انطلق نحو العلياء
الكبر لفظ مذموم ، كما أن الشعور بالفوقية و التعالي على الغير أمر مرفوض في ديننا ، لكن الاستعلاء الإيجابي الذي يقصد به طلب الارتقاء و طلب الزيادة و النما في تحصيل مفاتيح الخير العلم و الإيمان ، يعد الإيمان أرقى هذه المعاني و أجلها ، فهو المحرك الأساس في بناء شخصية الانسان الحر .
و هذا الاستعلاء الذي نريده تحقيقه في نفوسنا ، يكون حين نرفض الهزيمة و الدونية، نرفض الشعور بالهوان و الاستضعاف أمام المشكلات ،حين نرفض الظهور بثوب الضعف و الانكسار ،هو ذاك الذي نريد ، هذا الاستعلاء الذي يمكننا أن نواجه به الأعاصير ، نواجه به كل المشكلات مهما كان نوعها و قوتها .
و يظهر هذا الانهزام في صور و أشكال نذكر أكثرها ضررا و أكثرها حضورا ، فالانهزام النفسي الذي يسيطر على كيان الانسان فيحبس حركته ، فيمنعه من الحركة ، يحرمه تفجير طاقته الايجابية في النماء ، و قد يكون الانهزام من عدو خارجي متغول ، يفرض سيطرته على كياننا ، فيوقعنا في أسر تبعيته بمفهومها الواسع ،فقد تكون ثقافية أو اقتصادية أو سياسية ، فنعيش الضعف المركب الذي يعطل التنمية و تحقيق الاستقلال الكامل .
لهذا كله تحرص المجتمعات التي تريد ملك سيادتها ، الانحياز لمنظومة تربوية الصحيحة تسعى من خلالها تحقيق هذا المفهوم ) الاستعلاء الوسطي المعتدل ( الضامن لتحقيق القوة الايجابية التي تكون صمام أمانها فرد واع ، يدرك واجباته و حقوقه ، فرد يتمتع بالايجابية اتجاه كل مشكل ، يرافقه مجتمع محصن بتواثبه و هويته ، مجتمع متفتح على كل القيم الانسانية الراقية ، مجتمع يرفض الانسلاخ و الانبطاح ، يعزز الفرد و المجتمع بمؤسسات قوية حامية ، مؤسسات ساهرة على تحقيق الخدمة ، مؤسسات ساهرة على حماية المقدرات ، لصانعة التنمية الشاملة ، مفهوم تلخصه مضمون الآية الكريمة ( و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )
إن هذا الاستعلاء الذي نريده يتنافى مع كل مظاهر التعالي و فرض الهيمنة بالاستظهار و الترفع على الخلق .
إن تحصيل التميز في هذه الجوانب ضرورة ملحة لنهوض أي أمة ، خصوصا و نحن في زمن التشرذم و الانقسام و الضعف . إن الأمة اليوم تحتاج من يعلي شأنها و يرفع قدرها ليتحقق بذلك صفة الشهادة على الناس التي وردت في قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة/143 .
اللهم يا ربنا أعلي شان أمتنا و أعلي شأن شبابنا ليكون نصرة لهذا الدين دعاة و حماة يبذلون الوسع لتحقيق ريادة الأمة و استرجاع السيادة المنقوصة لأمة خير دين .
وسوم: العدد 1002