مواقف خالدة في الثبات على الحق
"نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، موت الشهيد نجم يضيء الطريق للسالكين، ويدفع الابطال للجهاد.
هذا ما قاله الشيخ الجليل الشهيد عمر المختار لقاتليه وكانوا قد طلبوا منه الاعتذار كي لا يقتلوه
وهذا ما قاله سيد رحمه الله تعالى قبل الشنق:قل لا إله إلا الله ،قال وهل لهذا كانت حياتي كلها.
سيد أستاذي فالعمل الدعوي الإسلامي ، قرأت كتابه / معالم في الطريق/ الذي قتله عبد الناصر حين عراه بموضوعات هذا الكتاب ، فهداني الله تعالى بكتابه هذا إلى سلوك طريقه
تساءلت: لماذا ..؟؟ يقول سيد رحمه الله:
أخي أنت حرٌ وراء السدود أخي أنت حرٌ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما فماذا يضيرك كيد العبيد
أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها ترى الفجر يرمقنا من بعيد
أخي إنني اليوم صلب المراسِ أدُك صخور الجبال الرواسي
غدا سأشيح بفأس الخلاص رؤوس الأفاعي إلى أن تبيد
أخي إن نمت نلق أحبابنا فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
أستاذهما واستاذكم في هذا الموقف نبيكم الكريم إذ قال لعمّه : والله ي عمّ ،لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الامر ما تركته أو أهلك دونه. هكذا يكون العزم والتصميم ، هكذا يكون الثبات ، وهكذا تكون الإرادة.
لماذا قتل أصحاب الأخدود كلهم حرقاً ولم يتراجعوا عن دينهم؟!قال الطفل لأمه يا أمي اثبتي على الحق، ولا تتخاذلي،فخلّد الله ذكرهم في القرآن ( قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود)
كان من الممكن أن يكذبوا على الملك ويخفوا إيمانهم ويسكتوا عن الصدع بالحق، "لمصلحة الدعوة والدين" ؟!
قد يقول أحدهم :هل سيستفيد الدين من موتهم ؟ومن ينشر الحق بعدهم ؟ لماذا لم يستسلموا ؟
ويدّعي هؤلاء أنهم مستضعفون، ويجب ان يعيشوا ليقوموا بتربية جيل النصر جواب يدل على ضعف،وهل يبني جيلَ النصر من رضي الخذلان واستخزى للكفر؟ الطريق إلى الحق واضح المعالم لا خوف ، لا تسويف ، لا تلكُّؤ، بل شجاعة وثبات وعزيمة .
- لماذا لم يستسلم سيدنا ابراهيم للنمرود الذى كان يمتلك القوة والبطش والظلم والجنود والسجون وأدوات التعذيب: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك، إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويمت ، قال أنا أحيي وأميت ،قال إبراهيم فإن الله ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب ، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين. حاجّه وأربكه ، فتلعثم واستبان عجزه، ففعل ما يفعل الظالمون بخصومهم ، السجنُ القتل، الإذلال،الإحراق، الإغراق، وأوثق سيدَنا إبراهيمَ والقاه في نار عظيمة تدل رقعتها الكبيرة على عظيم حقده وغيظه. فأنجاه الله تعالى حين سلب النار -وهي من عظيم خلق - خاصية الإحراق وترك ضوءها يجعل الليل نهاراً فكانت النار ، بل كان ضياؤها دليل قدرة الله تعالى وصدقِ الدعوة والداعية :(يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وارادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين) كادوا لسيدنا إبراهيم فانقلب كيدهم عليهم، ونصر الله عبده إبراهيم : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويقوم يقوم الأشهاد: نصره الله في هذه الدنيا وسينصره في الآخرة ، وفي النصرين رفعة له عليه السلام ، وخزي لمن عاداه في الدارين.
- لماذا لم يستسلم سيدنا عبدالله بن حذافة لقيصر الروم الذي أغراه بملذات الدنيا وعذبه برؤية الأسرى وهم يحترقون في الزيت المغلي، فلما أيس منه قال أتقبّل رأسي، وأعفو عنك وعن بقية الأسرى؟ قال نعم ، فعل ذلك لينقذ نفسه وإخوانه ، وقد فرض احترامه وتقديره على عدوه الملك وعلى حاشيته وضرب المثل في الشجاعة والحكمة وبعد النظر، وحُسن التصرُّف...وقبل عمر راس حذافة رضي الله عنهما. إكراماً وإقراراً بجميل ما فعل وعظمة موقفه. وقال حقاً لكل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة...هكذا يُكَرَّم الكرام.
- لماذا لم يتراجع الامام ابن تيمية أمام ظلم الحاكم حين سجنه في سجن القلعة بدمشق حتى مات ، قال قولته المشهورة!سجني خلوة ، وإخراجي من بلدي سياحة ،وقتلي شهادة.فَمِمّ يخاف؟ والسجن لقاء بالله طويل دون معوقات الحياة ومتطلباتها، والإخراج من البلد طرداً تعرّلإٌ على أناس آخرين وأصدقاء جدد ، أما الموت فشهادة يسعى إليها الصادقون الراغبون بالآخرة، وجناتها. وصحبة الأنبياء والصديقين والشهداء.
- أما العز بن عبد السلام فلم يتراجع عن قول الحق وفعله أمام الصالح إسماعيل ملك دمشق حين سمح للصليبيين أن يدخلوا دمشق ويبتاعوا من أهلها السلاح، فخطب سلطان العلماء أمام الأمة يُحرِّم بيع السلاح للصليبيين ، ويأمر الرجال أن يمنعوهم من دخول دمشق ما استطاعوا مما أغضب الحاكم، فلم يستطع فعل شيء فأهل دمشق يثقون بالشيخ عز الدين بن عبد السلام ولا يثقون بالخائن إسماعيل، الذي قتل حين حارب أخاه الصالح أيوب ملك مصر واستعان عليه بالصليبيين ، هاجر ابن عبد السلام إلى مصر بعد اصطدامه بالصالح إسماعيل فاستقبله اهل مصر ولم تمض سنوات قليلة حتى وصل المغول إلى بلاد الشام واحتلوها وقتلوا المليين من أهلها وهددوا باجتياح مصر وهدّدوا المصريين وحكامه المماليك ، فجهز المماليك أنفسهم واختاروا السلطان قطز رحمه الله لقيادتهم، وارادوا جمع المال من المصريين فأمرهم أن يصرفوا من أموالهم فإن لم تكفِ جمعوا من الشعب ، وقف أمام المماليك بقوة وأجبرهم على ذلك وباعهم وهم الحكام قبل حرب المغول في عين جالوت،
لماذا فعل ذلك؟ لقد ارادوا جمع المال من الأمة وقد جمعوا في خزائنهم ما سرقوه من الأمة، فمنعهم سلطان العلماء العز بن عبد السلام إلا أن تفرغ خزائنهم فرضخوا له مضطرين حين رأوا من صلابته في الحق واذعنوا له رحمه الله.
يترجم الاديب الرائع علي الطنطاوي الدمشقي رحمه الله في كتابه / قصص من التاريخ/ لسلطان العلماء ، وهي ترجمة تستحق أن تُقرأ لما فيها من فهم الشيخ ابن عبد السلام للحياة وللدين والعلم والسياسة، تستحق القراءة لما فيها من فائدة.
تعتقدون لو تراجع من تحدثنا عنهم ،وهم مثال بسيط لهمم الرجال ، لو تراجعوا ورضوا بالمداهنة والعمل من وراء الكواليس ، ولن يعملوا ما داموا قد رضوا بالدونية ،هل كان سيخرج منهم جيل النصر؟
لا ورب الكعبة ابداً، كان سيخرج جيل يخاف أن يصدع بالحق وسوف يركن إلى الجحور التى تربوا فيها.. والضعف الذي اعتادوه والنفاق الذي درجوا عليه
ويتحول الدين مِن صدع بالحق الخالص لوجه الله تعالى لدين يحاول التعايش مع الظلم والكفر فيضيع الدين ..
لقد كانت مواقف هؤلاء كانت " لحظة فارقة " ..
إما النصر وأوله الثبات على الحق والصدعُ به أياً كانت العواقب، هذه اللحظة لا يصلح فيها السكوت أو الحيادية
وإما لحظة الضعف والخور والتراجع ،
وليس هناك من وسط ، ولا يصح أن يكون هنا وسط، فالوسط هنا تمييع للموقف الصحيح وتضييع، ..
إما أن تموت ثابتا على الحق وهذا هو النصر وإما أن تتنازل وتعيش مهزوماً..
فهل ضاع الدين بعد موتهم هؤلاء الأبطال والرجال الرجال؟ هل انتصر الكفر عليهم ؟ لا .....لقد انتصروا هم ، فخلدهم التاريخ وكانوا مثالاً يُحتذى
رحم الله خالداً ورضي عنه ، لغدوة في سرية في صباح يوم بارد أحب إليَّ من فراش دافئ مع فتاة جميلة ،،لن نقارن أنفسنا بهمته ، فالشأوُ واسع بين الجبل والوادي .لكننا نلوذ بسيرتهم علّنا نقتدي بهم ما وسعنا الاقتداء ، أليس خالدٌ رضي الله عنه هو القائل حين حضره الموت : حضرت زهاء ثمانين معركة، وما في جسمي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أناذا أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء
عاش الحق الذي صدعوا به ووصل إلينا نحن لكي يقول لنا رسالة واضحة :
يقول: اصدعوا بالحق وكونوا رجاله ، من نافق ليس منا ، ومن تخاذل خرج من الصف،
واعلموا سبب وجودكم أيها الناس كونوا كما أمر المولى وإلا كنا في مؤخرة الأمم وذيل البشرية، وعشنا كما تعيش البهائم للأكل والشرب والنكاح، وجمع المال .
اشف القلوب
إلى المجاهدين الذي بذلوا أرواحهم لله تعالى ، فراحوا يصبون الرعب في قلوب اليهود المغتصبين – في العفولة وغيرها ........ أهدي نياط قلبي
اضرب ، سلمتَ ، كأنك الإعصار واشف القلوب .. فسيفك البتارُ
وأذقْ يهـودَ مذلـة.. ومهـانـة فبعزمك الماضي ..العدا تنهار
لا يرعوون .. إذا أتيت مسـالماً ظهـروا عليـك كأنهم أحرار
وإذا هـدرْت مجاهـداً ومهاجماً ذابـوا فـما بانت لهم أخبـار
فكأنـك القـدَرُ العليُّ مهـابـةً وهُـمُ إلى درْك المهانة صاروا
يا ابن العقيـدة لم يُراعـوا ذمّةً فالغـدر فيهـم راية .. وشعار
فـإلى متى نبقى بغيـر هُوِيّـةٍ ولنـا من الذكـر الحكيم نهار؟
وإلى متى نُـزجَى لكل مهانـةٍ يدعـو إليهـا مرجف ..خوّار
لفظَتْه أشبـال العرين فبـاء في ذل العمالـة ، واكتَوَتْه النـار
...........
ومضى الشباب على الجهاد مصمماً وإلى الشهـادة طارت الأوطار
يتفجرون صواعقاً في حومة الـ حـق المبين ، ودربُهـم أنوار
لا يعبأون.. أيرجعون.. لأنهـم وهبوا المليك نفوسهم واختاروا
فـإذا نجَـوْا عادوا إليهـم كرّةً وإذا قضَـوْا فالسـادة الأبرار
صدقوا الإلـهَ جهادَهم فأعزّهـم دنيا وأخرى ..بالكرامة ساروا
هم قدوة الأبطال في ساح الحمى وعلى خطاهـم يَنهج الثـوّار
والنصر يمشي في ركابهمُ وقـد فاز الشبـابُ المؤمن المغوار
وسوم: ألعدد 1056