الأردن في «دعم الفلسطينيين» لا يتحدث «لهجتين» والسلطة «جاهزة للهندسة»
عمان – «القدس العربي» : لا يمكن الاستهانة بالرقم عندما يتعلق الأمر بنوعية وصنف الجدل المرتبط بأزمة وملف الجسور والمعابر في الأردن، خصوصاً إذا كان هذا الرقم دقيقاً، بمعنى أنه رقم مرجعي ورد في سجلات وتقارير ووثائق البنك الدولي الذي يحاول مساعدة الحكومة الأردنية والسلطة الوطنية الفلسطينية في إيجاد «حل ثالث» لمشكلات وتسهيلات السفر والتنقل عبر الجسور والمعابر بين الضفتين الشرقية والغربية.
تتحدث الأرقام عن 4 مليارات دولار على الأقل يدفعها الفلسطيني سنوياً كعوائد في ولمؤسسات أردنية جراء التسهيلات الممنوحة على جسري الشيخ حسين والملك حسين شمالي ووسط الأغوار الأردنية.
تشمل الحصة الرقمية على الأرجح رسوم وثائق السفر المؤقتة الأردنية لأبناء الضفة الغربية، والتي يقر وزير النقل الفلسطيني عاصم سالم أمام «القدس العربي» بأنها أساسية وحيوية ومهمة لحياة الفلسطيني وتنقله وسفره، حيث تمكنه من دخول عشرات الدول التي لا تقبل جواز السفر الفلسطيني بعد.
هذا رقم ضخم لم يكن يعرفه الجمهور، بما في ذلك الناقدون الكبار عبر منصات التواصل والمقالات للسلطة الوطنية الفلسطينية، والناقدون الصغار الذين يوجهون اللوم لمن يحاول تبني وأحياناً الاتهام عبر وجهة نظر تطالب حكومة الأردن بتسهيل الإجراءات أكثر. ويعني الرقم الكبير أن هذه الأموال تدفع كبدلات، جزء منها رسوم أثناء العبور على الجسور الأردنية، وجزء منها بالتأكيد له علاقة بعشرات أو مئات الآلاف من بطاقات وثائق السفر الأردنية المؤقتة التي تصرف كمساعدة إنسانية وسياسية وطنية لأبناء الشعب الفلسطيني.
ومن المرجح أن حصة لا يستهان بها من هذه العائدات تعود إلى الخزينة الأردنية، لكن المرجح أكثر أن الحصة الأكبر من هذه الأموال التي يدفعها الفلسطينيون جراء تنقلهم يستفيد منها القطاع الخاص الأردني، بما في ذلك عمليات المطار ومكاتب وشركات السياحة والطيران، وبالتأكيد المطاعم والفنادق؛ لأن الفلسطيني أثناء سفره خارج الوطن الفلسطيني والأردن يقيم في عمان بالمعدل ليلة أو ليلتين.
عملياً، تلك ليست أرقاماً من الصنف الذي يمكن لوزير المالية الأردنية الدكتور محمد العسعس أن يتجاهله عندما يطالب الفلسطيني بـ»تسهيلات لائقة»، لكن العسعس نفسه يلمح على هامش تواصل مع «القدس العربي» بأن العلاقة الأردنية مع الشعب الفلسطيني ومؤسساته تتجاوز بكثير حسابات الأرقام مهما كانت، على أساس أن مساندة صمود الشعب الفلسطيني «ثابت» لا يقبل التسييس ولا القراءة الرقمية في عمق السياسات الأردنية.
بالمقابل، يشدد الوزير سالم في نقاش جانبي على تلك القيمة وهو يقول بأن تحسين وتطوير آليات التنقل والسفر للفلسطينيين خطوة في اتجاه التأكيد على عمق العلاقات الأخوية الأبدية، معرباً عن ثقته بأن موقف الأردن قيادة وشعباً في دعم حقوق الشعب الفلسطيني صفحة ناصعة لا تنسى، والحيوية التي ترافق المشاورات بكل التفاصيل واضحة الملامح وللجميع.
العلاقة مع فلسطين ومؤسساتها وأهلية أعمق وأبعد بكثير من معادلات التوظيف والحسابات الرقمية… هذا ما يقوله جميع المسؤولين الأردنيين اليوم، فيما يرد وزير النقل الفلسطيني قائلاً: «كنا وسنبقى معاً… نريد الأردن ولا نريد استعمال مطارات الاحتلال الذي ينكل بشعبنا ومصالح شعبنا مع الأردن الشقيق دائماً وأبداً».
الأرقام بدلالتها السياسية لا تقف عند هذا الحد، فنفس الحصيلة الرقمية بمرجعية المؤسسات الدولية تتحدث عن نحو مليونين و600 ألف رحلة سفر برية ينفذها الفلسطينيون سنوياً عبر الأردن ومعابره، سواء في اتجاه الأردن نفسه والبقاء فيه وإنفاق بعض الأموال، أو حتى في اتجاه دول أخرى إلى الخارج.
وهو أيضاً رقم كبير تقول بعض حيثياته إن نحو مليون و200 ألف رحلة من تلك الرحلات تصنف باعتبارها فردية، بمعنى أن الفلسطيني يعتبر عمان هي محطته الأولى ليس للسياحة ولا للاستضافة ولا للمشاركة في مؤتمر أو عمل، لكن للتنفيس عن الروح وللمغادرة وممارسة حقه في العيش الكريم، والتنقل أحياناً. وتلك معطيات رقمية تثبت بأن المعابر الأردنية هي بمثابة الرئة التي يتنفس منها أهل فلسطين المحتلة ولا غنى عنها، حسب سالم.
الناقدون، سواء لإجراءات السلطة من الأردنيين أو لإجراءات الأردن من الفلسطينيين، لا يعرفون تلك الحقائق الرقمية. لكنها حقائق من الطراز الذي يقول بأن مصالح اقتصادية ومالية واستثمارية واجتماعية حقيقية تتحقق للجانبين جراء جسور الأردن المفتوحة مع قلبه السياسي للشعب الفلسطيني، لكن المسألة بالنسبة لدوائر صنع القرار في عمان ليس بالضرورة أن تكون ذات صلة فقط بالأرقام والحسابات الاقتصادية، فالأردن مساند دائم وأبدي، كما يؤكد وزير النقل في حكومته المهندس وجيه العزايزة للشعب الفلسطيني.
والتوجيهات العليا والملكية والمرجعية طوال الوقت تعتبر مساندة صمود الشعب الفلسطيني وحقوقه من الثوابت الأردنية التي لا تقبل لهجتين أو كلمتين، وهنا كرر عدة مرات رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة القول بأن بلاده في مسألة القضية الفلسطينية وفي مسألة الصراع والسلام لا تتحدث بلهجتين، نافياً وجود لهجة داخل الغرف وأخرى خارجها إطلاقاً.
في كل حال، وجد الطرفان في حكومة عمان وسلطة رام الله مؤخراً ملاذاً للتحدث معاً؛ أولاً عن أزمة ازدحام ومشكلات واحتياجات وتحديات الجسور والمعابر بين المملكة والأرض الفلسطينية المحتلة، ووجدا معاً –ثانياً- ملاذاً للقفز على الاستنتاجات السياسية لما يتربص به العدو الإسرائيلي بالخصوص بعد ابتكاره الرحلات الجوية المثيرة للجدل عبر مطار رامون، وفي اتجاه هندسة جديدة تعيد لملمة الموضوع وتبحث عن قواسم مشتركة ومعالجات للمشهد بما يخدم مصلحة الشعبين، وهو ما يقوله علناً وسراً وفي المجالسات وزير النقل الفلسطيني.
وسوم: العدد 996