مسؤولية حماية الأقصى حاضرة وجلية وإجرائية عند الفلسطينيين لكنها مغيبة عند عموم الأمة الإسلامية عربها وعجمها

لا أجد ما أفتتح به هذا المقال يكون أبلغ من عبارة وردت في خطبة جمعة، ألقيتها قبل ما يقارب أربع سنوات خلت بمسجد ابن حزم بمدينة وجدة ، وكانت المناسبة هي  تطبيع دولة الإمارات مع الكيان الصهيوني ، فجاء على إثر ذلك أمر بتوقيفي عن الخطابة من طرف الوزارة الوصية على الشأن الديني  بتهمة معاتبة الحكام العرب ،والعبارة هي كالآتي  :

" أرض فلسطين وقف إسلامي ، لا يباع ، ولا يشترى ، وتقع مسؤولية حمايتها على عموم المسلمين ، وأكثرهم مسؤولية حكّامهم الذين قلّدهم الله عز وجل أمر دينهم ودنياهم ".

واليوم ، وقد استعرت نار الحرب أكثر مما كانت تستعر من قبل  بين أهل غزة  خصوصا، وأرض فلسطين عموما ، وبين الصهاينة ، وقد قدح زنادها طوفان الأقصى ، الذي كان عبارة عن مباغتة المقاومة في غزة العدو الصهيوني  بهجوم  مفاجىء خاطف أذهله ، كما أذهل حلفاءه في الغرب. ولم تكن إضافة هذا الطوفان إلى الأقصى اعتباطية، بل كانت معبرة عن غضب  فلسطيني مشروع  سببه تمادي جماعات  المستوطنين الصهاينة  المتطرفين  في تدنيس الأقصى ، وإهانة أهله بكل أنواع الإهانات، مع الاعتداء المتكررعليهم يوميا ، والعالم خصوصا الغربي يتفرج على ذلك ، ولا يحرك ساكنا ، الشيء الذي أدى إلى الحدوث المفاجىء لهذا الطوفان الذي لم يتوقعه العدو الصهيوني المتغطرس، ولا الذين صنعوا غطرسته من الأنظمة الغربية التي تدعمه بلا حدود ، وبلا شروط.

ومعلوم أن  إرادة الله عز وجل قد جعلت الطوفان أداة تدمير، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم  في سياق سرد قصة طوفان نبي الله نوح عليه السلام . وبالرغم من أن طوفان غزة مجازي ، فإنه لا يخلو من قوة التدمير التي جعلها الله تعالى في الطوفان الحقيقي ..

وما سمت المقاومة في غزة هجومها على العدو الصهيوني طوفانا إلا ليكون تعبيرا عن نفاذ صبرها ، و شدة غضبها من المساس الصهيوني  المتعمد  بقدسية الأقصى، أولى القبلتين ،وثالث الحرمين الشريفين ، وهو وقف تقع مسؤولية حمايته على الأمة الإسلامية جمعاء عربها وعجمها ، وعلى رأسها ولاة أمورهم.

وإذا كانت مسؤولية حماية الأقصى جلية بالنسبة للشعب الفلسطيني  من خلال تحركه الإجرائي  لحمايته ، فإنها مع الأسف الشديد مغيبة عند عموم الأمة الإسلامية التي لا يزيد موقفها عن حراك سرعان ما تنطفىء جذوته ، وحكامها لا يزيد موقفهم عن عبارات الشجب والتنديد التي استنفدت كل صيغها الممكنة ، وباتت مستهلكة، لا يبالي  بها لا العدو الصهيوني ، ولا من يدعمونه في الغرب .

وأكبر مغالطة يعتمدها الكيان الصهيوني ، ومن يوالونه أن طوفان الأقصى لا مسبب له عندهم وهم يتجاهلونه ، أو هو فعل وليس رد فعل مسبوق بفعل تدنيس ، وتهديد المسجد الأقصى بذريعة إنشاء هيكل مزعوم . ولا زال الجميع يتحدثون عما يسمونه عدوان وإرهاب  المقاومة في غزة ، وكأن رحاب الأقصى،  لم تكن  قبل الطوفان ،تشهد يوميا تدنيسا له ، وعدوانا على أهله ، ومنعا لهم من أداء صلواتهم فيه . ولم يتحرك الغرب يومئذ كما تحرك اليوم بأساطيله في عرض البحار منخرطا مع الكيان الصهيوني في حرب  تدمير قطاع غزة تدميرا شاملا ، وتقتيل ، وتهجير أهله قسرا، لأغراض لم تعد خافية على أحد ، وقد فضحها، وشهد بها شهود منهم .

ويا ليت شعري ما الذي يمكن أن يقوله اليوم الوزير الوصي عن الشأن الديني  عندنا ، والذي عاقبني بالتوقيف عن الخطابة ، لأنني ذكّرت  الأمة  بمسؤولية حماية الأقصى المهدد بالزوال  ، وغزة  قد صارت خرابا ، والآلاف من أهلها بين قتيل، وجريح ، ولاجىء ، ومحاصر ، وقد جوعوا ، وحرموا الطعام ، والشراب ، والدواء.... ، وطائرات العدو التي زودته بها دول الغرب تصبب عليهم الحمم ليل نهار بلا هوادة ؟ وماذا يمكن أن يقول مندوبه الجهوي الذي تولى استفساري ، وإخباري بقرار التوقيف ؟ وماذا يمكن أن يقول مجلسه العلمي  المحلي الذي لم يرع فيّ إلا ولا ذمة ، ولم يشهد شهادة حق ، وهو مستأمن عليها، بأنني ما قلت إلا ما كان  يمليه واجب الخطابة على كل من يعلو منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي شهادة  من شأنها أن تشهد له عند لقاء الله عز وجل يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ، والأمر يومئذ لله ؟ والمؤسف جدا أن أكثر منابر  الجمعة اليوم  تبخل حتى بمجرد الدعاء لإخواننا وهم في أشد محنة بله تثير قضيتهم العادلة ، وهو واجب شرعي كتابا وسنة .

فها هي اليوم أحداث غزة تؤكد ما قلته قبل أربع سنوات عن طبيعة اليهود، كما صورها رب العزة جل جلاله في محكم التنزيل ، وقد تجاسروا على ذاته المقدسة تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وقتلوا رسله وأنبياءه ، وكادوا كل كيد خبيث لصفوة رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم نقّاض عهود ، ووُقّاد نيران الحروب ، ومفسدون في الأرض مذ كانوا ، وهم على ذلك إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وأختم بالقول إن كل من غيّب مسوؤلية حماية الأقصى أو تنكب الحديث عنها في هذا الظرف بالذات، عليه أن يعجل بتوبة نصوح مخافة الخالق سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيحاسب على ذلك يوم العرض عليه ، يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون .

وسوم: العدد 1062