وأخيرا التحق السودان بالبلدان العربية المدمرة بسبب إجهازالانقلابات العسكرية على المسارات الديمقراطية

وأخيرا التحق السودان بالبلدان العربية المدمرة بسبب إجهازالانقلابات العسكرية على المسارات الديمقراطية فيها وهو اليوم قاب قوسين أو أدني من حرب أهلية مدمرة

بلاد السودان من أسوإ البلاد العربية حظا لأنها بعد جلاء الاحتلال البريطاني عنها، تناوب على حكمها قادة عسكريين مستبدين ، وجرت العادة أن ينقلب اللاحق منهم على السابق ليحل مكانه بنفس الأسلوب في الاستبداد بالحكم ، والشعب السوداني المسكين يتطلع مع كل انقلاب إلى حلم ظل يراوده لعقود منذ رحيل الاحتلال البريطاني البغيض عن أرضه، وهو أن يحكم نفسه بنفسه أو بعبارة أخرى ليعيش ديمقراطية على النمط الغربي الذي لا يمكن اعتباره نموذجا خاليا من مساوىء أو كما يقول المثل الشعبي عندنا " حتى زين ما خطاتو لولا " أي كل جميل إذا ما أقر بجماله، فلا مندوحة مع ذلك من استعمال لفظة " لولا " التي يليها مباشرة ذكر ما فيه من نقائص .

ولمّا كان الغرب مهيمنا على العالم ، فإن نمط ديمقراطيته  يُسوّق في أقطار ما يسمى بالعالم الثالث تماما كما تسوق  منتجاته الصناعية التي لا بديل عنها ، ولا منافس لها . وحذو دول العالم الثالث حذو البلاد الغربية في ديمقراطيتها، يعتبر حذوا صوريا ، وهو مجرد شعار لا ترجمة له على أرض الواقع . ومع علم الغرب بانحراف تنزيل نمط ديمقراطيته في هذه البلاد ، فإن يغض عن ذلك الطرف، لأن الذي يعنيه بالدرجة الأولى هو مصالحه فيها خصوصا حصوله على  ثرواتها ومقدراتها ، وهو يحرص على تطبيق ديمقراطيته في أقطاره ومع رعاياها ،أما رعايا  دول العالم الثالث، فلتذهب إلى الجحيم مادمت الأنظمة  فيه  ومعظمها عسكرية  تضمن مصالحها التي تعتبرها حيوية ، وصائنة لأمنها القومي .

ومن سوء حظ بلاد السودان أنها ذات خيرات متنوعة تحت أرضها  وفوقها حتى قيل أنها قادرة على توفير الطعام  لكل الوطن العربي ، وبسبب هذه الخيرات أضرم فيها الغرب نيران حرب أهلية بين شمالها وجنوبها ، وانتهت تلك الحرب بانفصال جنوبها عن شمالها ، وهو انفصال  يستحيل أن تقبل بمثله  بلاد الغرب بالرغم من رغبة بعض إثنياتها  في الانفصال عنها  كما هو الحال بالنسبة لإسبانيا على سبيل التمثيل  لا الحصر.

وما حصل في السودان هذا الأسبوع ينذر بما يشبه  تقسيم جديد لأرضه يحصل عن طريق إذكاء حرب أهلية أخرى فيه، تنتهي بشطر أقاليمه خصوصا ذات المقدرات والخيرات .

وعلى طريق انقلاب القائد الانقلابي السابق على سلفه الأسبق ، يعرف السودان اليوم انقلابا عسكريا دمويا  بين قائدين انقلابيين  قد أخلفا وعدهما مع الشعب بتخليص البلاد من الحكم والاستبداد العسكريين في فترة سميت انتقالية لكنهما دخلا في صراع مسلح بينهما بعدما اقتسما القوة العسكرية بينهما ، وصار كل واحد منهما يخون الآخر ، ويتهمه بالاستبداد ، مع أنهما شريكان فيه ، وقد ماطلا في تسليم السلطة للمدنيين بعدما حددا فترة زمنية انتقالية قد انصرمت منذ مدة دون وفائهما بوعدهما .

 وليس من قبيل الصدفة أن ينشب  هذا الصراع بينهما مباشرة بعيد تسريب الوثائق الأمريكية الذي أحدث ضجة إعلامية عالمية كبرى  ، وكشف النقاب عما سمته الولايات المتحدة تسريبا خطيرا، وقد ذكر أسماء دول في منطقة الشرق الأوسط متورطة في أمور خطيرة إذا ما صحت معلومات تلك الوثائق المسربة . ومن يدري قد تكون تلك الدول لها يد في الصراع المندلع بين القائدين العسكريين في السودان من أجل أن يفضي ذلك  إلى قرار قد يكون على سبيل المثال تقسيم جديد للسودان أو قد يكون منع تكرار حصول تجربة ديمقراطية فتية  فيه كما أجهز على تجارب سابقة كالتجربة المصرية ،والتجربة الجزائرية، وقد تولى الاجهاز عليهما العسكر المستبد بالحكم،  و التجربة التونسية  وإن كان المستبد فيها مدنيا وليس عسكريا ، و لكن لا يستبعد أن يكون الواقف وراء الإجهازعليها العسكر أيضا فإن لم يكن عسكرا تونسيا ، فهو جزائري أو مصري أو هما معا أو معهما جهات أخرى  أجنبية وعربية تتوجس من نجاح النموذج الديمقراطي في الوطن العربي الذي ليس من مصلحتها أن ينجح ، والذي من شأنه أن يعطل مصالح أجنبية في هذا الوطن البائس والسيء الحظ في المعمور.

وفي الأخير لا يسعنا  إلا الأسى الشديد على أرواح الأبرياء من أبناء الشعب السوداني الذي دفع غاليا فاتورة الصراع العسكري فيه على السلطة ، وقد انضاف بدوره إلى نفس مصير بلاد عربية دمرتها الحروب الأهلية التي تم التخطيط لها سابقا لتحقيق ما سمي شرق أوسط جديد  تكون فيه مصالح من خططوا له بدهاء وخبث  مضمونة، ومستمرة، ودائمة . وكان الله في عون الشعب السوداني للخروج من محنته  

وسوم: العدد 1028