بين المتوقّع والنهايات الصّادمة
اعتادت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن تخرج من أزماتها المختلفة بشنّ حروبها على دول الجوار، أو بالإمعان في قتل الشّعب الفلسطينيّ الواقع تحت احتلالها، يساعدها في ذلك الدّعم الأمريكيّ اللامحدود لها الذي يعتبر كل حروب اسرائيل حروبا دفاعيّة، بما في ذلك اقتحامها للمدن والبلدات الفلسطينيّة وما تقوم به من قتل وتدمير، ومصادرة الأراضي العربيّة واستيطانها. وسياسة اسرائيل تقوم على نظريّة "ما لا يمكن حلّه بالقوّة يمكن حلّه بقوّة أكبر." ويساعدها في ذلك أيضا الأنظمة العربيّة الموالية لأمريكا التي أضاعت فلسطين وتخلّت عنها وعن شعبها وكأنّ الأمر لا يعنيها، علما أنّ الأطماع الصّهيونيّة التّوسّعيّة معلنة، وتشمل أراضي عربيّة تتعدّى حدود فلسطين التّاريخيّة بكثير.
وقد اعتادت اسرائيل أن تشنّ حروبها خارج حدودها، ليبقى شعبها وجبهتها الدّاخليّة في أمن وأمان. لكنّ هذه المعادلة تغيّرت في حروبها مع حزب الله اللبناني والمقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، حيث الصّواريخ التي تتعدّى الحدود وتصل إلى مختلف المدن والبلدات الإسرائيليّة.
وحرب اسرائيل الأخيرة على قطاع غزّة ليست استثناء عن حروبها السّابقة، فنتياهو شنّ هذه الحرب لاسترضاء حلفائه من الأحزاب الفاشيّة، وللهروب من الأزمات الدّاخليّة التي تواجه حكومته وتواجهه هو بشكل شخصيّ، ومحاولته إشباع غرائز التّطرف عند ائتلافه الحكوميّ، مثل الوزيرين بن غفير وسومريتش. ورغم التّفوّق العسكريّ الهائل، إلّا أنّ محاولة حكومة نتنياهو لتدمير الجناح المسلّح لحركة الجهاد الإسلاميّ من خلال التّفرّد بها، وما يترتّب على ذلك من تفكيك وحدة المقاومة في قطاع غزّة، ورغم تدمير الجيش الإسرائيلي للمنازل على من فيها من نساء وأطفال، في محاولة منه لتصفية القيادات العسكريّة لسرايا القدس -الجناح المسلّح لحركة الجهاد الإسلاميّ، إلّا أنّ صواريخ المقاومة طالت مدنا وبلدات بما فيها تل أبيب. ورغم الخسائر الفادحة بالأرواح والممتلكات التي لحقت بقطاع غزّة، إلّا أنّ نتنياهو وحكومته لم يحقّقوا أهدافهم من هذه الحرب، ولم ولن يخرجوا من أزماتهم الدّاخليّة بل على العكس من ذلك فقد تعمّقت هذه الأزمات.
ويلاحظ أنّ كل من دعوا إلى وقف الحرب التي انتهت في السّاعة العاشرة من مساء الأحد 13 مايو الحالي بعد خمسة أيّام دمويّة، لم يتطرّق أحد منهم إلى أسبابها الحقيقيّة، وهو الاحتلال الإسرائيليّ الذي أهلك البشر والشّجر والحجر، فإسرائيل ومن ورائها أمريكا والعالم الغربيّ، تريد هدوءا في ظلّ استمرارية احتلال الأراضي العربيّة، وإفساح المجال لإسرائيل كي تواصل استيطان الأراض العربيّة المحتلة في حرب العام 1967، وفرض حقائق على الأرض، وفي ظلّ التّنكر للقانون الدّولي ولقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، وللوائح حقوق الإنسان العالميّة. والذي لم يعد غريبا هو موقف أنظمة التّطبيع العربيّ المجّانيّ التي تقف محايدة في الصّراع رغم أنّ نيرانه تلتهم بلدانها وشعوبها.
لكن ما يتهرّب منه حكّام إسرائيل وأمريكا وحلفاؤهم من عجم ومن عرب أنّ المنطقة لن تهدأ، وأنّ الصّراع لن ينتهي إلّا بحصول الشّعب الفلسطيني على حقّه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف والحديث يطول.
وسوم: العدد 1032