تداعيات ينظمها خيط نفسي
تابعت فيلم عمر المختار، وأنا شاب في الثلاثين.. حتى الآن أنا أشكو من غياب السينما الهادفة عن تقديم قضايانا، لجمهورنا أولا، وللآخرين ثانيا… تابعت كثيرا من أفلام المحرقة النازية، وتعاطفت مع ضحاياها، وترسخ في قلبي وعقلي كره الفعل النازي والفاشي ومشتقاته. طبيعة الأفعال، وليس جنسية الفاعلين!!
واستمعت منذ قليل لأنشودة "معليش" المبنية على كلمة البطل "وائل الدحدوح" "ينتقمون منا في الأولاد معليشششش"
تمنيت، وما أكثر الأماني، أن تترجم الأنشودة، بكلماتها ولحنها وصورها، لكل لغات العالم.. ليسمعها كل ذي قلب..
وتابعت فيلم عمر المختار وأنا شاب في الثلاثين، استوقفني فيه أمور.. منها فريق المثبطين من أدعياء الفقه والحكمة، الذين كانوا يتعالمون، أو يستأتذون على الثائر البطل، فينصحونه بالخضوع للمستعمر الفاشي، معززين نصائحهم، بالمجازر التي كان يوقعها الفاشي بالأبرياء من الليبيين..
أبقِ على نفسك وعلى أهلك، يقول أدعياء النصح!! وأسمعهم الآن على كثير من المنابر يوزعون.. وعلى صفحات الكثير من المجموعات يثرثرون.. من كان يظن أن معارك تحررنا نزهة فلا كان ولا كان ظنه..
والملاحظة الثانية المتبقية في ذاكرتي من فيلم عمر المختار؛ صورة الفتى الذي هزه المصاب، وانسدت عليه السبل، ولم يعد يعرف ماذا يفعل، فأخذ يلطم ثم يصرخ ثم يتساءل: ماذا أفعل؟؟ ثم يجيب نفسه: "سألتحق بسيدي عمر…"
شاهدت الفيلم ربما سنة ١٩٨٠.. أو ١٩٧٩ بعد خروجنا من سورية، بصحبة أستاذنا وأخينا الكبير محمد الحسناوي رحمه الله تعالى، أذكر أنني يومها التفت إليه وقلت له: نحن نحتاج إلى سيدي عمر يا أخي…
وأظنها كلمة باقية في ذاكرتي كما في واقعنا..
قرأت من كلمات الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، زعيم حركة فتح- وأظل أردد "ومن قال الناس كلها سوا بلاه الله بعلة ما لها دوا"، تابعت من كلماته أنه حين زار الصين في الستينات بصفته، وقابل زعيمها ماو، وطلب منه باسم فتح نصائح نضالية، قال له ماو: نحن استفدنا كثيرا في تجربتنا النضالية، من دروس رجل من قومكم اسمه "عبد الكريم الخطابي" أنا أعرف أشياء عن عبد الكريم الخطابي، ولكنني لم أدرس تجاربه النضالية في مقاومة الاحتلال الاسباني في الريف المغربي..
ماذا يعني الريف المغربي؟؟
وننشد إلى مصر فتطوان..
في وحدتي وفي وحشتي وفي ضعفي أتابع المشهد الفلسطيني والغزي منه بشكل خاص.. ربما كان المشهد في الضفة أكثر إثارة للشجا منه في القطاع..!! تحليل ذاتي، يعبر عن مشاعر ذاتية، لا أفرضها على أحد..
وربما بعد أن أنهي كتابة هذه الكلمات سألتفت إلى زوجتي فأسألها: ومتى ستحضرين لنا وجبة الافطار!!
وقد لا يكون في ذا تثريب عليّ، ولكن التثريب كل التثريب، على الرجل الأول، في العواصم الأولى، في عالم المسلمين، يقول كلاما، يجعلك تظن أو تخال أو تحسب، أن كل موازين، المعركة قد انقلبت بعد هذا الكلام، فتعقد على أصابعك، تعد كلماته، تترنم بنبرة صوته، تزف البشرى إلى أهل المشرق والمغرب..
قد جاء موسى
وألقيت العصا
وانكشف السحر والساحر..
ولكن صاحبك هذا بعد هذه الكلمات الحاميات، يلتفت إلى سكرتيره، وماذا عندنا على جدول الأعمال اليوم؟؟
لا أعتد على الناس بشيء، وأزعم أنني قادر على فهم طبيعة المواقف السياسية إلى حد كبير
زعم بوتين أنه ينظر إلى صور أطفال غزة ويبكي..!!
واستمعت جيدا إلى حديث الرئيس الإيراني، وأستمع دائما إلى أحاديث وزير خارجيته، لعل أجد في الفحوى فرقا بين ما يطالب به هو وما يطالب به أعتى المطبعين العرب..!!
لن أقول لقد انكشف موقف محور المقاومة والممانعة عن سوأة سوآء فهو بالنسبة إلي، وإلى سواد عام من أبناء أمتي مكشوف منذ ومنذ ومنذ ولكل بصير درجة من بعد الرؤية..
لا أزعم أنه كان بالنسبة إليّ مكشوفا منذ البداية، أنا لا أفرز المواقف طائفية، كما يصر بعضهم اليوم على أن يردي حراكنا الوطني الحر في السويداء..
هل انكشف الموقف الصفوي بالنسبة إليّ تراكميا أو بالضربة القاضية، ذلك أمر آخر.
لا يجانب الحقيقة كثيرا من يزعم أن دور هذا المحور اليوم هو نفس دور ابن العلقمي.. شرح دروس التاريخ أمر يطول..
وأحب في هذا السياق أن أشيد بمواقف البرتغالي الإنسان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش، الذي قال في الجريمة الصهيونية ما لم يقله رئيس عربي بعد..
وأحب أن أنهي بهذه الحكمة العربية: إن الحرب التي تنتج حربا لا يقال إنها حسمت، لم تحسم هذه الحرب في العراق ولا في سورية ولا في اليمن… ولا في فلسطين ولا في فلسطين حتى يستقر الهرم على قاعدته… ويعود الحق إلى نصابه…
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى
وتبقى حزازات الصدور كما هيا..
وسوم: ألعدد 1056