الأقصى خطّ أحمر
استهداف المحتلين للمسجد الأقصى المبارك صباح اليوم 5 ابريل 2023 واعتدائهم على الصّائمين الرّكّع السّجود واعتقالهم، ليس جديدا، ولن يكون الأخير، تماما مثلما هي هذه الاعتداءات ليست عفويّة، وإنّما مخطط لها ومدروسة من أعلى المستويات السّياسيّة والأمنيّة في دولة الاحتلال. علما أنّهم يعرفون تماما أنّ المسجد الأقصى جزء من عقيدة المسلمين، وأنّه أولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين التي تشدّ إليها الرّحال، لكنّهم لم يروا يوما ردّة فعل من الأنظمة العربيّة والإسلاميّة أكثر من الشّجب والإدانة والإستنكار، و" التّعبير عن رفضها القاطع لهذه الممارسات التي تقوّض جهود السّلام وتتعارض مع المبادئ والأعراف الدّولية في احترام المقدسات الدينية." والأقصى منذ وقوعه تحت الاحتلال في حرب العام 1967 تعرّض لمئات الإعتداءات، ومنها إشعال النيران فيه في 21-8-1969، والتي أتت على أجزاء تاريخيّة منه، ومنها منبر صلاح الدّين، ووقتها عبّرت جولدة مائير رئيسة وزراء اسرائيل وقتذاك عن قلقها وأنّها لم تنم تلك الليلة خوفا من ردّة فعل الأنظمة العربيّة والإسلاميّة! وعدم وجود ردّة فعل عربيّ وإسلاميّ على ذلك كان بمثابة تصريح للمحتلّين بالعبث في المسجد المبارك كما يشاؤون، وتوالت الاعتداءات حتّى تقسيم المسجد زمانيّا لإتاحة الفرصة للمتزمّتين اليهود باقتحام المسجد، وتأدية الصّلوات التّلموديّة فيه تحت حماية الأمن الإسرائيليّ، ويبدو أنّ ساعة تقسيمه مكانيّا قد اقتربت. ومعروف أنّ الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة وبدعم لا محدود من أمريكا وحلفائها لا تحترم ولا تطبّق القوانين والأعراف والقرارات الدّوليّة، ولا تحترم الاتّفاقات الثّنائيّة، فحبر بيانات العقبة وشرم الشّيخ لم يجفّ بعد.
وإذا كانت الأنظمة العربيّة وفي مقدّمتها تلك التي تهافتت على التّطبيع المجّانيّ سرّا وعلانية تراهن على وعود أمريكا لتحقيق الإنسحاب الإسرائيليّ من الأراضي العربيّة المحتلّة عام 1967، فإنّها تراهن على وعود كاذبة ومتكرّرة. فإسرائيل التي يؤمن قادتها بنظريّة " ما لا يمكن تحقيقه بالقوّة، يمكن تحقيقه بقوّة أكبر" ما عادت تخفي سياساتها ومخطّطاتها؛ لتحقيق حلمها الصّهيونيّ طويل المدى، والقائم على التّوسّع الذي يتخطّى حدود فلسطين التّاريخيّة، ليمتدّ من النّيل إلى الفرات، ولن تنسحب من شبر أراض احتلّته، ولن تعطي الفلسطينيّين أكثر من إدارة مدنيّة على السّكّان دون الأرض التي ستبقى نهبا للاستيطان اليهوديّ. ورغم الحفريّات التي نخرت القدس القديمة وتحت أساسات المسجد الأقصى، والتي لم يجدوا فيها أيّ أثر يهوديّ، إلّا أنّهم يؤمنون بأنّ هيكلهم المزعوم موجود داخل القصى المبارك، ويعملون على بناء معبدهم مكان قبّة الصّخرة داخل الأقصى.
ويلاحظ أنّه لا يوجد أيّ موقف عربيّ أو إسلاميّ جادّ بخصوص الأقصى بشكل خاصّ والقدس بشكل عامّ باستثناء الأردنّ، الذي يتعرّض لضغوطات اقتصاديّة هائلة؛ لتجبره على تغيير موقفه.
لكن لا أمريكا ولا إسرائيل ولا من لفّ لفّهما من الأنظمة العربيّة التي يحرص قادتها على الحفاظ على عروشهم فقط، يدركون أنّ أيّ مسّ بالمسجد الأقصى، يتجاوز كلّ الخطوط الحمراء، وسيدخل المنطقة في حروب دينيّة يعلم مشعلوها متى يبدأونها، ولن ينجو من لهيبها أحد لا دول ولا شعوب ولا أنظمة حاكمة، وستهدّد السّلم العالمي، لكن لا هم ولا غيرهم يعلمون متى ستنتهي، فالشّعوب التي طال سباتها وتضليلها لن تسكت على المسّ بعقيدتها والتي يمثّل الأقصى جزءا منها.
وسوم: العدد 1026