هل أخطأت حماس؟
لم تخطئ حين قامت بعملية طوفان الأقصى، فهذا عمل بطولي لا يقدر عليه إلا أولو العزم من الرجال وإنما أخطأت حين ظنت أن في المسلمين بقية من حمية دينية تدفعهم إلى الانخراط في الجهاد من أجل الأقصى أولى قبلتيهم و ثالث مساجدهم، وإذا بأكثر من خمسين من دولهم تتفرج على المذبحة ، وأخطأت حين ظنت أن بالعرب بقية من حمية قومية تجعلهم يهبون من أجل فلسطين وإذا بأغلب دولهم تصطف مع العدو وتستسيغ إبادة الفلسطينيين بأكثر الطرق همجية، وأخطأت حين ظنت أن في رام الله بقية من نخوة وطنية تجعل السلطة ترخي قبضتها عن الثائرين والفدائيين فيفتحوا جبهة أخرى في وجه العدو فإذا بالسلطة تمعن في التنسيق الأمني مع الصهاينة وتمنع أي تحرك يضايقهم رغم المجازر والاعتقالات اليومية في جنين وغيرها من مدن الضفة، وأخطأت حين ظنت أن هناك زعماء مسلمين أصحاب مكانة ومصداقية سيتحركون بقوة لنصرة غزة ويقطعون علاقاتهم بالكيان الصهيوني وإذا بهم يملؤون الساحة بالتصريحات الصاخبة ولا ينصرون غزة قليلا ولا كثيرا بل تواصل دولهم تعاملها مع العدو تعاملا عاديا وتمده بالبترول والطعام "وفقا لاتفاقيات سابقة" !!! وأخطأت حين ظنت أن علماء الدين سيكونون في مقدمة المعركة بالمواقف الحازمة والفتاوى القوية لحشد التأييد والانخراط في الجهاد بكل أشكاله وإذا بكثير منهم يتبين أنهم مجرد رجال دين يدورون مع هوى الحُكام حيث دار، صدمونا بكلام كله تخذيل وتثبيط وكذب على الله ورسوله والمؤمنين، وحرفوا الكلم عن مواضعة وأبطلوا الجهاد بالسلاح وأحلوا محله ما سموه الجهاد بالسنن !!!وأخطأت حين ظنت أن في المنظومة الغربية بقية من إنسانية توقظ ضميرها أمام همجية الكيان الصهيوني وإبادته الجماعية للفلسطينيين لكن تبيّن أن هذا الضمير قد مات إذ أصبح هذا الغرب الذي تثور ثائرته لموت هرّة هنا او هناك لا يحركه قصف المستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف وتقتيل الأطفال بالآلاف.
أخطأت حماس لكنها أخطاء تؤجر عليها، فالطوفان سبب هزة عيفة في أعماق الكيان لم تقتصر ارتداداتها علي الجوار بل امتدت إلى العالم الغربي حيث كان ضربة قاضية لصنم "قيم الحضارة الغربية" الزائفة والرجل الأبيض مبتكر حقوق الإنسان، معول هدم هذه الصنمية حمله سيد قطب وها هي حماس تعطي به الضربة القاضية، ولو أحصينا الدروس التي لقنتها حماس وغزة والمقاومة لعجزنا عن عدها، يكفي أنها محّصت معنى التوحيد الذي تقوم عليه عقيدة الإسلام والذي شوّهته جهات تنتسب للدين حين حوّلته إلى مباحث كلامية تجريدية تؤصل للخنوع والذلة والهوان في مقابل تأليه الحُكام، فبينت حماس وغزة والمقاومة أن التوحيد الذي يجعل المسلم يعادي المجاهدين ويوالي الكفار ليس توحيدا بل هو الشرك بعينه، هذا حتى يحذر المسلمون تدليس شيوخ الباطل الذين يحرّفون الكلم عن مواضعه ويصدون عن سبيل الله، وهم دعاة على أبواب جهنم، من اتبعهم قذفوه فيها.
أخطاء حماس تؤجر عليها، كيف لو قمنا بتتبع خسائر العدو ونشرناه؟ فقد رأينا بأعيننا مصداق قول الله تعالى "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون"، فكما نتألم لما يصيب إخوانا في غزة فإننا نبتهج بما ألحقته المقاومة بالعدو، وهو ما ينبغي أن ينشر على أوسع نطاق لأنه جزء من الحرب وعامل من عوامل الانتصار فيها، فقد انتصرت غزة عسكريا على أعتى جيش في الشرق الأوسط، وكبدت الصهاينة أزمة اقتصادية لن يتعافوا منها بسهولة، وأمسكت بتلابيب الدعاية الإعلامية وأصبح اسم أبي عبيدة على كل لسان في العالم، وأربكت العدو نفسيا وسياسيا وكشفت حقيقته أمام الرأي العالمي.
هكذا والحمد لله كنا نقرأ عن البطولات في بطون الكتب ونتعجب كيف يواجه بضع مئات من المسلمين آلافا من جنود العدو ويهزمونهم، وربما ظن بعضنا أنها اخبار فيها مبالغات، لكننا الآن نراها بأعيننا في غزة الشهامة...كتائب قليلة العدد والعدة تلحق خسائر كبيرة يوميا بما يسمى "الجيش الذي لا يقهر"، ولولا خيانة الأنظمة العربية لحررت فلسطين كلها، فانتظروا الكرامات والخوارق الربانية، ويكفينا قول أبي عبيدة:" كلما ظنوا أننا انتهينا سنعلمهم أننا بدأنا من جديد".
هذه "أخطاء حماس" فلنحذر أن نرتكب نحن خطايا في حقها إذا تخلينا عنها وبخلنا بالمال ومختلف أنواع المدد.
وسوم: العدد 1062