التهديد لا يكون على الطالع والنازل
أكثر من أربعة أسابيع مرت على تصفية القائدين العسكريين للجهاد الإسلامي، رحمهما الله، تيسير الجعبري (قائد القطاع الشمالي لسرايا القدس، في غزة في الخامس من أغسطس/آب الماضي، وخالد منصور قائد القطاع الجنوبي في 7 أغسطس الماضي.
أكثر من أربعة أسابيع مرت، ولم تنفذ دولة الاحتلال بندا واحدا من بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه جهاز المخابرات المصرية، الذي أشرف من قبل على جميع اتفاقات وقف إطلاق النار، سواء بين الاحتلال وحركة حماس، أو بينه وبين الجهاد الإسلامي.
فبعد كل هذه الفترة وتهديدات الجهاد الإسلامي التي تحملت الحصة الأكبر من العدوان، الذي جاء من غير أي مبرر، أو استفزاز من جانب الجهاد، ليتبين لاحقا حسب مصادر الاحتلال أن جيش الاحتلال كان يخطط للعملية المزدوجة للصيدين الكبيرين، من أجل زعزعة الجهاد وإضعافها.
وفي هذا السياق قال محللون إسرائيليون، إن إسرائيل سعت عبر هذا العدوان إلى اغتيال قياديين في حركة الجهاد الإسلامي، ممن تولوا مناصبهم في أعقاب اغتيال أسلافهم في عمليات عسكرية عدوانية سابقة. كما قالوا إن هذا العدوان أظهر أن ليست هناك فوارق بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التعامل مع قطاع غزة. بعد كل هذه الفترة، لم يطلق الاحتلال سراح أسيري الجهاد بسام السعدي، الذي اعتقل من دون أي مبررات في جنين، ولا أفرج عن خليل عواودة العليل في السجن (الذي اضطرت إسرائيل إلى الإفراج عنه مؤخرا بسبب أوضاعه الصحية بعد نحو 172 يوما من الإضراب عن الطعام، ومخاطر وفاته وانعكاساتها المحتملة على أجواء تعيش فيها السجون حالة غليان وعلى حافة الانفجار) ولا أوقف الاحتلال عدوانه المتواصل على الضفة وغزة، بل نقض كل عهوده التي قطعها مع الوسيط المصري، الذي في كل مرة يتدخل ويزعم بأن إسرائيل ستلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، من دون أن يكون هناك أي مؤشرات إلى ذلك. وحسب المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، فإن إسرائيل، وبخلاف التقارير الصحافية، لم توافق على الإفراج عن معتقلي الجهاد الإسلامي «الذين أشعلوا هذا النزاع المسلح». وقالوا إن الجانب المصري طلب ذلك وإسرائيل قالت إنها مستعدة لحوار، مشيرين إلى أن المصريين رغبوا بالتثبّت من صحة المعتقلين، وتابعوا وفقا لموقع «والا»: «هذه مسألة حساسة ونتداولها مع الجانب المصري، وفي كل الأحوال لم نلتزم بالإفراج عنهما». ونتساءل هنا من هو الكاذب في هذه القضية. أفضل القول إن الاحتلال هو من يكذب، لكن يتبين لاحقا في كل مرة أن جماعتنا هم من لا يقولون الحقيقة، لأن الوضع يبقى على ما هو عليه. ولم تلتزم فحسب، بل تعمدت إسرائيل، زيادة الاعتداءات على الصيادين خلال رحلات عملهم أمام سواحل القطاع. وفي أحد الاعتداءات استهدفت بحرية الاحتلال مراكب الصيادين، وأطلقت صوبها النار بشكل كثيف. وقام زورق حربي إسرائيلي بسحب قاربين للصيد الليلي في عملية الإنارة، وذلك خلال عملهم قبالة منطقة الواحة. وفي حادث آخر قامت زوارق الاحتلال، بإطلاق النار والقذائف الصاروخية تجاه مراكب الصيادين، خلال عملها في منطقة أخرى شمال القطاع. ونفذت هذه الاعتداءات رغم إبحار القوارب الفلسطينية في منطقة الصيد المسوح بها، وفق إجراءات الحصار المفروض على قطاع غزة. وتسببت الاعتداءات شبه اليومية، في تقليص عدد العاملين في هذه المهنة، بسبب المخاوف من اعتداءات الاحتلال، وهو أمر زاد من الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة، وأدت أيضا إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
هذا على الحدود البحرية الغربية، أما الحدود الشرقية فإنها تشهد يوميا اعتداءات وتوغلات لقوات الاحتلال بدباباتها، مما يحول دون مواصلة الفلاحين أعمالهم.
والسؤال هو، أين هو الأمن والأمان الذي جلبه اتفاق وقف إطلاق النار الأخير وغيره للصياد غربا، الذي يسعى لتحسين وضعه الاقتصادي وسط المخاطر الجمة التي تحيط به، ووسط المناطق المقلصة للصيد؟ وأين هو الأمان الذي يشعر به الفلاح على الحدود الشرقية المعرض للقتل وإتلاف محاصيله بالمبيدات. ونحن نتحدث هنا عن اعتداءات يومية في البحر والبر، من دون استفزاز أو مبرر، فدولة الاحتلال لا تسير وفقا لأي معايير سوى معاييرها وسياساتها، فهي لا تنفذ ما التزمت به أمام حليفها المصري، لا في غزة ولا في الضفة، وقد قالها وزير جيش الاحتلال بيني غانتيس ورددها من بعده نفتالي بينيت عندما كان رئيسا للحكومة، ويائير لبيد رئيس الحكومة الحالية، الأمان مقابل الأمان والأمن والغذاء. أما بالنسبة لما يتحدثون عنه من رفع الحصار وتحسين الأوضاع الاقتصادية لأهل غزة، فليس سوى أضغاث أحلام، فكم من مرة وعدت دولة الاحتلال بتحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، الذي يعاني من أزمة حقيقية، عن طريق زيادة عدد تصاريح العمل. باختصار فإن دولة الاحتلال تسير وفق سياسة الرصاص بالرصاصة لا غير، والأمن مقابل الغذاء، فلا تسهيلات ولا تنفيذ للوعود التي قطعتها للوسيط المصري، الذي رعى كل اتفاقات وقف النار تحت راية أن إسرائيل ستلتزم وتفي بالوعود، ولكن هذه المرة كغيرها من المرات لم تحترم وعودها على الإطلاق وتباشر بالعدوان وهناك انزعاج مصري من استغلال إسرائيل لها، ويجري الحديث عن توتر في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، بعدما نكثت الأخيرة عهودها كما العادة، ولا أدري مدى دقة هذا الكلام. ولا تبالي بكل التهديدات الفلسطينية وتفعل ما تشاء، كما تراه مناسبا لمصلحة إسرائيل، على الرغم من تحذيرات الأمين العام للجهاد زياد النخالة من «اندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل في حال عدم التزامها بشروط اتفاق القاهرة». وأكد النخالة، أن الحركة ستستأنف القتال في حالة عدم التزام الجانب الإسرائيلي باتفاق التهدئة، فلا إسرائيل التزمت، ولا سرايا القدس المعروفة بمصداقيتها واحترام كلمتها، نفذت تهديدها. وهنا نقول يا جماعة التهديد ما بيصير عالطالع والنازل، لأن ذلك من شأنه أن يفقد معناه وأهميته وجديته والغرض الردعي منه. في معركة سيف القدس التي شاركت فيها كل فصائل المقاومة صدق فيها الوعد، كان تهديدا مقرونا بفعل من أجل القدس ومقدساتها وأهلها الصابرين والمقاومين. وفي الحرب الأخيرة على قطاع غزة التي أنا متفهم للنتائج الكارثية التي قد تسفر عنها العودة إلى مربع القتال، الذي لا بد أن يأتي نتيجة حسابات دقيقة، حماية للمواطن وتحقيقا لمكاسب. واخيرا صحيح أن الجهاد خدعت بالكذب للقبول بوقف إطلاق النار، لكن من أخطائنا نتعلم. الحرب مع العدو مستمرة ولا داعي لإطلاق التهديدات الفارغة للتغطية على الفشل، فالحرب فرّ وكرّ فلننتظر الجولة التالية، ولا داعي للتهديدات الفارغة التي تضر بصورة الجهاد المعروفة بمصداقيتها، فلنبقِ على هذه الصورة. فحافظوا على صدقيتكم.، فهي أحد نقاط قوتكم.
وأختتم بكلام لصحافي إسرائيلي حول نظرة الإسرائيليين للعملاء من العرب، قال شاي غولدبيرغ الذي ذكرني بنظرية ليست بالجديدة وأستخدمها في هذا المقال، ليثبت مجددا أن من لا يحترم نفسه، لن يجد من يحترمه حتى في صفوف الأعداء، ويصبح موضع نكتة وسخرية. فماذا قال شاي غولدبيرغ «لاحظت أن نسبة العرب الموالين لإسرائيل تتضخم على نحو غير منطقي (هذه تقديرات مبالغ بها. وأنا كيهودي عليّ أن أوضح نقطة مهمة. عندما تخون أنت كعربي أبناء شعبك بآراء صهيونية عنصرية، فنحن نحبك مباشرة، لكن حبنا هذا كحبنا للكلاب، صحيح أننا نكره العرب لكن عميقا في داخلنا نحترم أولئك الذين تمسكوا وحافظوا على لغتهم وفكرهم، ولهذا يمكنك أن تختار ما بين كلب محبوب أو مكروه محترم، حتى الاعداء لا يحبون الخونة». وهذا ينطبق على العديد من الوجوه الكالحة من المطبعين والمطبلين للتطبيع من أمثال حمد المرزوقي المستشار الخاص والمقرب من محمد بن زايد والعديد من الكتاب من أمثال تركي الحمد.
وسوم: العدد 996