من دفتر الذاكرة : بمناسبة قدوم رمضان. مع ذكرى رمضان ١٩٨٠
أعزائي القراء ..
بيننا وبين رمضان شهر الخير والبركات اياماً معدودة، فكل رمضان وانتم بخير .ذكرني قدومه برمضان عام ١٩٨٠ في ذلك العام كان موعده معنا في شهر تموز / يوليو ، وصادف قدومه ثورة النقابات المهنية والتجار والطلاب، فجن جنون النظام وخاصة فشل شبيحته بالحصول على اي مقعد نقابي في النقابات المهنية . فبدات موجة الاعتقالات في كل النقابات وفي كل المحافظات عقاباً على ذلك ، وكان عقاب اخي المهندس غسان امين سر نقابة المهندسين المنتخب المكوث ١٢ عاما في سجن صيدنايا حيث حشر جميع النقابيين هناك ونذكر منهم اخًونا المحامي هيثم المالح .
في هذا الشهر اراد الجزار الأول حافظ اسد ان يلقن أهل حلب درساً لا ينسوه بالانصياع والخنوع والخضوع له، فارسل طلباً لإسرائيل بالحصول على فيزا خروج وعودة من لبنان للفرقة الثالثة المتمركزة هناك بقيادة الطائفي النافق شفيق فياض لانجاز مهمة القيام بمجازر بحلب حيث دخلت الفرقة الثالثة لبنان بتعليمات امريكية اسرائيلية لانجاز مهمة القضاء على الفلسطينيين هناك واحلال الطائفيين الجدد من الشيعة والموافق عليهم إسرائيلياً محلهم، كخطوة خيانية في طريق انهاء المقاومة الفلسطينية ، فحصل الجزار على هذه الفيزا من إسرائيل ، فانطلقت الفرقة الثالثة الى حلب وعاثت فيها شهوراً من القتل والتدمير وجر الاحياء بالدبابات حتى الموت تأديبًا لاهل حلب كما شاهدت ذلك بأم عيني. وبعد انتهاء مهمتها الإجرامية عادت الى لبنان .
أعزائي القراء . .
كما ذكرت كنا نعيش شهر رمضان ، وفي أحد الايام فطر اخي رضوان عندنا في البيت ثم قضينا سهرة معاً وفرشنا بالبلكون منتظرين السحور حيث كان بيتنا مقابل جامع الروضة ، فتوقظنا الموشحات والدعاء قبل فترة السحور فنحضر انفسنا لتناول السحور ثم لصلاة الفجر .
وفي حوالي الساعة الثالثة فجراً قرع الباب بشكل مفزع ، كانت الطرقات مخيفة اسرعت الى الباب ونظرت بالمبكرة فاذا هي الوالدة . ففتحت الباب على عجل ، كانت الوالدة رحمها الله فاقدة أعصابها على الاخر ، ولهاثها و سعالها لا ينقطع حيث الوالدة رحمها الله كانت مصابة بالربو ، حاولنا ان نستطلع الخبر ، فقالت لنا بصوت مكبوت من البكاء الشديد : ولادي اطلعوا برات سوريا بدهم يدبحوكم !
يدبحونا.. يدبحونا ليش. ؟
ثم توالت الاخبار متقطعة : فقد طرق الباب عليها ليلاً حوالي الساعة الثانية عشر ١٢ عسكري تابعين لفرقة شفيق فياض ووالدتي
مقيمة بمفردها و نزورها يومياً ، فانتشروا بالبيت ولم يتركوا شيئا فيه الا وقلبوه رأساً على عقب، ثم بداوا باستنطاقها ؛ أين اولادك ، أين هشام ، أين رضوان . .. (اما باقي الاخوة فقد تم تهجيرهم والاخ غسان في المعتقل) ، حاولت الوالدة ان تعطيهم عناوين مختلفة فكان ردهم ؛ يا حجه لاتكذبي نعرف بيوتهم وأحدًا وأحدًا ، وبعد ساعة تركوها في شبه غيبوبة ، وغادروا بيتها فخرجت كالفاقدة لعقلها ووصلت بيتي بجهد جهيد وهي تقول : ولادي طلعوا برات سوريا بدهم يدبحوكم .
وبالفعل تفرقنا انا واخي رضوان حيث كان هدفهم اخراج كل من يطالب بحريته حتى بلسانه فقط ، فجريمتنا اننا مهندسون رفضنا اي شبيح ان يتسلل لنقابتنا بالصندوق الانتخابي هذا هو ذنبنا فقط .
كانت اياماً عصيبة جداً ، حيث ودعنا الوالدة التي بقيت وحيدة بعد ان كان بيتها ممتليء بسبع شباب وشابة من اولادها المهندسين والاطباء وغادرنا باتجاه تركيا .
وللقصة بقية مسجلة في مذكراتي بعنوان ( محطات صغيرة في حياة مواطن سوري )
الثورة مستمرة ، فلا تعايش مع هذه العصابة المجرمة مهما طال الزمن .
وكل رمضان وانتم بخير.
وسوم: العدد 1022