مظاهرات غزة مخطط للتهرب من الأحداث المشتعلة في الضفة والقدس وتقويض حكم حماس
انطلق المئات أمس ، الجمعة ، في مظاهرات في شمالي قطاع غزة ، وفي خانيونس ، احتجاجا على الأوضاع المعيشية الصعبة في القطاع ، ومنها أزمة انقطاع الكهرباء . المظاهرات استجابة لدعوة أطلقها عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الخارج الذين حددوا أهداف المظاهرات في " المطالبة بحقوقكم العادلة ، وإعلاء صوتكم بكل سلمية ضد الظلم وانقطاع الكهرباء والأوضاع الصعبة . " . ووجود أولئك النشطاء في الخارج يوضح هوية القوى التي تحركهم ، وفي مقدمتها السلطة الفلسطينية ، وإسرائيل بصورة خفية ، وبعض الدول العربية ، أي أن وراءهم مخططا شريرا ، والهدف الأول للمخطط التهرب من الأحداث المشتعلة في الضفة والقدس التي أعيت إسرائيل ، وشغلت جيشها ، وسلبت مستوطنيها الأمن ، وزعزعت مكانة السلطة الفلسطينية ، وأفزعت بعض الدول العربية ، وأولها الأردن لتأثره الفوري الحتمي بما يحدث في الضفة والقدس . صعوبة العيش في غزة مأساة كبرى : بطالة عالية لا شبيه لها في كل التخصصات والمهن ، وفي اختبار مهنة التعليم الأخير ، كان عدد الذين شاركوا فيه 40 ألفا ، ولن يوظف منهم إلا عدة مئات . ولا وجود للعمل في القطاع الخاص الفقير والمحدود الإمكانات ، والأجور فيه متدنية مؤلمة . وأزمة الكهرباء هم كبير مستقل بذاته إلا أنه من الظلم وسوء القصد أن تحمل حكومة حماس كامل المسئولية عن مأساة صعوبة العيش في غزة بكل تفرعاتها وتجلياتها الفاجعة . أي عيش يمكن أن يكون سهلا في مكان صغير مزدحم بالسكان ازدحاما هو الأعلى في العالم ؟! وفوق هذا هو محاصر إسرائيليا منذ 16 عاما ، والخروج من معبر رفح صعب ، والرجوع منه صعب ، والسلع التي توافق إسرائيل على إدخالها محدودة ، وتستثني منها أكثر من 400 سلعة بعلة أن هذه السلع ثنائية الاستعمال ، مدني وعسكري ، وهي تخشى العسكري . وللسلطة دور في أزمة الكهرباء . أليس ظلما منكرا أن تحتج حكومة رام الله منذ أيام على قطر احتجاجا شديد اللهجة بعد أن أعلنت قطر أنها ستمول تشغيل المولد الرابع في محطة كهرباء غزة ؟! ومن الذي اعترض منذ أسابيع على تزويد الجزائر غزة بكل احتياجاتها من الوقود ؟! قيل إن مصر لم توافق على التزويد الجزائري استجابة لطلب من السلطة ، والمهم المحزن أن العرض الجزائري الشهم الكريم رفض ، ولو قبل لحل أزمة كهرباء غزة المزمنة حلا نهائيا . والهدف الثاني لمخطط هو القضاء على حكم حماس في غزة ، وإعادة السلطة إليها بما تؤدي إليه تلك الإعادة من إنهاء للمقاومة فيها قوة بشرية وسلاحا ، وهو حلم إسرائيلي مزمن . كل فلسطيني وطني صادق الوطنية يبغض الانقسام ، لكنه يريد التخلص منه وطنيا لا خضوعا لحلم إسرائيل ، ولا وسيلة لإنهاء المقاومة . ولا نستبعد أن المخططين للمظاهرات ، على حسن نية من شاركوا فيها وشرعية مطالبهم وإنسانيتها ، أرادوها امتدادا دمويا لأحداث مخيم عين الحلوة التي ما زالت قابلة للتجدد . إسرائيل كلها في حال عسيرة داخليا وفي الجوار ، وكل ما فيها مهيأ للاحتراق ربما بأخطر مما تحسب ويحسب أعداؤها ، وظهور حركة قوية فيها تدعو إلى تقسيمها إلى دولة توراتية وأخرى علمانية ليست حدثا عابرا ، ومن خيرها وصالحها أن تخفف أعباءها في الضفة والقدس بتصدير الأحداث قدر الإمكان إلى غزة ، وتشاطرها السلطة الفلسطينية المأزومة المهمومة هذا الهدف ، وغزة يقل رحماؤها ويكثر أعداؤها الذين يرونها مكانا ملائما لتنفيس التوترات وإطفاء الاشتعالات التي تشغلهم وتضنيهم . وفرقت قوى الأمن المظاهرات القليلة العدد والمحصورة المكان سريعا ، والمتوقع أن يواصل الأعداء تحريك المظاهرات من جديد ، وتفعيل ما يقدرون على تفعيله من التوترات والاضطرابات . وكل من يفكر في الاستجابة لهم مطلوب منه أن ينظر إلى ما انتهت إليه حال الدول التي عصفت بها تلك التوترات والاضطرابات والاقتتال الداخلي ، وآخرها السودان الذي تقترب مأساته من إكمال شهرها الرابع . حين يصبح الإخوة أعداء في أي بلد ينطلق نحوه الموت والخراب . والعالم اليوم غابة ملتهبة بالنار والجنون ، وفلسطين فيها ما يكفيها من الدم والبؤس وأهوال الآلام التي ابتعدت عن قدرة التحمل البشري ، وغزة فيها أضعاف أضعاف ما يكفيها ، والدماء والبؤس وأهوال الآلام التي نكبت بها في سنوات معدودات لم تخلف فيها أي مساحة لجديد منها ، وإذا لم تحفظ نفسها قلبا واحدا وإرادة واحدة فلا حافظ لها .
وسوم: العدد 1044