العربيُّ يرثي قاتِلـَه! (ما لم يَقُلْه الحارثُ بن ظالم)

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

ونَجْمَةٍ مِهذارةٍ،

في عِيِّها،

شِفاهُها مِنَ الدِّماءِ سائلَةْ!

وقَيْسُنا،

كتَيْسِنا،

يَمُوْتُ في غَرامِ عَنْزٍ لِلتُّيوسِ قاتِلَةْ!

*   *   *

كالنَّرْجِسِ البَرِّيِّ،

عادَ قَوْمُ (نُوْحٍ) كُلُّهُمْ،

بِخَيْلِهِمْ ورَجْلِهِمْ،

أَسْرابَ طَيْرٍ مِنْ نَوافِذِ السَّفِينَةِ،

الَّتي يَهْتَزُّ صَدرُها عَلَى لُجِّ الدِّماءْ

عادَتْ ضُحًى،

إلى القُلوبِ الذَّائباتِ في نَبِيْذِ نارِها،

يَفُورُ مِنْها كُلُّ تَنُّورٍ دَمًا،

وكانَ أَمْسُهُ يَفُورُ كَوْثَرًا مِنَ الغِناءْ!

*   *   *

يا أَيُّها النُّجومُ،

يا ذاتَ الشِّفاهِ مِن خُلاصَةِ الغَباءْ!

يا أَيُّها السَّفِينَةُ الْـ يَهْتَزُّ جِذْعُها عَلَى البَحْرِ الجَحِيْمِ،

مُقْفِرًا مِنَ الحَياءْ

تحتَ الشُّمُوسِ،

والعُيُونُ في مَدارِها العَماءْ

لَنا هُنا ما لَيسَ في قامُوسِكُمْ:

لَنا النُّجومُ كُلُّها،

لَنا السَّماءْ

لَنا التُّرابُ،

والخُطُوطُ، عَرضُها في طُولِها،

لَنا (فِلَسْطِيْنُ) الإِباءْ

حَيْثُ الثَّرَى المُقَدَّسُ..

وحَيْثُ جَبَّارُ الشُّعُوبِ،

تَعْرِفُوْنَ "عَهْدَهُ القَدِيْمَ"/

تَشْرَبُوْنَ "عَهْدَهُ الجَدِيْدَ" مِنْ يَدَيْ أَطْفالِهِ،

وكُلُّ طِفْلٍ قامَ في كِيانِهِ (يَسُوْعُ)،

يُبْرِئُ العَمَى،

ويُبْرِئُ البُرْصانَ،

والعُرْجانَ،

والعُورانَ،

والحُوْلانَ مِنْكُمُ،

ويُحْيِيْ مَوْتَكُمْ بِمَوْتِكُمْ؛

تِرْياقُ كُلِّ لَدْغَةٍ بِلَدْغَةٍ،

وداءُ كُلِّ حالَةٍ كُلُّ الدَّواءْ!

*   *   *

وأَنْتُمُ،

ما أَنْتُمُ؟!

وما وَراءَ تَعْسِكُمْ مِنْ الوَراءْ؟

يَـبِيْضُ طَيْرُكُمْ عَلَى غُصْنِ الهَواءِ،

خابَ طَيْرٌ وَكْرُهُ عَلَى الهَواءْ!

لا عَيْنَ في العَيْنِ،

سِوَى سَفِينَةِ القُرصانِ،

تَسْرِيْ في فَضاءِ تِيْهِها،

مِنْ (طُوْرِ سَيناءٍ) إلى طُوْرِ الفَضاءْ

سَفِينَةُ القُرصانِ لَنْ تَنْجُوْ مِنَ الطُّوفانِ،

مَهما أَبْحَرَتْ في وَهْمِها وأَبْحَرَتْ،

بِلا صَباحٍ يُرْتَجَى ولا ارْتِجاءْ!

*   *   *

"فأُقْسِمُ ، لَولا مَن تَعَرَّضَ دُوْنَكُمْ،      

                                   لخالَطَكُمْ صافِـي الحَديدةِ صـارِمُ!

يَمينَ امرئٍ لم يَـرْضَعِ اللُّؤْمَ ثَدْيَـهُ      

                                   ولَـمْ تَتَـكَـنَّـفْهُ العُروقُ الأَلائمُ"(1)

*   *   *

لكِنْ..

و"لكِنْ" تحتَها ما لا يُعَدُّ مِنْ قُرُوْنٍ،

ضَجَّتْ الشِّياهُ فِيها بِالثُّؤاجِ، واليُعارِ، والثُّغاءْ: ذ

يَظَلُّ سِرُّنا هُنا وسِرُّكُمْ،

ونُقْطَةُ الوَهْنِ العَتيقِ عِنْدَنا،

لا عِنْدَكُمْ،

وعُقْدَةُ اللِّواءِ،

في عَقِيْدَةِ الوَلاءِ والبَراءْ:

في كُلِّ صَدْرٍ يَعْرُبِـيٍّ:

مُضْغَةٌ،

تَمُوْتُ في رَصاصِ لَيْلَى قاتِلَةْ!

قَدْ لا يَكُوْنُ جَدُّها مِنْ (عامِرٍ)؛

لكِنَّ (قَيْسًا) جَدُّهُ مِنْ (باهِلَةْ)!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البيتان منسوبان إلى (الحارث بن ظالم المُـرِّي). وكان من المقاومين الأشاوس للتدخُّل الأجنبي- الفارسي أو الرُّومي- في بلاد العَرَب، قُبيل الإسلام. وقوله: "لم يَرْضَعِ اللُّؤْمَ ثَدْيَهُ"، أي: لم يَرضَع ثَدْيَ اللُّؤمِ.

وسوم: العدد 1057