الكتابة إما معول هدم مفضي إلى هلاك أو أداة بناء تكون طوق نجاة
لفظ " كتابة " يطلق على كل ما يكتب وينشر ليقرأ ، وهي تتسمى حسب أو وفق طبيعة المواضيع التي يتناولها الكتبة، فتكون أدبية أو علمية أو دينية أو فلسفية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ... أو غيرها وإذا كانت الكتابة الأدبية تتميز عن غيرها بنمطين تعبيريين، هما النثر والشعر، فإن غيرها يقتصر على نمط النثر باستثناء بعض الأنواع التي تعتمد النظم ، وفرق ما بين الشعر ذي الجمال ،والرواء، والخيال، والتصوير، والعواطف ، وبين النظم الذي لا يلتقي مع الشعر إلا في الإيقاع .
ولقد تطورت الكتابة بكل أنواعها في الثقافة العربية الإسلامية عبر العصور حتى انتهت إلى عصر" الرقمنة " ، فانتشرت انتشارا واسعا بسبب ما يسرته المعلوميات للناس حيث صار الجميع يكتبون إما القليل كتعبيرهم عن آرائهم وتعليقاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي أو الكثير كما هو الشأن بالنسبة لمن يمتهنون الكتابة سواء كانوا هواة أم كانوا محترفين .
ولا يخلو كاتب هاو أو محترف من أن تكون له مرجعية عقدية عنها يصدر فيما يكتب. والمرجعيات العقدية تختلف من حيث وجود الوازع الذي يزع أصحابها . والمرجعية العقدية الإسلامية لها وازعها الذي يصون أصحابها من السقوط فيما يخالف ما شرع الله تعالى لعباده ، ولهذا نجد أصحاب هذه المرجعية من الكتاب لا يطلقون العنان لأقلامهم ، ولا يسيمونها في الحمى الممنوع كما تسام السوائم، وهؤلاء يكون ما يكتبونه منسجما تماما مع خلفيتهم العقدية لا يحيدون عن مقتضياتها قيد أنملة ، أما الذين تكون خلفياتهم العقدية مخالفة للخلفية العقدية الإسلامية ، فإنهم لا وازع ديني أو أخلاقي لهم، لأن هذا الوازع ليس من مقتضيات خلفياتهم ، بل قد يكون من مقتضياتها هذه التنكر لهذا الوازع ،والاستهانة والاستخفاف به ، ويكون وازعها ـ إن صح أن يسمى وازعا ـ هو مخالفة المعتقد الإسلامي فكرا وممارسة .
ومن خلال المقارنة بين ما يكتبه أصحاب الخلفية العقدية الإسلامية ، وما يكتبه أصحاب الخلفيات المخالفة لها ، نجد أن الأوائل يبنون ،ويشيدون صرح القيم الإسلامية كما جاءت في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس لهم في ذلك يد بل هم مقيدون بهذين المصدرين ، وخلفهم وزاع يزعهم إن هم حادوا عنهما قيد أنملة ، بينما من يخالفونهم خلفيتهم العقدية يهدمون ذلك الصرح ، بل لا شغل لهم سوى إعمال معاولهم فيه لنسفه من أساسه بغرض إقامة بدائل عنه مما تدعو إليه خلفياتهم العقدية . وإذا كان الكتبة من أصحاب الخلفية العقدية الإسلامية يقدمون للناس أطواق النجاة من بحر الحياة اللجي الزاخر بالمفاسد التي تبعدهم عن صراط ربهم المستقيم ، فإن الكتبة المخالفين لهم عقديا يغرونهم بخوض هذا البحر دون أطواق نجاة ، بل يزينون لهم المغامرة بخوضه .
وإذا ما تأملنا الكتبة في مجتمعنا المغربي ، نجدهم صنفين : أصحاب الخلفية العقدية الإسلامية ، وأصحاب الخلفية العقدية العلمانية ، ويدور بينهم صراع قوي ، يعتبره كل طرف منهم صراع وجود أو عدم . وأصحاب التوجه العلماني يأبون إلا أن يكون أساس وجود علمانيتهم فكرا وممارسة هو هدم الإسلام فكرا وممارسة. وبينما تنص المرجعية الإسلامية من خلال المصدرين الممثلين لها كتابا وسنة على حرية الاعتقاد ، وشعارها قول الله تعالى : (( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) ، وقوله : (( لكم دينكم ولي دين )) ، وقوله : (( لا إكراه في الدين )) ، فإن المرجعية العلمانية ترفع كشعار لها حرية الاعتقاد، لكنها تمنعها في الواقع حين يتعلق الأمر بحرية الاعتقاد الإسلامي فكرا وممارسة ، وهي تفرض فكرها وممارستها على أصحاب الاعتقاد الإسلامي في مواطنها كما هو الحال في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر ، وإلا فكثيرة هي البلاد الغربية التي تحذو حذو فرنسا في تضييق الخناق على من يرغبون عندها في ممارسة حريتهم وحقهم في العبادة فكرا وممارسة ، وتكفي الإشارة إلى منع النساء المسلمات من حقهن وحريتهن في لباسهن الشرعي ، وفي الاستحمام بما يصون أجسادهن من الامتهان ، وفي المقابل لا نجد في البلاد الإسلامية من يصادر حرية النساء في ارتداء ما يردن من لباس ، وإن المرأة الغربية لتلبس في هذه بلاد الإسلام ما تشاء ، وتستحم بلباس من قطعتين " البيكيني " دون أن تضايق، بينما تمنع المرأة المسلم من الاستحمام " بالبوركيني " في البلاد العلمانية ، فأين شعار الحق والحرية في الإسلام من شعارالحق والحرية في العلمانية؟ فالأول عذب فرات ، والثاني ملح أجاج .
وإذا كان التوجه الإسلامي في بلاد الغرب يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن باستثناء عناصر بادية الانحراف عن نهج الله تعالى لا يعتد بها ، فإن التوجه العلماني في بلاد الإسلام لا يدخر جهدا في نقض قيم الإسلام من أجل استبدالها بقيمه ، وقد استأجر لهذا الغرض عناصر من بني جلدتنا يطبقون ما يمليه عليهم من توجيهات وفق أجندات معينة ، ومنهم كتبة ينشرون يوميا جناياتهم على الإسلام، وقيمه، وعلى أتباعه يشنون عليهم حربا لا هواة فيها، والمفارقة أنهم وهم يخوضون هذه الحرب نيابة عن مراكز القرار العلمانية في الغرب ، يزعمون أنهم مسلمون تقية وتمويها إلا قلة منهم تجاهر بعلمانيتها صراحة وتحديا .
ولقد ازدادت وتيرة استهداف الإسلام في هذا الظرف بالذات بشتى الطرق والوسائل من طرف فلول والطوابيرالخامسة للعلمانية المبثوثة في بلاد افسلام ، والمستأجرة ،والمأجورة .ولقد سقطت كثير من أقنعة من كانوا يموهون على تورطهم في المستنقع العلماني ، ولقد بدت البغضاء من أفواههم ، وما تخفي صدروهم أكبر . وإن بعضهم قد ذهبوا بعيدا في التشكيك في أمور الوحي من المغيبات كالإسراء والمعراج ... وغيرها مما يلزم الإيمان بالتصديق بها وإلا انتقض عملا بقول الله تعالى : (( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هذى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب )). ولقد تجاوز هؤلاء مداركهم، ومعارفهم، وتخصصاتهم، وصاروا يدلون بدلائهم فيما لا علم له به ، ويطالبون بمن يناظرهم من أهل العلم في مجالات يجهلونها ، وهم أصحاب جهل، وجهل مركب قد جر عليهم سخرية الساخرين .
وبقي أن نقول في الأخير لكل من يحمل قلما ينافح فيه عن قيم الإسلام، اكتب كما علمك الله مصداقا لقوله عز من قائل : (( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب )) ، ولئن كان سياق هذا الأمر الإلهي هو كتابة الديون صيانة لها من الضياع ، فإنه من باب أولى أن تكون الكتابة من أجل صيانة بيضة الإسلام ، في وقت يقع عليه تكالب غير مسبوق .
وسوم: العدد 1022