تجميد النقابات في السودان: إعلانات مضللة وخلفيات انقلابية

أصدر رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قراراً يقضي بتجميد أنشطة النقابات والاتحادات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل، تضمن أيضاً حصر أرصدة هذه النقابات في السودان والخارج ووضعها تحت السيطرة، وتشكيل لجنة في وزارة العدل تتولى تسيير شؤون هذه المكونات النقابية واتخاذ الإجراءات اللازمة بصدد النواحي الاجتماعية والتكافلية لمنتسبيها.

وقد يلوح للوهلة الأولى أن هذا القرار يستجيب لضغوطات تيارات شعبية محددة، خاصة في صفوف «قوى الحرية والتغيير ــ مجموعة المجلس المركزي»، واصلت الاعتراض على السماح بالعمل والنشاط لبعض النقابات المحسوبة على نظام حسن البشير، بالنظر أيضاً إلى أن لجنة التفكيك الخاصة التي تشكلت أواخر 2019 وأنيطت بها مهام حلّ الاتحاد والتنظيمات النقابية لم تستكمل أعمالها على النحو المرجو.

غير أن قرار البرهان لا ينفصل عن خلفيات أخرى تتخذ صفة الاستعجال وعلى نحو لا يقل حساسية عن الاستجابة لضغوطات هذه الفئة أو تلك ضمن تيارات الحراك الشعبي. فمن الواضح أن المفاوضات الساعية إلى بلوغ صيغة متفق عليها لتسوية سياسية شاملة، والجارية منذ أسابيع بين الجيش وجملة أحزاب محسوبة على المعارضة بأطيافها المختلفة، تكمن في صلب دوافع القرار وتوقيته. والمشاورات التي تضم أطراف «الحرية والتغيير» ومجموعات «قوى الانتقال» وتشمل بالتالي أحزاباً سياسية عملت في إطار النظام السابق، تواصل المناقشات حول الإعلان السياسي الذي سبق أن اقترحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وآفاق التوصل إلى اتفاق إطاري يقترن بعملية سياسية يمكن أن تمهد لإنهاء الانقلاب العسكري وترسيخ الحكم المدني.

خلفية أخرى لقرار التجميد والتحكم بالأرصدة قد تعود أيضاً إلى اقتناع البرهان، ومن حوله حلقة الجنرالات ومراكز القوى المقربة منه، بالحاجة إلى الالتفاف على المحكمة العليا التي ألغت قراراً قضائياً سابقاً تمّ بموجبه حلّ الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، وذلك بعد معركة قضائية دامت ثلاث سنوات. وآخر ما يرتاح إليه قادة انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 هو تمكين السلطات القضائية المستقلة، خاصة بعد أن سارع العسكر أنفسهم إلى إعادة تفعيل قانون «النظام العام» الذي يقيد الحريات العامة.

وإذا بقيت هذه الخلفيات الانقلابية خافية مقابل أغراض معلنة مضللة، فالسبب الأول يعود إلى أن الشارع الشعبي السوداني لا يغلي لاعتبارات تخص المطالبة بالمطالب الديمقراطية والحكم المدني وعودة العسكر إلى الثكنات فقط، بل كذلك لأن الأحوال المعيشية وصلت إلى مقادير مريعة من التدهور وباتت تخنق المواطن السوداني في عيشه وصحته وتعليمه ورزقه وشغله. وليس غريباً أن تبدأ الإضرابات من نقابة المعلمين ولا تنتهي عند بائعات الشاي، وأن تمتد الاعتصامات إلى شرائح واسعة متنوعة في صميم المجتمع السوداني. ليس غريباً، كذلك، أن يوجهها العسكر بالغاز المسيل للدموع وبالنار، فيسقط حتى الساعة أكثر من 120 قتيلاً وآلاف المصابين.

وبدل محاولات ذرّ الرماد في العيون على غرار قرارات حلّ النقابات، يجدر بالبرهان وجنرالاته الإقلاع عن نهج التعطيل والتعنت والانقلاب على مكتسبات أبناء السودان، والانحناء أمام الإرادة الشعبية.

وسوم: العدد 1008