من وحي عيد الشغل
انطلاقا من القناعة الإسلامية يعتبر مناط وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا هو ابتلاؤه ابتلاء يجازى عنه بأجر من جنس سعيه في الآخرة مصداقا لقول الله تعالى في محكم التنزيل : (( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذّركم الله نفسه والله رءوف بالعباد )) . وبالرغم من هذا التحذير الإلهي للبشرية قاطبة رأفة بها في الرسالة الخاتمة الموجهة إليها بين يدي الساعة ، فإن سوادها الأعظم غافل عنه لا يبالي به حيث يعتبر العمل أو السعي الذي يسعاه في الحياة الدنيا قاصرا عليها لا يتعدى أمره إلى حياة أخرى مختصة بالجزاء عنه، الشيء الذي يوقع في إحدى آفتين : آفة عامل يجف عرقه ولا يُعطى أجره ، وآفة عامل يحصل على أجره دون أن يعرق من أجله ، وكلتا الآفتين مظلمة تقام بسببها محكمة عادلة في الآخرة كي ينال صاحب العرق المبخوس أجره موفورا غير منقوص أو مجذوذ ، وينال صاحب الأجر دون عرق جزاءه معدودا غير منسيّ .
ومعلوم أن هذه المظلمة المتعلقة بعرق عامل يجف ولا يعطى أجره ، وآخر يحصل على أجره دون عرق أطرافها أربعة هم : مشغلان وعاملان يكون أحدهما ظالما والآخر مظلوما ، أما المشغل الظالم فيبخس عرق العامل ، وأما العامل الظالم فيبخس أجر مشغله .
والبشرية التي اتخذت من فاتح شهر مايو أيّار عيدا يعود كل سنة، لا تحفل إلا بظلم المشغل للعامل غافلة أو متغافلة عن ظلم العامل لمشغله ، ولو عبر المشغلون ممن يقع عليهم ظلم العمال عن مظلمتهم في هذا العيد لما أبه بهم أحد، لأن الناس درجوا في مثل هذه المناسبة على اعتبار مظلمة العمال دون اعتبار لمظلمة المشغلين مع أنها واقع لا يمكن أن ينكر ، ولو أن المشغلين اتخذوا لهم عيدا يعبرون فيه عن مظلمتهم لسخر منهم الساخرون، لأنه وقر في قناعة الناس أن العمال بالضرورة يُظلمون ولا يَظلمون مع أن الواقع المعيش يفند ذلك حيث يشكو كثير من المشغلين ظلم من شغّلوهم إذ ينال هؤلاء أجورهم كاملة غير منقوصة دون ما يقابلها من شغل أو جهد واجب مطلوب بل يكون مشوبا إما بغش أوبتدليس أو بنقصان أو بإهمال...
ولا شك أن الذي يُوقع في تظالم العمال والمشغلين ،هو فساد الاعتقاد مع غياب الوازع الديني لديهم حيث ينتهي أمر العمل وما يقابله من أجر بالنسبة إليهم في الحياة الدنيا ويطوى دون أن يعرض للمساءلة في حياة أخرى بين يدي الخالق سبحانه وتعالى، يوم يخيب من حمل ظلما .
وحري بكل عامل مهما كان عمله أو شغله يخرج يوم عيد الشغل رافعا عقيرته للتعبيرعن مظلمته مطالبا بحقه في أجر يكون كفئا لجهده أوعرقه أن يكون متأكدا من أنه غير ظالم لمشغله بتقصير أو غش ... مستحضرا وقوفه بين يدي خالقه يوم العرض عليه ، كما أنه حري بكل مشغل مهما كان نوعه وهو يسمع صوت من يشتغل عنده معبرا عن مظلمته أن يتحرك ضميره فيراجع نفسه لكبح جماحها عن ظلم يكون خيبته يوم العرض على خالقه، وكلاهما دونه تحذير الخالق سبحانه وتعالى : (( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد )). ولولا رحمته سبحانه وتعالى بخلقه لما حذرهم هذا التحذير الخطير.
وسوم: العدد 1030