فرنسا تشكو من الوضع الكارثي لمنظومتها التربوية فكيف هو وضع منظومتنا التربوية؟؟
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو تنتاول فيه صاحبه وهو فرنسي التطرق إلى ضعف التحصيل الدراسي في فرنسا ،وتندني مستوى ناشئتها المتعلمة عما كان عليه قبل عقدين من السنين ، ووصف وضع التعليم فيها بأنه كارثي ، وسرد بعض الأسباب التي جعلته يؤول إلى هذا الوضع المؤسف الذي جعل بعض الأسرالفرنسية تدير ظهرها للمؤسسات التعليمية العمومية ، وتلحق أبناءها بمؤسسات التعليم الخصوصي الذي لا يخلو هو الآخر من آفة تدني المستوى .
ومما جاء في الفيديو أيضا أن آفة انهيار التعليم في فرنسا، لا تمس المتعلمين فقط بل تشمل أيضا من يعلمونهم إلى درجة أن صاحب الفيديو وهو يقارن بين مستوى الأساتذة ومستوى المتعلمين يصفهما بالمتقاربين .
وما يعنينا نحن من هذا الفيديو،هو رهان أصحاب السلطة التربوية عندنا على تبني نمط التعليم الفرنسي بالرغم مما وصف به وضعه الكارثي في هذا الفيديو ، وهو ما يعني المغامرة الوخيمة العواقب بناشئتنا المتعلمة التي هي رأسمال بشري وعملة صعبة يعول عليها الوطن كي يخطو خطوات نحو الرقي المأمول.
ومعلوم أن ما جاء في هذا الفيديو عن وضع المنظومة التربوية الفرنسية، هو نفس ما يدور من حديث عن منظومتنا التربوية . وإذا ما كان مستوى الناشئة الفرنسية في التمكن من لغتها الأم كما وصفه صاحب ذلك الفيديو ، فإن مستوى ناشئتنا في التمكن من اللغة الفرنسية أسوأ مما هو عليه عند المتعلمين الفرنسيين . والمؤسف أن مستوى ناشئتنا في التمكن من لغتنا الأم، لا يختلف سوءا عن مستوى تمكنها من اللغة الفرنسية التي يعتبرها أصحاب القرار التربوي عندنا اللغة الأجنبية الأولى المفضلة عندهم بعد اللغة الإنجليزية .
ولا شك أننا في أزمة منظومتنا التربوي، نشترك مع فرنسا في بعض أو جل أسباب أزمة منظومتها التربوية ، وعلى رأس تلك الأسباب أننا نحذو حذوها ، ونقتفي أثرها ، ونحن نسير خلفها نحو جحر الضب الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته حين تقع في فخ تقليد من يخالفونها الاعتقاد والغاية والهدف.
وبالرغم مما يشكو منه الفرنسيون من تدني مستويات التحصيل الدراسي عندهم، فإن البعض عندنا لا زال ينظر إلى فرنسا على أنها الإسوة والقدوة ليس في مجال التعليم فقط ،بل في جميع المجالات بما في ذلك المجال القيمي والأخلاقي مع أنها تتبنى النهج العلماني المخالف لما نحن عليه اعتقادا وثقافة . ولا زال المنبهرون بفرنسا عندنا ينوبون عنها في تسويق بضاعتها العلمانية عندنا والتي تهدف إلى نسف هويتنا الإسلامية من أساسها ، لتقيم مقامها هويتها على أساس أنها النموذج ، وهي تركز بالدرجة الأولى على ناشئتنا المتعلمة باعتبارها الجدار الأقصر كما يقال ، وباعتبارها أسهل طريق، وبأقل كلفة لتحقيق طمس معالم هويتها .
ومن أجل تجنب عدوى انحطاط مستوى التحصيل الدراسي في فرنسا ، يلزمنا أولا صيانة مناعة ناشئتنا المتعلمة اللغوية من خلال العمل الجاد على رفع مستوى تمكنها من لغتها الأم ، وهو ما يتطلب مراجعة فورية لمناهج تدريسها ،وبرامجها ومقرراتها ، ومراجعة تكوين من يتولون تلقينها . وإذا ما تم تحصين ناشئتنا من عدوى انحطاط مستوى تحصيل لغتها الأم ، فحينئذ سيمكننا أن نفكر التفكير الجاد في الرفع من مستوى تمكنها من لغات اخرى قد تكون بديلة عن اللغة الفرنسية ، وبذلك نختصر على أنفسنا الطريق الأسهل والأفضل والأنجع نحو النهضة المنشودة والمأمولة .
ومن أجل التسريع بوتيرة التفكري الجاد في إنقاذ منظومتنا التربوية من الانهيار على غرار انهيار المنظومة التربوية الفرنسية بشهادة شهود من أهلها، وكفى بهم شهودا ،وهم أعلم وأدرى بقضها وقضيضها ، يتعين علينا فتح ورش كبير ذي قاعدة عريضة من جميع الفعاليات ذات الصلة بقطاع التربية بما في ذلك الفعاليات التي صارت خارج الخدمة من أجل الاستفادة من خبراتها وتجاربها خصوصا وأنها عاصرت منظومتنا التربوية وهي في أوج عافيتها ، وقد كانت هي نفسها من إنتاجها المشهود له بالكفاءة .
فهل سيكتب لهذا الورش أن يكون أم أن أصحاب القرار التربوي عندنا سيواصلون إصرارهم على رهانهم الخاسر باعتماد المنظومة التربوية الفرنسية نموذجا يقتدى به ، وهي على ما هي عليه من وضع كارثي بشهادة أهلها ، وليس بشهادتنا ؟؟؟
وسوم: العدد 1022