" ثأر الأحرار" انتصار فلسطيني واندحار إسرائيلي
انتهت جولة قتال الأيام الخمسة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي بوساطة مصرية . والعادة بعد كل قتال بين طرفين أن يحصي كل واحد منهما ما كسب وما خسر في الجولة على مستويات عديدة . وللكسب والخسارة المعنويين قيمة عليا في الإحصاء . ويختلف تقييم الاثنين ، الكسب والخسارة ، حين يكون القتال بين طرفين لا تعادل بينهما في القوة العسكرية وسواها من عناصر القوة المادية والسياسية . وهذه حال القتال الذي نشب بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي . إسرائيل قوة عسكرية كبيرة ، ولديها قوى مادية وافرة متنوعة ، وتحميها سياسيا أميركا ، وتسكت دول أوروبية كبرى عن جرائمها التي تواصلها يوميا ضد الفلسطينيين ، وإذا لامتها عليها جاء لومها خفيفا لا يردعها عن تلك الجرائم . وعربيا ، السلطة الفلسطينية اكتفت ، كعادتها ، في قتال الأيام الخمسة ببيان أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء ، وندرت إدانة الدول العربية للعدوان الأخير ، واحتفلت إمارة دبي أثناءه بالذكرى الخامسة والسبعين لإقامة إسرائيل ، وسبقتها إمارة أبو ظبي للاحتفال بها . إذن لا موازنة بين طرفي قتال الأيام الخمسة . كل عناصر القوة العسكرية والمادية والسياسية تتكدس في كفة إسرائيل المعتدية برجحان خرافي مهول . والمفاجأة المذهلة أن حركة الجهاد دفعت بكفتها الخفيفة الوزن في تلك العناصر حتى قاربت التوازن مع كفة إسرائيل . كيف استطاعت ذلك ؟! أدارت مراحل القتال من خلال الغرفة المشتركة إدارة عسكرية ومعنوية مرتبة أصابت حسابات إسرائيل وخطواتها بالاضطراب والقلق والحيرة ، وزلزلت معنويات ونفسيات مستوطنيها ، فارتفعت طلبات الدعم النفسي بينهم 555 % ، وأجلى مظاهر إدارتها لمراحل القتال تأخيرها ردها على اغتيال قادة السرايا الثلاثة 34 ساعة . ومن هذه المظاهر مرافقتها لتطورات القتال ببيانات التحدي المتزنة الواثقة التي رفعت معنويات الفلسطينيين ، وأحبطت الإسرائيليين قيادة ومستوطنين وإعلاما ، فكتب عاموس هرئيل محلل الشئون العسكرية في " هآرتس " معترفا : " العمليات العسكرية الحالية ضد غزة لم تجنِ ثمارا بالمرة . " . ولم يضعف استشهاد ستة من كبار قادة السرايا الأداء القتالي للحركة حتى ساعة وقف إطلاق النار ، وتفسير ذلك وجود بنية عسكرية متسلسلة من القادة الأكفاء . ولم تظهر الحركة أي شعور بالإحباط من مهاجمة إسرائيل حوالي 200 هدف عسكري تابع لها ، وظلت تؤكد بأنها تملك من القوة العسكرية ما يكفي لمتابعة القتال شهورا . وفي الجملة كان أداؤها معنويا أعلى من أداء إسرائيل التي بدا عليها قيادة ومستوطنين الوهن النفسي والخوف من تواصل القتال ، وسارعت لالتقاط خيط التحرك لوقف القتال الذي مدته مصر . وسيطالعنا ، بعد توقف القتال ، الكثير من شعور الإسرائيليين بالخسارة والخيبة والإحباط . هم الآن يشحذون سكاكينهم ، ويبللون ألسنتهم للطعان واللعان بينهم . وحقا عليهم أن يشرحوا لأنفسهم كنه عجز قوتهم العسكرية الكبيرة عن التغلب على حركة فلسطينية صغيرة في قطاع صغير فقير محاصر . وسنعينهم نحن في هذا الشرح ، ولبابه أن قوتهم قوة ظلم وباطل ، وقوة حركة الجهاد قوة عدل وحق . والظلم والباطل ضعف وخسران ، والعدل والحق قوة وفوز . وهذا ما بان في القتال الأخير. كان انتصارا فلسطينيا صنعته حركة فلسطينية صادقة مضحية ، واندحارا إسرائيليا صنعته قيادة إسرائيلية مشوهة مشوشة من المتهورين المغرورين الذين يصمون آذانهم ، ويغطون عيونهم عن أصوات الواقع ومشاهده الحقيقية ، فلا يسمعون ولا يرون إلا ما يحبون سماعه ورؤيته مما يوافق أهواءهم وأحلامهم بالقضاء على الشعب الفلسطيني وطنا وبشرا . حركة الجهاد تؤمن بمراكمة الإنجازات في الصراع المصيري مع الكيان الإسرائيلي المغتصب المتهور حتى إزالته . وإنجازها في قتال الأيام الخمسة إنجاز كبير يضاف لما قبله ويمهد لما بعده . وفي الرأي القويم الصحيح أن انتصارات الشعوب في صراعاتها مع القوى التي تتفوق عليها عسكريا ؛ تكون دائما ثمرة نهائية لما راكمته في تلك الصراعات من إنجازات تراوحت في مسيرتها بين الكبر والصغر .
وسوم: العدد 1032