذبون؟
لا يحضر في الرأس الآن سوى بسام كوسا في حديثه الإذاعي «الجريء»، عندما يهمس بالقول: «ما بعرف إذا فينا نرجع عالبيت هلق!»، يقصد بعد انتقاداته، وحتى لو كان يمزح، فإن عبارته تشير إلى معرفته الدقيقة بما يحدث عادة لمن ينتقد النظام: إنه، ببساطة، لا يعود إلى البيت.
ناي البرغوثي
منعت أجهزة الأمن المصرية المغنية الفلسطينية ناي البرغوثي من دخول مصر، هي القادمة بتأشيرة ودعوة رسمية لإحياء حفلات في دار الأوبرا المصرية وفي الإسكندرية. انتظرت المغنية ثماني ساعات في مطار القاهرة، تماماً تحت الآية الكريمة التي لطالما تفاخرت بها مصر، ملوكاً، ثواراً، جيشاً، حكومة، وشعباً: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين». ولا بد أنها (ناي) خضعت لتحقيق وسين وجيم في غرف المطار المعتمة، وانتظرت في ممراته، وربما في غرفة انتظار هي أقرب إلى السجن، في انتظار أول طائرة تعود بها إلى المكان الذي جاءت منه. ولا بد أن كل التدخلات من منظمي الحفلات والجهات الراعية لم تفلح مع قرار الترحيل.
يذهب الظن بالكثيرين، وربما من بينهم الفنانة نفسها، أنها لا بدّ أن غنّت يوماً ما، ولو تلميحاً ضد السيسي ونظامه، أو أنها صرحت بما لا يرضي النظام. البعض اعتقد أن اسم العائلة وحده «البرغوثي» جدير بالعقاب والترحيل إرضاء لاتفاقيات التطبيع.
أبداً، يستطيع المرء أن يجزم أن الحكاية ليست هنا، فما من فلسطيني مرّ على مطار القاهرة، أو أي من بواباتها، من دون أن يتذوق هذا الكأس المخيّب في البلد الذي نحب. إن حُقق معك ودخلت المطار فلمجرد مصادفة مزاج الباشا، المحقق، الطيب حينذاك.
هذا الكأس شرب منه فلسطينيون كثر، شعراء، صحافيون، نجّارو باطون، مَن هم دون سن الأربعين، من هم فوق سن الأربعين، باختصار: يكفي أن تكون فلسطينياً حتى تذوق هذا العذاب، هذه الإهانة.
لكن لماذا؟ ولماذا يبدو هذا هو الثابت الوحيد رغم تعاقب الحكومات والرؤساء والأجيال؟
ولا مناص هنا من تكرار الأسئلة نفسها: لماذا يدخل الإسرائيلي معززاً مكرماً من البوابة نفسها من دون سؤال. لماذا يدخل الأمريكي، الخليجي، بل الفلسطيني نفسه بجواز سفر لواحدة من الجنسيات الأوروبية أو الخليجية، أليس هذا نوعاً من جدار الفصل العنصري، نوعاً من الأبارتهايد، لماذا صمت منظمات حقوق الإنسان، ولماذا صمتنا نحن جميعاً إلى حين تمرّ حادثة من هذا النوع لأحد مشاهير الفلسطينيين!
من الأسلم أن تتوقف الأسئلة عند هذا الحد، لأن الجواب الوحيد عندما تحار جواباً هو أن تصب اللعنات وحسب، اللعناااات!
وسوم: العدد 992