قراءة في تراث أمتنا المجيدة

لاشك بأنَّ تراث أمتنا العظيم موئل زاخر بالقيم وفرائد الفوائد ، ففيه اعتزاز لأجيال الأمة المتتالية على مكــر العصور ، وفيه تذكير لِمــا كان ، وبشارة لِمـا سيكون ــ إن شاء الله ــ لهذه الأمة من خير وتمكين . فلدى الأمة من الرجال الأفذاذ ، والنساء الفضليات ، ومن القيم العالية التي تؤهلُها لقيادة البشرية ، والسعي بهـا إلى كل مافيه خير لهـا في دنياها وآخرتها . كما تملك الأمة من المعنويات العاليات لتخطي المعوقات وهي تسعى إلى أهدافها الغالية لخير البشرية جمعاء . فرسالتها الإسلامية الكريمة ، و وعي أبنائها ينأى عن التلكؤ في متابعة الطريق مهما كانت العقبات . فالأصل أنَّ مركز الأمة العالمي  يعيد لها قوة إرادتها ، وعنفوان حبهـا لتعميم الخير الذي تحمله راياتُها التي خفقت في أرجاء الأرض ــ فيما مضى ــ  فهي وحدها الجديرة والمؤهلة  لإعادة ما سُلب منها على أيدي أعداء البشرية ، وكارهي القيم الإنسانية . إنه إرث عظيم ، وتراث حافل بالمآثر ، فليس للمواقف السلبية أو الغلو  الذي لايرضاه الله مكان في بيئة المسلم ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع من علامات توفيق الله سبحانه للأمة ، يقول سبحانه : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ )  104/آل عمران  ، كما جاءت فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  فب هَدْيِ المصطفى صلى الله عليه وسلم وحيث قال : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )  رواه مسلم في صحيحه.  وهذا يجعل الأمة يدا واحدة لفعل الخير ، وإيجاد منابعه ، ولكف الأذى والمنكر وأسباب الشر عن أبناء المجتمع ، وتلكم المكرمة الإلهية لهذه الأمة بهذا الثراث العظيم ، وهذا الإرث النبوي الكريم ، في سجلات الفوائد المجتمعية لهو من أهم المفردات التي تمنح المجتع صورة مشرقة بالإخاء والتراحم والتعاون المطلق بين جميع شرائح المجتمع ، فلا ترى للمنكر مكانا ، ولا للشر  هيمنة ، فإنكار المنكرات لهـا تدابير قويمة لكيلا يطغى حال على حال ، وهذا ماجعل خدمة المجتمع ضرورة ملحة لحماية أبنائه والمحافظة على قيمه الأصيلة وإرثه النبيل ، وإثارة حافز التعايش النبيل ، من خلال خطوات محسوبة في هذا الجانب ، إنَّ الإنسان اجتماعي بفطرته ، ويحمل في طيات فطرته قدراتٍ ومواهبَ تستوعب التحولات مهما كبرت ، والمسلمون أولى بهذه القيم لأنها وردت في كتاب ربهم ، وسُنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم  . ولقد آخذ الله تبارك وتعالى بني إسرائيل لأنهم ما كانوا يتناهون عن منكر فعلوه فبئس جحودُهم لأمر ربهم ومخالفتهم للحق لما جاءهم . فإذا ماوعى المسلم قيمته في بناء أركان الخير والسؤدد فإنه يجول في هذا الميدان بصدق وخُلُق حسن وسيرة حميدة  ، ولعل الجزء الأكبر من هذه المهمة الغالية يقع على العلماء العاملين ، والمفكريين الذين يسعون لنجاة مجتمعهم الذي تعيشون بين ظهرانيه ، لأنهم الأقدر على التكيف مع المستجدات ، والأجدر على توسيع دائرة العمل الإيجابي الفاعل ، بما يملكون من أسباب الرقي ، ومن عوامل تفعيل وترجمة مالديهم من معارف و قدرات تشدُّ أزرَها مكانة التقوى والأعمال الصالحات الباقيات ، ولعل أهل الإصلاح في المجتمع  يتطلعون دائما إلى خطِّ البيانيٍّ الذي يتدرج نحو الأعلى في آفاق صناعة المجتمع الصالح  . فالمشاريع  التوعوية و الإرشادية التي تتبنَّاها الشريعة الإسلامية كفيلة بإذن الله  لإرساءِ القيم الأصيلة والسِّير المحمودة  التي تساعد في تبييض صفحة المجتمع الكريم ،  واستشراف الأسمى والأفضل من التَّطلُّعات ، ووضعها في مدار التنفيذ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

إنَّ مافي تراثنا من خير  وعطاء وسمو بالأنفس لتؤكد سر إقبال الصالحين من أبناء الأمة على تعاطيها ونبذ مافي المجتمع ممـا أساء إليه من تصرفات وأفعال لاتليق بأمة اختارها الله لتكون خير أمة أخرجت للناس ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، ويقوم مَن تصدوا لهذه المهمة النبيلة بهــا بكل أمانة وإخلاص وصدق ، وهذه المزايا عناوينُ كريمةٌ لنجاح العمل في كل موقع ، فكيف إذا كان الميدان في خدمة أبناء المجتمع وتوجيههم إلى مافيه خيرُهم وصلاحهم ورقي بلادهم ؟ وفتح أبواب الأمل المشرق بمشيئة الله أمام خطوات الجادِّين ، ليؤدُّوا واجبهم المنوط بهم كاملا غير منقوص . فلا يأبهوا للمعوقات ، ولا يُقيمون وزنا للعقبات ، ولن يقفوا حائرين أمام المستجدات في العصر الحديث . فالأمة تنتظر إقبال أبنائها على امتداد مساحاتها لتفعيل مافي التراث من قيم  لجني فوائدها وقطف أجود مافيها من ثمار  ، فالازدهار الحضاري الإسلامي ما تحقق إلا يوم أقبلت الأمة بكليتها على دين ربها و وصايا نبيها صلى الله عليه وسلم ، وتخطت مايلهيهـا عن التقدم إلى الأمام . وفي ذلك إصلاح لِما فسد من سلوك ، وما ونى من عزم ، وما كان من تواكل ... ونختم بحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ونحن نستبشر بصلاح  حال أمتنا ، وعودة مالهـا من كرامة ومكانة عند الله عزَّ وجل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله، فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا )   . رواه الإمام مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده .

وسوم: العدد 1004