القرآن الكريم والسنة المشرفة يحددان للأمة المسلمة طبيعة علاقتها بغيرها من الأمم
بداية لا بد من وجود اعتقاد راسخ لدى المسلمين بأن كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما المرجعان الأساسيان اللذان يجب عليهم اعتمادهما في كل ما يعتقدونه ، و في كل ما يكون لهم من مواقف ، ومن تصرفات ، وهذا يعني عدم الخلط بينهما وبين مرجعيات أخرى بذريعة أن هذه الأخيرة قد تلتقي معهما في أمور، لأنهما يمثلان الرسالة الخاتمة الموجهة إلى الناس أجمعين حتى يحين يوم الدين .وإذا ما أقرت المرجعية الإسلامية بعض ما في تلك المرجعيات مما هو موافق للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها ، فذلك من تصديق ما سبق في رسائل سابقة من عنده عز وجل ، وقد هيمنت عليها الرسالة الخاتمة .
ومن المعلوم أن العالم كان ، ولا زال ، وسبقى دائما إلى نهايته في اليوم الآخر عالما تختلف، وتتعارض ، وتتصارع فيه المرجعيات المختلفة ،وقد تلتقي وتتعايش في حدود . وكل مرجعية من تلك المرجعيات، تحدد لمن يتبنونها كيفية التعامل مع غيرهم ممن لهم مرجعيات أخرى مخالفة لها .
وبناء على هذا ، فإن المرجعية الإسلامية تحدد للمسلمين كيفية التعامل مع غيرهم من الأمم التي لها مرجعياتها الخاصة بها ، ولا تسمح في هذا الصدد بإملاءاتها أو فرض سلطتها عليهم، إذ لا سلطة للخلق على بعضهم البعض مع وجود سلطة الخالق سبحانه وتعالى .
ومن القضايا التي أثيرت مؤخرا في بلادنا ، وفي غيرها من البلاد العربية والإسلامية قضية العلاقة مع أهل الكتاب وتحديدا اليهود منهم خصوصا أولئك الذين يجمعون بين انتماءين أو لنقل بين جنسيتين : جنسية إسرائيلية تفرضها المرجعية الدينية اليهودية ، وجنسية أخرى تكون في إحدى الدول العربية أو الإسلامية يستفاد منها بسبب شهادة ميلاد أو الإقامة فيها. وشتان ما بين جنسية تمليها مرجعة دينية ، وأخرى تدعو إليها المصلحة .
ولا يمكن لأية جالية يهودية أن تتنكر لمرجعيتها الدينية ، الشيء الذي يعني أنها تصدر في تحديد علاقاتها مع غيرها من الأمم عنها دون غيرها ، وإن لم تفعل، فإنها تكون في حكم الفاقدة لعقيدتها . والمعلوم عن المرجعية الدينية اليهودية أنها تعتبر اليهود عرقا فوق كل الأعراق البشرية، بل أكثر من ذلك يعتبرون أنفسهم أبناء الله ـ تعالى عما يصفون ـ وأحباؤه، ويشترك معهم في هذا الزعم النصارى أيضا كما أخبر بذلك القرآن الكريم الذي فنّد هذا الذي يزعمونه في قوله تعالى : (( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )) ، وهذه الآية الكريمة كافية وحدها لإبطال ما يعتقده اليهود والنصارى في أنفسهم من تميّز عن باقي البشر ، بل من اختلاف طبيعتهم عن الطبيعة الناسوتية . وعن هذا الاعتقاد الباطل الذي وراءه مرجعية دينية ، يتصرف اليهود والنصارى باستعلاء على باقي الجنس البشري ، وهو ما يعكسه استعبادهم للناس ، واعتداءهم عليهم ، وعلى حقوقهم ، وأرواحهم ، كما هو الحال اليوم في أرض فلسطين حيث تواطأ اليهود والنصارى على سلب هذه الأرض من أهلها ، وما ذلك إلا مما تمليه عليهم مرجعيتهم الدينية ، واعتبار مواجهة هذا الاعتداء إرهابا يجب أن يستأصل لتظل فكرة تميّز اليهود والنصارى هي السائدة ، والمهيمنة ، الشيء الذي يخول لهم الاستفادة من مصالح مادية ومعنوية ، لا يمكن أن يشاركهم فيها غيرهم ، أو ينافسهم فيها ، وإلا أعلنوا عليه الحرب الضروس.
ومقابل التزام اليهود والنصارى بالتقيّد الحرفي بمرجعيتهم الدينية اليهودية والنصرانية ، نجدهم ينكرون على المسلمين التزامهم بمرجعيتهم الإسلامية التي يعتبرونها مرجعية محرضة على الكراهية ، وعلى العنف والإرهاب ... وفي الوقت الذي لا نجد خلافا بين اليهود والنصارى بخصوص التشبث بمرجعيتهم الدينية، وما تمليه عليهم من مواقف ، نجد في المقابل المسلمين منقسمين فيما على أنفسهم ، ذلك أن فريقا يصدر عن التزام المرجعية الإسلامية فيما يخص العلاقة مع اليهود والنصارى تماما يفعل اليهود والنصارى مع مرجعيتهم الدينية ، وفريق يساير هؤلاء في اتهامهم للمرجعية الدينية الإسلامية وهم محسوبون عليها . وهذا الفريق يدفع في اتجاه ما يسميه تقارب المرجعيات الدينية وتعايشها على ما فيها من اختلاف وتباين هوتهما سحيقة حين تعرض نصوصها الدينية .
وبعودة المسلمين إلى مرجعيتهم الدينية لالتماس توجيهاتها بخصوص طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون لهم مع غيرهم من ذوي المرجعيات العقدية المختلفة ، تواجههم نصوص قرآنية ونصوص الحديث الموضحة لهذا الغير المختلف عنهم عقديا ، والذي له التزام بحكم مرجعيته الدينية التي تحدد له طبيعة العلاقة معهم ، وأكثر من ذلك مع الخالق سبحانه وتعالى .
وفيما يلي بعض تلك النصوص التي تفرض على المسلمين علاقات معينة ومحددة مع أهل الكتاب من يهود ونصارى :
وأول تلك النصوص فيها نهي عن وجود أي ولاء بينهم مصداقا لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) ، ففي هذه الآية الكريمة نهي جلي لا غبار عليه يمنع من وجود ولاء بين المؤمنين وبين اليهود والنصارى ، لأن وجود مثل هذا الولاء يجعهم منحشرين معهم في مرجعيتهم ، وهي مرجعية تحثهم على الظلم لما طالها من تحريف عن أصلها الذي جاء من عند الله عز وجل ، وهو تحريف يشهد عليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (( من الذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع و وراعنا ليّا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا )) ، ففي هذه الآية الكريمة حديث جلي يدل على أن ما أنزل الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام، وبلغه إلى اليهود قد حُرّف ، وأنهم رفضوا ما أنزله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعصوه ، ورفضوا الاستماع إلى ما أنزل عليه ، واستوجبوا بذلك لعنة الله عليهم بسبب تحريف ما أنزل إليهم ، وبسبب كفرانهم بما أنزل على المؤمنين ، والذي فيه ذكر تحريفهم للتوراة من قبيل وصف الله ـ تعالى عما يصفون علوا كبيرا ـ بالفقر ، والبخل ، مصداقا لقوله تعالى : (( وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يده مبسوطتان ينفق كيف يشاء )) ، وقوله أيضا : (( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق )) ، ففي هذه الآية الكريمة يقرن الله تعالى بين معصية الاجتراء على ذاته المقدسة من خلال وصفه بما هو منزه عنه ، وبين جريمة قتل الأنبياء ، وهي جريمة قد تكرر ذكرها في القرآن الكريم . وإذا كان الأنبياء لم ينجوا من القتل في المرجعية اليهودية ، فكيف يكون حال سواهم من عامة الناس ؟
ومما وصفهم به الله تعالى نقضهم العهود ، مصداقا لقوله تعالى : (( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم )) ، ففي هذه الآية الكريمة تصريح واضح بأن اليهود لا عهود ، ولا مواثيق لهم، بل يتناوبون فيما بينهم على نقضها ، وهم بذلك لا يؤمنون.
ومما ذُكر به اليهود في القرآن الكريم أيضا أنهم يوقدون نيران الحروب ، ويفسدون في الأرض مصداقا لقوله تعالى : (( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحبون المفسدين )) ، ففي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن دأبهم هو إيقاد نيران الحروب ، والفساد في الأرض، وأقبح بهما من صفتين ذميمتين.
وبناء على ما تقدم من تحريف اليهود لما أنزل الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام ، ومن ادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه افتراء عليه ، ومن جسارتهم عليه ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ من خلال وصفه بما هو منزه عنه ، ومن قتلهم للأنبياء ، ومن إيقادهم لنيران الحروب ، ومن سعيهم بالفساد في الأرض ، ومن نقضهم العهود... إلى غير ذلك مما ورد ذكره عن سوء أفعالهم في كتاب الله عز وجل ، وفي أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، نستغرب أن يتلى بيننا هذا الكتاب بالليل والنهار في صلواتنا الخمس ، وفينا من لا يلقون بالا لما حذرنا الله تعالى من مكر اليهود بالمؤمنين، فيتخذونهم أولياء ، ويتجاهلون جسارتهم على الخالق سبحانه وتعالى ، وجرأتهم على قتل الأنبياء وهم صفوة خلقه ، وتكذيبهم لما جاء به رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو مصدق لما بين يديهم ومهيمن عليه ، وسعيهم بالفساد في الأرض ، وتسعيرهم لنيران الحروب ... وكأن الله تعالى لم يحذرنا من مغبة كل ذلك ، و فينا من يعلمون ذلك علم اليقين ، ومع ذلك يصرحون باتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين ، ويصرون على ذلك إصرارا ، ويعلنونه إعلانا دون اكتراث من مخالفة أوامر الله تعالى، وما يترتب عن ذلك من سوء العاقبة وسوء المصير ، ودون وخز من ضمائر ، ودون أدنى اعتبار لمشاعر المسلمين ،أو اعتبار لدمائهم التي تهدر ، وأرواحهم التي تزهق ، وبيوتهم التي تهدم بأيدي أحفاد قتلة الأنبياء الذين تغريهم مرجعيتهم المنحرفة بالقتل والإفساد في الأرض .
فهل سيلتزم المسلمون بعد هذا الذي حدث مؤخرا في أرض الإسراء والمعراج، وهم عليه شهود بما تحثهم عليه مرجعيتهم الإسلامية بخصوص كيفية تعاملهم مع من حذر الله تعالى منهم أم أنه سيجعلونها وراء ظهورهم مستعجلين غضبه الشديد عليهم، وفجاءة نقمته ؟؟؟
وسوم: العدد 1059