تورط بعض المسؤولين عندنا في جنايات مرده صكوك حسن سير تسلم لهم مجاملة ومحاباة دون تحرّ وتدقيق
لا حديث مؤخرا في وسائل إعلامنا، ولا في وسائل التواصل الاجتماعي إلا عن جنايات من الوزن الثقيل تورطت فيها شخصيات تتبوأ مراكز القرار. ودون الدخول في تفاصيل هذه الجنايات ، أو في حيثياتها ، وهي الآن قيد التحقيق من طرف الجهات المختصة لتقول فيها العدالة كلمتها الأخيرة ، نود إثارة موضوع صكوك حسن السير التي من المفروض ألا تسلم إلى من يتقدم لشغل منصب أو تولي مسؤولية من المسؤوليات كيف ما كانت إلا بعد بحث ،وتحقيق، وتحرّ ، وألا تكون في ذلك مجاملة أو محاباة أو محسوبية . ورحم الله تعالى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أثنى على الشاعر زهير بن أبي سلمي بقوله : " لا يمدح الرجل إلا بما يكون فيه " ، علما بأن مدائح معظم الشعراء العرب كان كثير منها محض مجاملات ومحاباة ، وشهادات زور ، لهذا وصفهم الله تعالى في محكم الذكر بقوله : (( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون )) ، واستثنى منهم من قال فيهم : (( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )) . ولا تختلف شهادات عموم الناس في بعضهم البعض عن شهادات الشعراء ، وأولى الناس بصدق الشهادة ، من يوكل إليهم أمر البث فيها ، وهم من يتولون تسليم ما يوثقها ، وكلهم يشملهم حكم الله تعالى : (( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم ))، وهذا الحكم ينطبق على كل شهادة مهما كان نوعها .
ولا شك أن بعض المتورطين في الجنايات التي هي اليوم حديث الشارع عندنا قد قدموا شهادات حسن سيرهم لما رغبوا في شغل مهام أو تولي مسؤوليات بما فيها مسؤوليات تمثيل الشعب ، والتحدث باسمه لدى الجهات المعنية . فهل كانت تلك الشهادات ذات مصداقية أم أنها سلمت لهم عن محاباة ومجاملة، لأن ما تورطوا فيه قد نقض مصداقيتها، وكشف عن طوايا غير سوية، وكانت إما خفية لم تعلم أو سكت عنها وأخفاها عمدا من كان يعلمها ، وزكاهم بشهادات زور ؟
ولقد جرت العادة عندنا أن الذين يتهافتون على الرغبة في تمثيل الشعب، هم إما موسرون يرمون الجمع بين اليسار ، وبين مناصب من شأنها أن تزيدهم يسارا، أو معدمون يلتمسون من ورائها منافع ومآرب . و لقد كان من المفروض أن تسلم شهادات حسن السير لهؤلاء مع مراعاة النوايا والطوايا ، لأن المسؤوليات والمناصب لا تعطى لمن يطلبها على استحياء، بله من يصرح بطلبها حرصا وإلحافا . ولا يعدم المحققون في تلك النوايا والطوايا الكشف عنها بيسر وسهولة لوجود أدلة ومؤشرات تكشف عنها أحوالهم . ومن التدقيق في حسن السير لدى الموسرين أن يكشف النقاب عن كيفية تحصيل ثرواتهم سبب يسارهم ، ولا يعدم المحققون أيضا معرفتها من خلال الجهات الرسمية المعنية بالكشف عنها في دوائر خاصة . و في المقابل لا يحتاج المحقوق تدقيقا حين يتعلق الأمر بالمعوزين ،لأن العوز خير شاهد على طمعهم ، وكفى به شاهدا عليهم . وفي هذا الصدد على المحققين في نوايا وطوايا من يرومون تبوأ المناصب والمسؤوليات أن يستحضروا شهادة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه الذي روى لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد طلب منه أن يستعمله أي يوليه منصبا فقال : " قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ، ثم قال : يا أبا ذر ، إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها " . ففي هذا الحديث الشريف أسس تحري تسليم شهادات حسن السير الذي يكون فيه مسلمها عالما بمن تسلم له، كعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعف أبي ذر الذي لم يؤهله لحمل أمانة فوق ما يطيق . وإذا كان الضعف هو ما منع استعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر ، وما كان قدحا فيه ـ حاشاه ـ رضي الله عنه لمكانته عنده عليه الصلاة، بل كان إشفاقا عليه مما لا يطيق ، ولعل في ضربه عليه الصلاة والسلام بيده على كتفه ما يدل على ذلك ، فإن من يزكون طالبي المسؤوليات والمناصب عندنا عليهم وجوبا أو شرعا أن يكونوا على علم بما لا يؤهلهم لها ، والإشفاق عليهم منها ، والحرص عليها لأنها أمانات، لا تؤخذ إلا بحقها ، وأداء الذي على طالبيها فيها ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخيرا، نقول للذين زكوا المتورطين في الجنايات حديث الألسنة اليوم عندنا : ماذا أنتم قائلون لمواطنين وضعوا ثقتهم فمن لم يرعوها حق رعايتها ، وقد صدر عنهم ما يدل على سوء اختيارهم لأمانات ليسوا أحق بها ، ولا أهلها؟
وسوم: العدد 1063