أيام زمان حيث كان الدواء زيت الخروع و كاسات هوا.ومعلقتين زيت سمك
من دفتر الذاكرة :
أعزائي القراء …
أذكر عندما كنا في مدينة الباب حيث كان والدي يدير أول اعدادية فيها في عام ١٩٤٩-١٩٥٠ وهي إعدادية البحتري ، "واعتقد انها تحولت الى ثانوية لاحقاً" . يومها لم يكن في مدينة الباب عيادات وانما مستشفى حكومي يديره طبيب من دمشق اسمه الدكتور بكري قباقيبي مع مساعدين له كما يملك عيادة له وهي الوحيدة على ما اعتقد.
معظم معالجة الامراض كانت تدار بالخبرة ، وأكثر الادوية شيوعاً تتركز في معالجة اضطرابات المعدة .
كان زيت الخروع السيء الطعم هو العلاج ، ومن لايقدر على تناوله عليه بملح الانكليز والسيء الطعم ايضاً ، اما اذا زاد المرض وارتفعت حرارة المريض فعليه مع زيت الخروع الثبات على الحمية . كنت يومها طفلاً وكان والدي يشجعني على تناول زيت الخروع عندما أصاب باضطراب معدي حيث يدفع لي ربع ورقه سوري عند تناوله ، وكانت اقرب دكان لنا تقع أمام السراي على الطريق العام يملكها شخص بطربوش مازلت اذكر اسمه " منيب " عندما أحضر لعنده ليملئ لي قنينة زيت الخروع وخشية تسربه خارج القنينة كان يلحس الزائد باصبعه و( يتلمض) وكأنها راحة الحلقوم. فأشعر بالتقيوء.
أمًا الحمية فكانت العلاج الاخر لمن يصابون بأمراض يصاحبها ارتفاع الحرارة ، اصبت يومها بالتفوئيد فأخذني والدي لعند صديقه الدكتور بكري قباقيبي و بدون تحاليل وبخبرته تأكد اني مصاب بالتفوئيد وعلاجي هو الحمية لمدة ٤٠ يوماً حيث لم يكن الدواء الخاص بالمرض قد وجد بعد . تعامل والدي رحمهما الله معي بمنتهى القسوة، فأي خطأ بالحمية سيؤدي إلى الموت حيث الامعاء اضحت رقيقة برقة ورق السجاير ، كان طعامي مرقة الرز مع شوية عصير ثم تطور إلى شوربة ماء البندورة فيها بقايا من الرز والمعكرونة الرفيعة ، فكنت أحضر إلى المطبخ لاشم رائحة الطبخ من محشي وكبة بلبنية وسماقية وغيرها حتى ان اخوتي اطلقوا علي لقب "قط المطبخ" ، وبعد شهر سمح لي بالطعام الخفيف حتى تماثلت للشفاء و بدأت التهم الطعام التهاماً حتى زاد وزني وتحولت إلى طفل بوزن زائد .وبعد ان اكتشف الدواء رفض الاطباء نظام الحمية الكاملة لأنها تضعف الانسان لمقاومة المرض ومعهم حق .
اما كاسات الهوا فهي علاج آخر لامراض الرئة والسعال والرشح. فكنا نأخذ أي جريدة قديمة ونقطعها الى قطع صغيرة ونلفها بحجم الكشتبان مع ذيل قصير مجدول ، بينما يتم حرق هذه القطع وترمى داخل كاسة الهوا وقبل ان تنطفئ تلصق بجلد الظهر ، ومع ذلك كانت تتدحرج الورقة الساخنه الى الجلد (وتلدعه) ويصرخ المريض ويقولون له : معليش ابني بدك تتحمل ، ولكن العلم تطور والصين سبقت الآخرين حيث اهداني أبني منذ عدة سنوات طقم كاسات هوا ، كل كاسه لها صمام في قعرها تركب عليها مضخة صغيرة لسحب الهواء من الكاس فيعلق الكاس بقوة في الظهر فلا حرارة ولايحزنون .
ماذا عن اليوم؟
تعالوا الى الصيدليات لنرى ماذا تحوي الرفوف من اصناف واصناف من الادوية ، بعضها لابد منه ولايمكن الاستغناء عنه اطلاقاً ، والبعض الاخر عبارة عن ادوية تجارية ذات مردود مالي فقط
فالدنيا تحولت إلى تجارة والجميع أضحى سلعة.
دمتم بصحة وعافية
وكل رمضان وانتم بخير.
وسوم: العدد 1025